جدوى إقامة مهرجان  مسرحي جامعي..تجربة مهرجان المسرح الأكاديمي في الكويت

جدوى إقامة مهرجان مسرحي جامعي..تجربة مهرجان المسرح الأكاديمي في الكويت

أحمد شرجي

حضرت مؤخراً أيام مهرجان المسرح الاكاديمي في الكويت بدعوة كريمة من الناقد الدكتور علي العنزي ،مشرفاً لورشة (الممثل الدراماتورج) والذي يقيمه المعهد العالي للفنون المسرحية.

الشيء الذي أثار انتباهي طيلة أيام المهرجان وجعلني أتساءل مع نفسي ماهي الغاية من إقامة مهرجانات المسرح الجامعي في بلداننا العربية؛ هل هي إقامة نشاط وينتهي بعد إعلان الجوائز؟ ام هي ايام إثرائية للطلبة وخلق أجيال مسرحية جديدة ، من خلال زج الطلبة في خضم التجربة المسرحية ممارسة وتطبيقاً . وجاءت الاجابة من ادارة المعهد الذكية ورئاسة الاقسام المشاركة في المهرجان ، والتي كان هدفها الطالب/ الفنان او مشروع الفنان، تأهيله بعيدا عن الدرس الأكاديمي بل عبر الممارسة والتطبيق والمشاهدة.

لم تلجأ ادارة المهرجان إلى الاستعانة بإعلاميين محترفين لتغطية وتسجيل وتصوير فعاليات مهرجانها، بل قام بكل ذلك طلبة قسم التلفزيون وبإشراف من رئيس قسمهم الدكتور محمد الزنكي، يراقبهم ويوجههم عبر غرفة عمليات إعلام المهرجان ، يوثقون كل صغيرة وكبيرة في المهرجان ، ادارة حوارات مع الضيوف ومع المشاركين ، وهذا درس كبير ومهم للطالب في الممارسة والتطبيق، تجعله يتحمل مسؤولية الصورة والصوت والتكوينات وحجم الكادر وكل ما يتعلق بالصورة التلفزيونية الذي درسه نظريا. ولعل الخطوة الاكثر جراءة بتقديم الطلبة وتحملهم المسؤولية ولدت من قسم النقد ورئيسته الدكتور سعداء الدعاس ، حيث كان طلبة القسم في غاية النشاط والمتابعة ، من خلال مشاركة الطلبة في ادارة الجلسات النقدية في مهرجان يعد الاهم على صعيد المسرح الجامعي والاكاديمي في منطقة الخليج، حيث كان طلبة النقد يقدمون أرائهم عن العروض بطريقة واعية وبلا قيود ، بعضها يصيب وبعضها يخطأ، لكن الاهم مشاركتهم والتعبير عن أرائهم النقدية أمام فريق العرض المسرحي واساتذتهم وضيوف المهرجان، ولعل إدارتهم للجلسات النقدية وتقديم المعقبين تعد الخطوة الأهم في الممارسة التطبيقية داخل الندوات ، وحسنا فعلت إدارة المهرجان بتكليف أستاذ مختص واكاديمي بتقديم ورقة نقدية عن العرض ،وكأن ادارة المهرجان تمنح الطلبة درسا نقدياً تطبيقاً، وفق أسس علمية واكاديمية صحيحة . والشيء الأكثر أهمية حسب رأيي ؛ النشرة اليومية للمهرجان والتي يحررها طلبة النقد بكل تفاصيلها، طباعة فاخرة، المدهش في النشرة، أنه لم يشرف عليها سوى رئيسة قسمهم ، وبكل موادها يحرره الطلبة ، ويسهرون على إخراجها بأبهى صورة ، تغطيات شاملة عن العروض، مقالات اكاديمية ذات تخصصات متنوعة في عناصر العرض المسرحي والتلقي، حوارات يقيمها الطلبة مع الضيوف والمشاركين في العروض المسرحية ، وانطباعات ونقود طلبة النقد، وهنا قد تصيب او تخطأ، وهذا ليس مهما، بل المهم أن تكون حاضراً وتعبر عن رأيك بمقالة نقدية، أليس انت طالب نقد؟ 

وتكفل اساتذة التمثيل والإخراج والأزياء والديكور( د. فهد عبد المحسن، د.احلام حسن، د. ايمن خشاب، د. ابتسام حمادي، د.خلود الرشيدي) بتقديم حفل الأفتتاح والختام ، ومشاركة طلابهم في عرسهم المسرحي، وكأنه احتفاء بسباقهم الفني وتقديمهم للجمهور، ومن ثم توديعهم ومباركتهم بجوائزهم التي سيحملونها معهم، والرسالة الاخرى؛ نحن معكم ونراقبكم ونحتفي بكم. وهذا انعكس على الروحية العالية التي يتمتع بها الطلبة المشاركين وتعاونهم فيما بينهم رغم انهم ينافسون بعضهم البعض على جوائز المهرجان .

تعد تجربة إدارة المعهد العالي للفنون المسرحية في مهرجانه السنوي ثرية ، رغم ما يمثله المهرجان من ثقل فني واكاديمي داخل الكويت وخارجها، هدف الادارة ليس البهرجة الاعلامية التي ترافق المهرجانات وحتى الاحترافية منها، ولا تسعى لإرضاء المسؤول، بل تسعى إلى خلق جيل مسرحي جديد تزجه في معترك الفن ممارسة وتطبيقا، وهذا ما تسعى اليه ، بل يفترض ان يكون الهدف الرئيس لكل مهرجان جامعي، لأن قوة وأهمية المهرجان ليس بكثرة المدعوين وتكرار الاسماء و(الشو) الاعلامي ،ولا ميزانيات ضخمة ، بل غاية تطبيقية وممارسة للطلبة وتبادل الخبرات فيما بينهم، تُشعر الطالب بانه مهرجانه وعليه ان يقدم نفسه فيه حسب اختصاصه. كم هائل من المهرجانات تكون حاضرة اعلاميا ولكنها بلا فاعلية ولا اهداف حقيقية، كم هائل من المهرجانات تمتلك ميزانية مالية هائلة ولكنها تعمل بعقلية ( إدعيني وأدعوك)، كم هائل من المهرجانات يحضرها عشرات الضيوف ولكنهم ضيوف سياحية بلا اي مهمة ووظيفة داخل المهرجان، ولم يقدموا شيئا للمهرجان والمهرجانيين.

وفق كل ذلك، ننحني امام إدارة المهرجان على هذه الخطوة الرائعة والتي فيها نكران ذات بعد تصدر المشهد ، بل تقديم طلبتهم للآخرين والاحتفاء بهم، وكذلك لابد الاستفادة من هذه التجربة العلمية والعملية لإدارات المهرجانات المسرحية الاكاديمية،لأنها تجربة مهمة وفريدة في المنطقة العربية، تجربة تسهم في تطور الطالب وتنمي حسه الفني والنقدي عبر زجه في معترك الممارسة العملية والتطبيقية ، وتسعى إلى خلق جيل مسرحي وفني وفق أسس صحيحة وعلمية ، وهذه مخرجات اي مؤسس اكاديمية فنية، والهدف الرئيس لإقامة المهرجانات الجامعية.

هل نتملك جرأة إدارة مهرجان المسرح الاكاديمي الكويتي، ونعطي المسؤولية كاملة للطلبة وبأشراف مباشر منا؟ ام أننا نكتفي بالبهرجة الاعلامية، ودعوة الأصحاب والأحباب، والأهم بالنسبة للمشرفين على المهرجانات إرضاء المسؤول وتكريمه في ختام المهرجان رغم أنه لم يقدم شيئا، ولا يستحق حتى أن يصعد على خشبة المسرح المقدسة، بل هي الغاية الرئيسة لإقامة المهرجان، ولم تكن غاياتهم تطوير القدرات الفنية للطلبة ولا صناعة أجيال مسرحية جديدة، ولا يهمهم مستوى العروض المقدمة، ولا شكلها، ولا نوعها، بل المهم سيحضر المسؤول.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top