كورونا وأزمة العقل اللاعِلمي!

آراء وأفكار 2020/04/08 07:20:08 م

كورونا وأزمة العقل اللاعِلمي!

 د .لؤي خزعل جبر

في يومٍ ما أتذكَّرُ إنني أوردتُ في منشورٍ فيسبوكي فتوى للمحقق الخوئي، نقلتها مِن كتابٍ لمرجِعٍ كبيرٍ آخر هو تعليقٌ على "منهج الصالحين"، لكونِ الرسالة الأصلية لم تكن عندي، ومِن المعروف إن التعليقة تذكر نص الرسالة الأصليَّة بأمانَة، فالإطمئنانِ يكاد يكون قطعي بصحة النقل.

نشرتهُ، وخرجت، وعندما كنت في الخارِج خطر في ذهني: "ماذا لو كان النقل غير دقيق؟" لاحِظ إنني أتحدث عن منشور فيسبوكي، وموضوعٍ ليس بالخطير، وما نقلته من تعليق، وذلك التعليق لمرجعٍ كبير، واحتمالات الخطأ فيه تقتربُ من الصِفر! لم أتحمل الاحتمال (1/1000000000)، فقطعت خروجي، ورجعتُ إلى البيت، وبحثتُ عن الرسالة الأصلية، وأنزلتُ نسخة، وراجعتُ النص، فوجدته كما هو، آنذاك اطمأننت، اطمأننتُ لكوني لم أخالِف أخلاقياتي العلميَّة، والتزامي بتقديم الحقيقي والدقيق والتنويري، اطمأننت إلى احترامي لعقولِ الآخرين! فالعقلُ العِلمي – بخلاف اللاعلمي – عقلاني، نقدي، دقيق، أخلاقي، يتحرى الحقيقة بشغفٍ وموضوعيَّة ونزاهَة، ويحسِب حساباً صارِماً لما يُعلِنُهُ، للموضوعِ بذاتِهِ، لزمانِهِ ومكانِهِ، لتداعياتهِ ومُعطياتِهِ!

ما نسبه أحد الإعلاميين للإمام علي بن أبي طالِب مِن نص تنبؤي يتحدَّث عن الأزمة الكورونية الحالية، أنموذجٌ للعقل اللاعِلمي، وهو ليسَ حالة نادِرَة، بل شائِعَة، فهناك آلاف المنشورات التي تنقل عن شخصيَّات دينيَّة وتاريخيَّة وأدبيَّة وعلميَّة نصوصاً لا تمتُّ بصلةٍ لتلك الشخصيَّات. وما فعلَه الإعلامي المذكور بسيط مقايسة بغيرِه، فهو نقل نص واضح الركاكَة، وأحالَ إلى نهجِ البلاغة وكتابٍ آخر (عظائِم الدهور للدبيزي)، ونهج البلاغة متاحٌ للتحقق، كما أن الآخر لا وجودَ له، فمسألتهُ هينة، فكيفَ بنصوصٍ واردة – بالفعل – في كتب معروفة، وكتب عالية، كتب شكلت الثقافة الدينية النخبوية والشعبيَّة، في كل المذاهِب الإسلاميَّة؟

هل نكون انتقائيين، فنرفض ما نسبه هذا الإعلامي، ونسكت عما ينسبه آخرون إلى شخصيات دينية وغير دينية؟ نرفض ما نسبه لأنه غير معقول أم فقط لأنه لم يرد بالفعل في كتابٍ مُعتبر، وبتعبير آخر، لو كان بالفعل ورد في نهج البلاغة، أو كان هناك كتابٌ – بالفعل – اسمه عظائم الدهور، ورد فيهِ النص، هل نقبله بلا تمحيصِ؟ فكتاب نهج البلاغة – كما يعرِف المتخصصون – كتاب أدبي وليس ديني عقائدي، فالشريفُ الرضي جمع فيه ما رآهُ جميلاً من عباراتٍ بليغة، ولم يكن غرضهُ جمع كلام علي، ولا تبيان عقائده، وما ورد فيهِ – في الغالب – إنما هو مقاطِع مُختارة من نصوصٍ أطوَل واردة في كتبٍ أخرى، وبالتالي ألا يمكن أن يكون للنص معنى مغاير لو رجعنا إلى سياقه الأصلي، ألا يمكن أن يكون نصاً مزيفاً نسبهُ كتابٌ ما إلى علي ونقله الرضي لاعتقاده بصحته؟ فنهجُ البلاغة – بذاته – ليسَ مُقدساً، بل قابل للنقد بحسب المحكات العقلانيَّة والتاريخيَّة واللغويَّة! وكذلك كتابُ عظائِم الدهورِ – إن وجد – ليسَ مُقدَّساً، فكاتبه رجل مِن الرجال، عُرضَةٌ للكذب وللجهل وللتوهم، وكم لهُ من نظير في ثقافتنا الدينيَّة!!!

مَن ينتقد الإعلامي المذكور، لابد أن ينظر إليهِ ضمن هذهِ الرؤية، قبل أن ينتقده يجب أن يُراجِع معايير نقدَه، إن كان معياره وجود النص في كتاب معتبر أم لا، فكم نقبل ونتداول نصوصاً لا أصلَ لها؟ وكم نقبَل ونتداول نصوصاً من كتبٍ غير معتبرة؟ وإن كان معياره عقلانية النص، فكم نقبل ونتداول نصوصاً لا عقلانية؟ وكم في ثقافتنا مِن كتبٍ – بعضها شبه مقدسَّة – وهي مليئة باللاعقلانيات واللامعقولات؟!!

تعليقات الزوار

  • عدي باش

    اخي الكريم...وقتها نشرت على صفحتي(إلفيس بوكية)منشورا دفاعا عن الاعلامي..بعنوان غريب أمور...عجيب قضية ..مضمونها بعض ما تضمنه مقالكم....تعرضت فيه إلى كم هائل من الشتائم والتخوين..كاننا ،الاخ نجم وانا،ارتكبنا جريمة نكراء بحق المذهب ..

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top