علي حسين
كلما يدور حديث عن المصالحة الوطنية التي تتحول مرة إلى المصالحة التاريخية، ومرة أخرى إلى المصالحة المستدامة، أتذكر الزعيم الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا، وأخشى أن أسال: لماذا لايوجد مانديلا عراقيّ؟
لأنني في كل مرة أشاهد وأسمع عددًا من الساسة يتحدثون عن مآثرهم في المصالحة، حتى أنّ خطيب العراق إبراهيم الجعفري "الغائب" عن الأنظار، خرج ذات يوم صارخًا : "مانديلا العراقيّ موجود، التفتوا حولكم وسترونه جيدًا" الغريب أنّ الباحثين من أمثالي عن مانديلا عراقي لم يجدوا غير ظلال صاحب "السيادة" الذي يذكرنا في كل مرة بأن المعركة الحقيقية في العراق ليست من أجل التنمية أو المستقبل، وإنما هي بين معسكر الحسين "ع" ويزيد!! .
يبدو الحديث عن مانديلا هذه الأيام وقد مرت قبل اسابيع قليلة ذكرى 30 عاما على اطلاق سراحه ، أشبه بالحديث عن حلم عاشه رجل في زنزانة ضيقة وحين أطلق سراحه عمل جاهدًا من أجل المحافظة على بلد متماسك بكل ألوانه، كان الأمر في البداية أشبه بالمستحيل، فالكل يشحذ سكاكينه، والكل يتهيأ لحرب الانتقام، وكان أمام العجوز الذي خرج منهكًا من المعتقل خياران، الأول أن يبدأ حرب الانتقام ضد البيض الذين عذبوه لأكثر من ربع قرن، وحكموا مواطنيه الأفارقة بقوانين تساويهم بالحيوانات، والخيار الثاني أن يحافظ على أمن وسلامة البلاد وروحها، فاختار الطريق الثاني، وهو ألّا يلغي مواطنة البيض الذين استقروا في هذا البلد منذ أكثر من ثلاث مئة عام، ليفاجئ العالم بسياسة اليد الممدودة، وعقاب المخطئين بمحاكمات الاعتراف العلنية لتطهير النفس بديلًا عن الانتقام والقتل. وحين كان له الخيار في نائبه كأول زعيم إفريقي في بلده لم يذهب خياره إلّا لزعيم الأقلية البيضاء، دي كليرك، مؤكدًا أن الإنسان الحق هو ذاك الذي لا يكرّر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه.
التسامح والغفران يتطلبان إيمانًا بأن الأفكار مثلها مثل الأشياء تتحول وتتغير، أما عدم التسامح والعجز عن الغفران فهما دليل تعصب وجمود، وبسبب مانديلا الذي عمم مفهوم التسامح فإن جنوب أفريقيا اليوم أهم وأكثر دول القارة استقرارًا ونجاحًا.
كان مؤسس الاقتصاد الحديث آدم سميث يقول لمن يريد أن يعمل في السياسة: "عليك أن تراقب الإنسان الذي في داخلك، وأن تضبط نزواته وغرائزه". للأسف لا أحد من ساستنا يريد اليوم أن يراقب ما بداخله، لأنه في المواقف الصعبة، يظهر على حقيقته، لم تعد الوطنية والنزاهة والسمعة الطبية من همومه، ما دام يجد من يصفق له وينتخبه ويسير خلفه.
من منا سيقرأ سيرة مانديلا جيدًا ليتعلم أن السياسة هي فن المحافظة على الشعوب، لا فن التلاعب بأقدار الناس؟!