نقطة ضوء: قسم الطب الرياضي

د.علي عبد الزهرة الهاشمي 2020/04/19 05:53:25 م

نقطة ضوء: قسم الطب الرياضي

 د.علي الهاشمي

تؤكد المصادر التاريخية أن أول صيدلية في العالم فتحت في بغداد في وقت كانت أوروبا غارقة في الأمراض لم تكلّف نفسها في البحث عن دواء كعلاج، بل إن الكنائِس وقتذاك اطلقت مفاهيم كون الأمراض هي عقاب ربّاني لا يجوز أن يُعالج الانسان نفسه منها، ولهذا عندما يمرض أحدهم يهرع الى أقرب دير أو كنيسة متوسّلًا ومنتظرًا العِلاج.

ولم يكن الدواء هو الانجاز الوحيد، بل كان للطب العربي والإسلامي القدح المعلّى حيث تعترف أوروبا بفضله الى يومنا هذا، فعندما كانت باريس ولندن وغيرها من المدن الأوروبية خالية من أطبّاء اخصائيين ليعالجوا ملوكها، شعت علوم الطب العربي والإسلامي على أوروبا عبر إسبانيا وصقلية، وانتظم الأوروبيون طلابًا على أيدي اساتذتهم العرب والمسلمين في بغداد وقرطبة وغرناطة وإشبيلية وغيرها .

عندما انتشر الطاعون في أوروبا في منتصف القرن الرابع عشر وقف الأوروبيون مكتوفي الأيدي على اعتبار أنه جزاء وعقاب من الله ممّا دفع العلاّمة الغرناطي بن الخطيب لتأليف كتابه المعروف (حقيقة السائل عن المرض الهائل) الذي أكد فيه نظرية العدوى التي تسبّبها الأمراض وكيفية الوقاية منها .

لقد اشتهر الطبيب العلاّمة أبو علي حسين بن عبد الله الملقب (ابن سينا) في الطب والتربية وله ملاحظات حول الرياضة وأهميتها في بناء الشخصية وكذلك محمد بن زكريا المعروف (بالرازي) الذي قدّم خدمات جليلة ارتكزت عليها الرياضة في علم التشريح الإنساني، وكذلك ما توصّل اليه (ابن النفيس الدمشقي) في اكتشاف الدورة الدموية والتي يتحتّم الإلمام بأهميتها في التدريب الرياضي .

في الوقت الذي يراودني الفخر بأجدادنا العِظام ومنجزاتهم الهائلة والتي تشكّل تاريخًا محفّزًا لكي نستفيد من تجاربهم الثرّة ونطبّقها كل في مجاله، لأنهم في اكتشافاتهم خدموا الرياضة، فالتشريح له دور في التطوّر الرياضي والدورة الدموية وأهميتها في نقل الأوكسجين للعضلات العاملة لتستمرّ بالجهد، كما أنهم لم يغفلوا الجانب النفسي مؤكدين أنه كما للأجساد علاج، فللجانب النفسي كذلك، وهذا الجانب لا يقلّ أهمية عن التدريب البدني إذا لم يتفوّق عليه، فنرى فرقًا رياضية كبيرة قد توفّر لها كل مستلزمات الاستعداد، لكنها تخسر أحيانًا مع فرق أقلّ منها استعدادًا بسبب الإعداد النفسي.

ولهذا، فإن الذي اختاروا التدريب الرياضي مهنة الحياة عليهم أن يبحِروا بسفنهم صوب اعماق الطب الرياضي، والفسلجة الرياضية، والتشريح، والصحة النفسية وعلم النفس الرياضي ليجدوا كل ما يساعدهم على النجاح في مهامّهم التدريبية .

إن الاهتمام بهذه المواد مازال دون مستوى الطموح دراسيًا، فمساق واحد اسبوعيًا لا يكفي لإعداد الراغبين في التعمّق بها في كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة برغم اهميتها في النهوض الرياضي.

لذا، أرى من الضروري استحداث قسم للطب الرياضي في كلية التربية البدنية في جامعة بغداد حصراً يقبل فيه من أراد التخصّص في التدريب الرياضي وفق ضوابط خاصة. وعدم القلق إذا ما كان العدد قليلًا لأن الحصول على مدرّب عالمي يكون انجازًا ينعكس على التطوّر الرياضي في البلد، ويكون مصدر اشعاع لغيره بدلًا من استيراد المدربين على مرّ السنين .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top