علي رياح
اتساءل دوما عن حدود السلطة المتاحة للمدرب ، أو تلك التي يتيحها لنفسه حين تتحوّل رغبات النجوم إلى طلبات ، ثم إلى أوامر بفعل بريقهم أو بسطوتهم ، أو حين تصدر أوامر عليا بذلك .. أو ربما عندما يلوح تدخل الصحافة لتكون طرفا في المعادلة أو المواءمة بين المدرب واللاعب!
من المدرّبين من ينساق مختاراً طائعاً مخيّراً ، ولا يلقى في معظم الخواتيم غير الفشل ، وهنالك من يتمسّك برأيه حدّ التسلط .. وعن الفئة الثانية اتحدث هنا ، وتحديداً عن المدرب أنور جسام الذي استمتعت بإطلالته الأخيرة على شاشة الرياضة العراقية مع المذيع المبدع هشام محمد وفريق الإعداد الرائع ، وذلك بعد غيبة طويلة عن الشاشة أو المناسبات الرياضية العامة ، حتى ليتخيّل البعض منا أن أباطرة التدريب عندنا صاروا خارج الزمن ، أو أن الأرض قد لفظتهم!
فيما عدا بعض التفصيلات التي حاول جسّام تجاهلها أو التقليل من شأنها مثل الخسارة السداسية في الهند ، أمتعني البرنامج حقاً ، خصوصاً أنه أظهر مرة أخرى أن الضيف مدرب لا يعرف المجاملة أبداً .. وكثيراً ما كانت تدبّ بيني وبينه اختلافات الصحفي مع المدرب ، كانت تصل إلى الناس عبر أعمدة الصحف ، لكنها لم تتحوّل يوماً إلى خلاف أو خصومة فيها التربّص وتسقـّط الزلـّة لجعلها قضية!
في هذه الصدد ، تعيدني الذاكرة إلى أكبر (اشتباك) مهني ظاهره قاسٍ ، ومضمونه ودّي للغاية ، بيني وبين المدرب الكبير .. حدث ذلك بعد أن تولى أنور جسام قيادة منتخب العراق وتجهيزه للاشتراك في بطولة الصداقة والسلام في الكويت نهاية عام 1989 ثم خليجي 10 في الكويت 1990 كهدف أهم .. أقنع جسّام في ذلك الوقت اتحاد الكرة بأنه لا بدّ من تجديد صفوف المنتخب ، وكان بين من تمّ اقصاؤهم نجمنا وهدافنا الدولي الكبير حسين سعيد الذي كان في قمة عطائه برغم الإصابات المتلاحقة التي داهمته ، كما أن الادعاء بتقدمه في السن كان مثيرا للتندر في حينها ، لأنه كان في الحادية والثلاثين من العمر!
تبنيّت هذه القضية ، فكتبت في أربع صحف ومجلات عراقية وعربية سلسلة من المقالات التي كانت تصل إلى خلاصتين .. الأولى أن حسين سعيد لم يصبح خارج الزمن الكروي بعد ، والثانية أن المنتخب ما زال في أمسّ الحاجة إليه ليكون إلى جانب أحمد راضي في الخط الأمامي للمنتخب!
اعتبر أنور جسّام ما كتبته تحريضاً واضحاً مني للجمهور عليه ، وتحدّث في أكثر من صحيفة عن أن قراره نهائي وأن الضغوط لن تؤتي ثمارها ما دام مدرباً للمنتخب .. بينما كنت أرى أن المدرب (يضمر) أمراً شخصياً تجاه بعض اللاعبين الكبار وفي مقدمتهم حسين سعيد .. وفي هذا الجو دخل كريم الملا وزير الشباب والرياضة ورئيس اتحاد الكرة وقتها على الخط وطالبني بالتوقف عن الكتابة في هذا الشأن .. ولما واصلت الكتابة ، استغل أحد المؤتمرات الصحفية وافتتحه بسؤال : أين الأخ علي رياح؟ هل هو حاضر؟ متى سيكف عن نقد المدرب أنور جسام؟!
مضى المنتخب إلى مشاركته القريبة في بطولة الصداقة والسلام من دون حسين سعيد ، وبرغم فوزه باللقب ، ظهرت الحاجة الماسة إلى هدافنا الأبرز أمام المرمى ، وهو ما أدّى في النتيجة إلى تراجع المدرب أنور جسّام عن قراره السابق واستدعاء حسين سعيد ليكون قائدا لمنتخب العراق في دورة الخليج العربي في الكويت 1990 وطلب أيضا ضمّ عدنان درجال.
لم تنشأ عمّا دارَ بيني وبين جسّام أية ضغينة .. في البداية كنت أطرح رأياً وأصرُّ عليه .. وكان الرجل لديه قناعة تمسّك بها .. وحين فرضت الوقائع نفسها استجاب بواقعية شديدة وغيّر موقفه من دون أن ينال ذلك من اعتداده الشديد بنفسه ، وبأنه وحده صاحب القرار في أول الأمر .. وفي منتهاه!