د. اثير ناظم الجاسور
قد يكون الحديث عن السنوات التي مضت من عمر العملية السياسية التي وضعت أسسها الولايات المتحدة ووزعت أدوارها على الأحزاب التي كانت في المنفى (المعارضة) هو تكرار لمعاناة تستمر لطالما هناك نظام قائم على توزيع الدولة من خلال مؤسساتها بناءً على فكرة الحصص،
وهذه الأخيرة كما يفسرها قيادات هذه الأحزاب على أنها كعكتهم التي من أجلها هم اليوم في الحكم، عليه فإن هذا التوزيع بالضرورة يخضع لتوجهاتهم وتصوراتهم ومزاجهم حتى يكوند وفق القياسات التي يريدون مع مراعاة المصلحة الحزبية بكل تأكيد، وللتكرار أن ما يحدث في العراق أو أكثر دقة أن التعاطي بين الأحزاب المشاركة بهذه العملية لم يكن مبني على أساس التنافس وإظهار الأفضل لأنه لو كان كذلك لوجدنا مجموعة نماذج مختلفة تختار منها الأفضل لحكم العراق، الذي حصل أن هذه الأحزاب تصارعت وما زالت تتصارع من أجل الحصول على أكبر قدر من المغانم، بالتالي فإن توزيع الحصص والمناصب يكون من ضمن هذه القائمة التي تطول ابتداءً من الرئاسات الثلاث وانتهاءً بأصغر موظف في الدولة العراقية.
الذي حصل بعد الحراك الاحتجاجي ( حراك تشرين 2019) والفشل الكبير الذي عانت منه الدولة في فترة " عادل عبد المهدي" وهذا لا يعني أن الذين سبقوه حافظوا على بنية الدولة وسيادتها، لكنه فشل في إدارة الدولة فشلاً ذريعاً وتسبب بسقوط أكثر من ( 600 شهيد) و ( 25 ألف جريح) ، كل الأحداث التي تلت هذا الحدث أربكت عمل الأحزاب واسقطت كل حساباتهم فكان عليهم أن يمتثلوا لأمر الشارع والرأيين العام الداخلي والخارجي، المفارقة أن هذه الأحزاب عندما أرادت أن تختار الأفضل والأصلح لخلافة عبد المهدي عجزت عن إيجاده وهذا يعد خللاً كبيراً خصوصاً في مرحلة مهمة مثل هذه المرحلة التي يمر بها العراق لأنهم وبكل بساطة لا يمتلكون الأصلح، ومع عرض الأسماء الواحد تلو الآخر كان عليهم أن يجدوا هذا الأصلح فكان النتيجة تتوجه سلباً لفقدانهم الأصلح بينهم، وما أن حان الوقت للانتهاء حتى جاءتهم عناية السماء بتفشي فايروس كورونا في العالم أجمع مما أسهمت في أن يكون الشارع أكثر هدوءاً خوفاً من تفشيه بين الناس فكان ما أرادوا لكن لوقت ليس بطويل، آخر الخيارات كان السيد الكاظمي الذي حسب ما يقال إنه جاء رغماً عنهم وعن حلفائهم لذلك فهم لا يفوتون الفرصة الآن من الثأر لأنفسهم في سبيل أن يصدروا أنفسهم كمدافعين عن حقوق الشعب، وحتى لا نتعمق في قضايا واضحة للجميع لكن في كل العالم هدف الحكومات حماية المواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم بشتى الطرق وواحدة من عوامل نجاح الحكومات مستوى الرفاهية التي يتمتع بها المواطن، طيلة الـ( 17) سنة من حكم هذه الأحزاب وبغداد والعراق من المناطق غير المستقرة لابل لا تصلح للحياة بفعل الأحزاب الحاكمة، والمواطن العراقي ينتظر ويترقب ويتعاطى من الأحداث أملاً في أن يكون غده أفضل ويأتي هذا الغد والسيئ إلى أسوأ وهكذا هي حياة المواطن البسيط.
منذ تولي السيد مصطفى الكاظمي مهام رئاسة الوزراء وهو في الواجهة من خلال أمرين الأول ترقب الشارع الغاضب وانتظاره ، إلى جانب متطلبات المواطن من تحسين معيشته إلى القضاء على البطالة ألخ...، الأمر الثاني هو اليوم بالمواجهة الكتل الحزبية التي جاء رغماً عنها بالتالي تحاول بشتى الطرق أن تخلط كل الأوراق في سبيل تحجيم دوره إذا ما أراد أن يسير في طريق تصحيح مسار العملية السياسية، التي ولدت مشوهة، نعم هو أيضاً بالمواجهة أيضا لأن التركة كبيرة ومعقدة لكنه تعهد أن يتصدى للفاسدين والمجرمين وكل من له علاقة بتدمير حياة المواطن وجعل العراق في ذيل قوائم التنمية والتطوير والمعيشة، لا يحتاج السيد الكاظمي اليوم جيش من المستشارين ليحددوا ما يصلح وما ينفع لأن كل شيء واضح لا يحتاج إلى تفسير فالواقع كفيل بكشف مستويات التدمير والفساد وجيوش الفاسدين، ما أن يتجول في المستشفيات والمستوصفات وهو يتابع حالات الإصابة بفايروس كورونا سيلاحظ الاختلاف بينها وباقي مستشفيات دول العالم أو على أقل تقدير دول الجوار حتى يعرف الواقع الصحي المتدني الذي وصلنا اليه، ما أن يرى مستوى المدارس والجامعات والمعاهد حتى يرى إسهامات الصراع الحزبي وأفعالها، ما أن تركز على أي مؤسسة أو وزارة ستجد هناك مبالغ إضافية ( مرتبات إضافية) تصرف هنا وهناك باسم العمر والخبرة والجهاد والمظلومية والريادة، ما إن يدخل حياً فقيراً من أحياء مدن العراق حتى يجد الظلم بأوضح صوره، ما أن يزور المناطق المحررة حتى يعلم علم اليقين أن فيها أناس لقوا حتفهم وشهداء كثر ومن سلموها بيد عصابات داعش لازالوا ينعمون بالمال والسلطة لابل مازالوا يعدون أهل الحل والعقد في هذه العملية السياسية بالرغم من عجزهم بإدارة الدولة وتبديد أموالها، سيجد أمثلة كثيرة تعطيه حجم خوف هذه الطبقة من أي يكون العراق أفضل لأنهم بكل بساطة عقدوا العزم على أن يكون العراق ضعيفاً مفتتاً غير قادر على النهوض .
إن القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء الداعي لاستقطاع رواتب الموظفين والمتقاعدين كان كرة في ملعب الأحزاب لتعلو أصواتهم من أجل أن يصوروا للعالم إنهم المدافعون عن حقوق المظلومين، فجاء تصويتهم بالضد من هذا القرار حتى بعد علمهم من عدم قانونيته والاعتراض لم يكن على المرتبات بقدر ما كان الاحتجاج على المرتبات الأخرى التي يتقاضونها مع مرتباتهم كنواب، بالتالي فان أي اجراء يضر المواطن سيكون السيد الكاظمي في الواجهة فهو على علم بالطريقة التي أدارت بها الأحزاب والكتل والتيارات أزمة استقطاع الرواتب وكيف بات التصعيد هو أساس عملهم لأنهم موزعون بين سجين سياسي وفحاوي ورعاية اجتماعية ورواد وهذه كلها مرتبات إضافة لمرتباتهم ومريديهم.
نعم شرعت الحكومة باستقطاع رواتب الموظفين والمتقاعدين وهو إجراء كما ادعت الحكومة لإخراج البلاد من ضائقته وانتكاسته المالية، لكن هل هو هذا الحل برأيكم ؟، بالتأكيد لا لأن هذا الاجراء أولاً سيضر بالسوق العراقي على اعتبار أن هذه المرتبات هي مَن تحدد قوة السوق من عدمه، بالتالي فإن هذا الاجراء يعزز الخلل بالمنظومة الاقتصادية والمالية لأنها ستضعف القوة الشرائية وهذا سيثر على مستوى السوق مما سيؤثر بدوره على أصحاب الدخل اليومي الذين حرموا من عمل في وظيفة حكومية أو في القطاع الخاص مثل هذا الاجراء كان من المفترض أن تسبقه اجراءات تساهم من تقليل الضرر عل اعتبار أن كل موظف ومتقاعد قد كيف حياته على المبلغ الذي يتقاضاه من الدولة، بالنتيجة كان على الدولة أولاً معالجة أمور عدة قبل أن تشرع في هذا القرار، لأن المواطن لم يعد يعاني من ضغوط سياسية فقط إنما هناك ضغوط حياتية تتطلب معالجتها وأهمها الضغوط الاقتصادية .
هنالك معالجات واجراءات غير المتبعة حالياً تجعل من ميزانية الدولة أكثر استقراراً فعلى سبيل المثال الرواتب التقاعدية الخيالية لأعضاء مجلس الحكم المنحل وتقاعد البرلمانيين غير المنطقي لمجرد أنه سمي نائباً لأربعة سنوات، المرتبات الغريبة والخيالية للرئاسات الثلاث، المخصصات والتخصيصات التي تهدر شهرياً باسم الضيافة والاعلانات والمساعدات وغيرها من المسميات التي في الغالب غير حقيقية، معالجة ما يسمون بالفضائيين سواء في المؤسسات الأمنية والقوات المسلحة والحشد الشعبي والآن هناك فضائيين مرضى بالكورونا سواء بالمصابين أو الوفيات، ممكن معالجة عجز الميزانية بدعم القطاعين الزراعي والصناعي وتشجيع الصناعة الوطنية وإيقاف استيراد المحاصيل الزراعية من جدول الجوار على اعتبار هناك اكتفاء ببعض الحاجات، أمام الحكومة جملة من المعالجات وبعيدة عن قوت المواطن ولها فعلها المادي والمعنوي والتي بدورها تعزز العمل الحكومي وتمده بالتأييد الشعبي
هناك الكثير من القضايا التي هي محل مناقشة ودراسة بعناية قبل إطلاق الحكم النهائي بها كي لا تصبح الحياة أضيق مما هي عليه اليوم، والنصيحة التي يجب أن يعمل بها رئيس الوزراء هو سماع كلمة المواطن الذي يقول له " إياك أن تخطئ وتكون رمح الأحزاب والكتل والتيارات ضد الشعب لأن التاريخ يحدثنا أن كل المعارك التي خاضتها السلطة في كل العالم ضد الشعوب خاسرة، لأن الشعب وببساطة مصدر السلطات، سيعملون على أن تكون كبش الفداء وسيستقتلون على وضعك موضع الخطأ على الاقل أمام جمهورهم وجيوشهم الالكترونية التي تعرفها أنت أكثر من غيرك من أبناء هذا الشعب، وحتى تكون اكثر استقراراً أنت في الواجهة بكل الأحوال وعليه أبدأ بالفاسدين الكبار ولا تكن كمن سبقوك أشداء على المواطن رحماء على الفاسدين.
اترك تعليقك