صراع الدولة العميقة مع الاحتجاجات

آراء وأفكار 2020/05/02 09:05:03 م

صراع الدولة العميقة مع الاحتجاجات

 د. مهند البراك

.1.

فيما تفاجأ الجميع بإجماع الكتل الحاكمة و بحضور أبرز قادتها على اختيار الكاظمي بعد الهجوم عليه قبل أسابيع من قِبَلْ ذات الكتل، كمكلف بتشكيل حكومة جديدة تهيئ للانتخابات المبكرة، الأمر الذي تسبب بردود أفعال و تفسيرات متنوعة، غلب عليها تفسير " أن الكتل الحاكمة الطائفية تشعر" بالحاجة الى إجماع وطني لمواجهة الكوارث الهائلة التي تعصف بالبلاد ؟!

بلا ذكر للقلق الذي خيّم عليها بسبب، ما حققته الاحتجاجات الشبابية التي انهت الطائفية و رفعت الروح و المشاعر الوطنية العراقية لدى كل المكوّنات الشعبية بكل ألوان طيفها القومي و الديني و الطائفي، و بسبب القلق مما سيجري، حتى بقيامهم بتنازلات للابقاء على كراسيهم . . 

من جانب آخر، و رغم أنواع التفسيرات و التصورات، يشير مراقبون و محللون الى أن المنطقة تشهد تحولاً كبيراً بفعل التحوّل الجاري في الصراع الأميركي ـ الإيراني الذي يترك تأثيره الواضح على بلدان الشرق الأوسط و منها بلادنا . .

و بفعل ما غيّره الوباء العالمي كورونا و خسائره الفادحة، التي صارت تستدعي تغييرات كبيرة في اقتصادات كثير من الدول و خاصة الكبرى و دول الخامات و ذات المواقع الستراتيجية، التي غيّرت تعاطيها مع الحياة اليومية و مشاريعها و في شهور . . أي إنه غيّر أوضاعاً و تكتيكات و ستراتيجيات، صارت تدعو الى التعاون الدولي على أساس المنافع المتبادلة و تخفيف حدة النزاعات.

في ظروف أصيبت بها الجارة ايران بخسائر هائلة على الصعيد المالي و الاقتصادي و الصحي، التي تسببت بضعف قدراتها العسكرية رغم قيام دوائرها الحاكمة بأنواع استعراض القوى العسكرية، و التي صارت تشدد على تشبّثها بالعراق كبقرة حلوب بشتى الوسائل، لإدامة حكمها الذي اعتمد الولاية الطائفية و الذي صار يهتزّ بتأثير احتجاجات تشرين، كبداية. 

و في الوقت الذي يرى فيه كثيرون، ضرورة وصول رئيس وزراء معتدل لإدارة البلاد و قادر على مواجهة مشاكلها و أزماتها الكبيرة التي تزداد حجماً و حِدةً، من موقع وسط معتدل يساعد على الانفتاح على دول المنطقة و العالم، من أجل إنقاذ البلاد، و إنهاء الصراعات على أرضها و خاصة صراع المصالح الإيرانية ـ الأميركية دون حساب لحقوق و موقف دولة و شعب العراق.

ففيما أجمعت الكتل الحاكمة بداية على تكليف السيد الكاظمي كما مرّ، عاد التناحر و التناطح بينها على الحصص و بأنواع الحجج المشابهة للتي مرّت في السابق على المكلفين علاوي و الزرفي، إضافة الى الحجج الجديدة من مشكلة الجيلية (صراع الأجيال الأول و الثاني)، و إثارة المشاكل النفطية المالية مع حكومة إقليم كردستان الآن (*) و بأساليب التهديد . . التي صارت مواد إعلامية مستمرة صعوداً و نزولاً و آمالاً و انتكاساً . . 

و هاهو الوقت يمضي دون التوصل الى حل لصالح الشعب و البلاد، وسط استغراب من مرور خمسة شهور دون الإتفاق على مكلّف في بلاد تزخر بالطاقات و الكفاءات، الاستغراب الذي يفسره كثيرون بأن مايجري من مماطلات هو ليس الاّ أسلوب لإطالة حكم رئيس الوزراء المستقيل و (الغائب) الذي يشكّل الفرصة الذهبية لكبار الفاسدين بسبب شلل حكومة تصريف الأعمال المنقوصية صلاحياتها و بالتالي شلل القوانين و شلل دوائر الدولة العليا .

و ليجيب خبراء على الاستغراب، بكونه نتيجة متوقعة لحكم (الدولة العميقة) التي تحكم بواجهة (حكومة مؤسسات و برلمان و انتخابات)، كما سيأتي. 

(يتبع)

_______

(*) و هي أمور يمكن أن تُحل دستورياً بعد إعلان الحكومة الجديدة، اذا كانت الكتل (الشيعية) الحاكمة جادة في تشكيل حكومة جديدة كفوءة و وفق معطيات الوضع الشعبي بعد انتفاضة تشرين البطولية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top