علي كريم السيد
يميز الأنثروبولوجي الامريكي رالف لينتون بين نمطين من الشخصية هما :
1 - الشخصية الاساسية: فكل مجتمع يبلور شخصية اساسية Basic personality يشترك فيها اغلب افراد المجتمع وتشير الى مجموع العناصر المشتركة بينهم من المواقف وانماط التفكير والعمل والسلوك.
2 - الشخصية الوظيفية: وترتبط بالأوضاع والظروف والوظائف التي يؤديها كل فرد في المجتمع، وكثيرا ما تذوب شخصية الافراد في الشخصية الاساسية داخل المجتمع التقليدي المغلق، في حين يطغى السلوك الفردي في المجتمع الليبرالي المفتوح.
والسؤال الذي نطرحه هنا، كيف تعاملت الشخصية العراقية الأساسية مع خطر الوباء وفرض حظر التجوال من قبل الحكومة وخلية الازمة؟
وفقا للملاحظة البسيطة والتقارير الصحفية وبعض التصريحات الرسمية فأن السمة الغالبة كانت (اللامبالاة) و(التحدي) وكلاهما وجهان لفكرة واحدة هي اللاعقلانية في التعامل مع الوباء. حيث يتعامل البعض مع الحظر وكأنه عطلة ترفيهية، يمارس فيها زيارة الاصدقاء والاقارب مع وجود المصافحة والتقبيل. وهي عادات جسدية يعبر من خلالها الفرد عن المحبة والاحترام ضمن التراث الثقافي لمجتمعنا. ولكن هذه العادات اليوم صارت تشكل خطرا وسببا لنقل الفيروس ان لم يكن هناك وعيا جادا لدى الناس في الابتعاد عنها على الاقل هذه الفترة، حيث أن مقولة (الانسان كائن اجتماعي) لم تعد مناسبة اليوم!
حتى أن السيد مدير عام دائرة صحة بغداد/ الكرخ جاسب الحجامي قد عبر عن خيبة أمل واستياء شديد بعد ان قام بجولة ميدانية في جانب الكرخ من بغداد بتاريخ 27\3\2020 ونشر تغريدة في صفحته الشخصية على موقع فيسبوك من ضمنها قوله "ان مواطني جانب الكرخ وخصوصا المناطق الشعبية مثل الحرية وابو دشير والعامل والبياع لا يعرفون شيئا عن حظر التجول ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي باستثناء منطقة المنصور التي تشعر فعلا انها ملتزمة بالحظر".
ويعبر هذا البرود الانفعالي حيال خطر الإصابة من وجهة نظر علم النفس عن نزعة اكتئاب جماعي سببه "العجز المكتسب" الذي اصيبت به الشخصية. ما جعلها تفقد التحكم بمسار حياتها، اضافة الى عدم وجود المعنى لهذه الحياة. فقد يقول مواطن "وإذا متت شنو يعني؟" وقد يسخر آخر من الملتزمين بالوقاية الصحية وينعتهم "بالجُبن" بينما يفضل البعض الاحتكام الى حجج ومبررات غيبية غير علمية لخلق المبررات النفسية التي يواجهون بها المرض.
وقد جاءت هذه السلوكيات نتيجة لما تعرضت له الشخصية العراقية على طول التاريخ من انتهاكات فظيعة وتجهيل مستمر بخاصة تحت حكم النظام البعثي الشمولي، ثم زاد الطين بلة بعد الاحتلال سنة 2003 حيث تعرضت الى هزات عنيفة وازمات مستمرة ومعاناة اقتصادية ونفسية سبب لها حالة من الانكسار والتراجع الثقافي والتشظي.
وهنا تبرز الحاجة الى اعادة الاعتبار للعلماء والمفكرين ودعم مراكز البحث العلمي في كافة المجالات الطبية والصحية وفي مجالات العلوم الاجتماعية. وضرورة بناء مراكز التوعية والعلاج النفسي المعرفي لتأهيل المصابين بالاكتئاب. والاستفادة من خبرات ودراسات علم النفس الايجابي وجعلها مقررا ضمن حصص التدريس في المدارس والجامعات لعلنا نستطيع ترميم وبناء شخصية الجيل القادم واعداده بشكل نفسي وذهني وعلمي لمواجهة كل انواع التحديات الوجودية الراهنة.
اترك تعليقك