د. أثير ناظم الجاسور
منذ العام 2003 ولغاية اللحظة والعراق يعيش حالات من الولادات المتعسرة تشكيل حكومي او قرار مصيري بسبب الاختلافات والانقسامات التي تعيشها الكتل الحزبية،
واختلافات اليوم ليست بجديدة على هذه الطبقة التي كانت السبب الرئيس في تدهور الحال ووصوله إلى ما هو عليه فخلافاتها جعلت العراق يمر بمراحل وانعطافات خطيرة تحمل في طياتها بوادر أزمات جديدة وقضايا عالقة صعبة الحل، قد يكون السيد الكاظمي قد حالفه الحظ في تشكيل حكومته غير المكتملة بعد الاعتراض والقبول والتحفظ لكن بالمقابل يواجه وسيواجه صعوبات جمة تجعل من مهمته هذه محفوفة بالمخاطر والاعتراضات التي ستعطل قراراته التي يعدها هو مهمة،
فهناك مجموعة من القضايا التي يصعب حلها اذا ما تعارضت مع نظام المحاصصة وهددت الفاسدين، هذا إلى جانب انه يحمل على عاتقه تنفيذ مجموعة من الإجراءات واتخاذ جملة من القرارات التي يعدها البعض معقدة وغير قابلة للتنفيذ سيما وانه يواجه مزاجًا حزبيًا غير قابل للتغير يعمل وفق منظومة منغلقة لا تعترف بالخطأ ولا تمتهن السياسة، وتعمل على الاستمرار بنهج غير موفق بعد ان تمت تجربته طيلة هذه السنوات، وايضًا يواجه ترقبًا وغضبًا شعبيًا سئم من سياسة غير مجدية بددت آماله بالحرية والرفاهية والعيش الكريم.
اما بالنسبة المرحلة الحرجة التي يخوضها السيد الكاظمي لا مجال للتراجع او التراخي او تقديم التنازلات والنزول عند رغبة الاخرين فكل الحالات مكلفة والتصورات التي تحملها الكتل الحزبية لما بعد هذه المرحلة منقوصة وخالية من تحقيق مطالب الشعب، الموقف الشعبي خالٍ من مسألة الثقة بالطبقة التي كانت وما زالت سبب ازماته وبؤسه حتى بات يشعر ان كل ما تفرزه هذه الطبقة يصب في النهاية بصندوق مكاسبهم واستمرارهم في التمسك بالسلطة، عليه ان المشهد الحالي لا يزال يحيطه الشك والتعقيد الخالي من المعالجات الحقيقية للقضايا الرئيسة الملامسة لرغبة وشعور المواطن، بالتالي فان الامر ليس بالهين بالتأكيد، سياسيًا، انقسام كبير سيخلق ازمة جديدة لما سيتم التوافق عليه في الأيام القادمة خصوصًا قضية الوزرات التي تم الاعتراض على وزرائها والأخرى التي تم تأجيل التصويت عليها والتي من المحتمل أن تكون حجر العثرة في طريق هذه الحكومة، اقتصاديًا، تدني أسعار النفط المصدر الأساس للاقتصاد العراقي يهدد بين الحين والآخر الدولة بالإفلاس، مما سيؤثر بشكل مباشر على مصادر العيش للمواطن المتعلقة بالمرتبات والاعمال اليومية وضعف الإجراءات المتبعة ستجعل الجميع يترقب لحظة الانفجار، اجتماعيًا، كل مترقب الإجراءات المزمع اتخاذها فيما يخص ملفات عديدة أهمها الانتخابات ومحاسبة الفاسدين والملف الأهم هو ملف المتظاهرين والمتسببين باستشهاد 600 متظاهر وجرح 25 الف منهم، الخ.... من القضايا المهمة.
قد تكون رسالة السيد الكاظمي الأخيرة هي إعطاء تصور عن الوضع الحالي وحجم الضغوط والتحديات التي يواجهها من قبل الكتل والأحزاب المتنفذة فهو شخص جملة من القضايا قد تم تشخيصها منذ سنوات دون وضع حلول منطقية لها، وهذا واقع حال إذا ما أردنا رؤية الحقيقة التي نعيشها في العراق بعد ان تربعت هذه الأحزاب وخيمت على كل المشاهد واعطت لنفسها كل صلاحيات التحكم بمصائر المواطنين ومقدرات الدولة، لكن هذا لا يمنع من أن القرارات التي سيتم اتخاذها ستعمل على اقل تقدير على الأقل في تهدئة الشارع على اعتبار ان الشعب هو مصدر السلطات والشرعية لأي حكومة او برلمان يتم اختيارها، وان تدار جميع القضايا بحكمة وإرادة في سبيل الحصول على رضا هذا الشعب الذي لا يهدأ اذا ما تمت المراهنة على إجراءات ترقيعية لا تجدي وتسويف كل ما له علاقة بمصيره، ان المهمة صعبة بهذه الأجواء الداخلية والإقليمية والدولية التي بكل المقاييس معرقلة لكل تقدم لان الحكومة الحالية عليها واجبات وستتحمل معالجة كل التراكمات التي سببتها الحكومات السابقة. ان النظام السياسي في العراق يعاني من جملة تناقضات خصوصًا إذا تم التركيز على توجهاته في عملية الإدارة والتخطيط والوسائل والأدوات ناهيك عن الخطاب الأكثر تناقضًا والذي يحمل في جنباته عوامل الصراع والنزاع، بالتالي فان القضاء على هذه التناقضات يكون من خلال بلورة رؤية علمية ومنظمة تخلق حالة من التوازن مع الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية، وتغيير الكثير من الأفكار والسياسات المستند عليها النظام الحالي.
ان هذه الرسالة تبين ايضًا حجم الخطر والتعقيد اللذين صاحبا كل تشكيل حكومي لكن الظرف اليوم أخطر واصعب، تضمنت هذه الرسالة مجموعة من النقاط التي تبين ان مهمته معقدة قياسًا بسابقيه خصوصا وانه ختمها بتعهد سيتم التذكير به فيما بعد على تحقيق نقاطه الستة من عدمها التي تم تضمينها في رسالته إضافة إلى المسائل العالقة الاخرى، وهنا يضع كل ما يملك امام اختبار تاريخي ومصيري فالاستجابة للمطالب الشعبية تعني محاربة الطبقة الحزبية برمتها بفسادها وتخريبها ونظامها المحاصصي، إن ارضاء المتظاهرين لا يأتي من خلال تعويض عوائلهم بمبالغ مالية فقط واغلاق القضية وكأنها حدثت في زمان ومكان بعيدين بل حمايتهم تكون من خلال منع كل من يتعرض لهم واتهامهم بأبشع التهم وتقديم المتسببين بقتلهم وتغييبهم للعدالة ومحسبتهم، لان من خرج للتظاهر وتحمل كل هذا الأذى والقتل والضرب واستنشاق الغازات السامة لم يخرج من اجل المال بل لتصحيح مسار العمل السياسي والخلاص من طغمة فاسدة اهلكت البلاد، خرج من اجل حياة كريمة واسترجاع الشعور بالإنسان والانسانية، ومن الضروري ان تكون الدولة جادة بحصر السلاح بيدها والالتزام بكل التعهدات التي قطعتها على نفسها امام الشعب فيما يخص هذا الجانب، ومحاسبة كل من يحمل السلاح خارج اطار الدولة والقانون، وسيادة الدولة التي كانت وما زالت مضمحلة لا قيمة لها بسبب التدخلات التي سببت ما سببت من خراب، والحفاظ على السيادة هو الطريق لبناء دولة مؤسسات تحفظ من خلال منع التدخلات الخارجية والتأثير على القرار السياسي الداخلي والخارجي، اما فيما يخص الانتخابات يجب ان تضع الحكومة في حساباتها ثلاث قضايا مهمة قد تكون مستحيلة ضمن هذه الأجواء لكن اتخاذها مهم وهي:
أولًا: قانون انتخابات منطقي لا يحابي الكبير على مصلحة الصغير ولا الطالح على الصالح، قانون لا يعيد تكرار ذات الاحزاب والوجوه، والاعتماد على ذوي الاختصاص والخبرة في هذا المجال والخروج بحلول علمية منطقية.
ثانيًا: الايفاء بالوعود التي قطعتها الحكومة من خلال اجراء انتخابات مبكرة.
ثالثًا: ابعاد القوات الامنية والقوات المسلحة عن الساحة الانتخابية لا للانتخاب ولا للترشح، ابتداءً من رئيس اركان الجيش نزولًا للجندي على اعتبارهما مؤسستين وطنيتين لكل العراقيين. لا علاقة لهم بهذا الحزب او تلك الكتلة، وهذه قضية مهمة على الجميع ان يرتقي بالمؤسسة العسكرية وابعادها عن المناكفات السياسية والحزبية وابعادها عن التخندقات الطائفية والمذهبية والقومية والدينية. ان الاعتماد على الأحزاب والكتل كمن يحاول ان يمسك الماء بيديه لأنهم غير معنيين بما سيواجهه العراق فهم مصرون على تحقيق أكبر المكاسب غير مبالين بما يمر به العراق ولا الظروف التي تحيط برئيس الوزراء الجديد، لأنهم وبكل بساطة يعتبرون كل مسؤول في الدولة العراقية هو ورقة ممكن ان تحترق في ساعة برلمانية واحدة دون عناء البحث عن حلول قد تهدد مكانتهم، عندما نقول ان الامر ليس بالهين فهي بديهية لان كل المؤشرات تعطي نتائج غير محمودة العواقب فالجميع يعرف واولهم رئيس الوزراء الكاظمي ان الأحزاب والكتل لا تتنافس من اجل اظهار الأفضل الذي بدوره يوصل البلاد إلى بر الأمان بل هم يتصارعون من اجل الكعكة التي جاءوا من اجل اقتسامها، بالتالي من الاجدر ان يكون العمل على ترتيب الوضع الداخلي وتفكيك وتفتيت عناصره التي هي بالأساس واضحة بالنسبة للسيد الكاظمي.
اترك تعليقك