زافون سجين في السماء

آراء وأفكار 2020/06/27 06:24:35 م

زافون سجين في السماء

 سعيد عبد الهادي المرهج

عش ألقاً وابتكرْ قصيدة وامضِ 

زدْ سعة الأرض

مضى كارلوس زافون تاركاً خلفه خمسة عقود من المنافي والأمراض وثماني روايات بصمت عصرنا ببصمتها.

مضى وقد أزاد على ما أزاده ثرفاتنس فكان الخلف المرتجى، الخلف الذي سرقته الريح ولم يظله جناحها، ليدخل متاهة الأرواح التي حلم بها من قبل، وبعد أن أمضى عقوده الخمسة قاده ملاك نحو سجن سماوي. من سجن إلى سجن إلى سجن إلى... أية رحلة كتبت علينا؟ ومن مقبرة نحو آخرى، وكل قبورنا محض افتراض. . لكنه في أمريكيته كان خلفاً لبرادبري، برادبري الذي وزّع محرقته للكتب في روايته (فهرنهايت 451) بين ثلاثة فصول: الموقد والسمندر، الغربال والرمل، والاحتراق المشرق. فمونتاج (بطلها) رجل الإطفاء المكلف بالحرائق، تورطه جارته (كلاريس) بقراءة رواية تقوده هذه القراءة إلى التمرد. كتب الرواية وهي تحت نوعين من الضغط: المكارثية، وبدء نفوذ وسائل الإعلام الحديثة. فهي مواجهة لحاضر وليس استعادة لتأريخ، وهي الزاوية التي ميّزت (ظل الريح) إذ سعى فيها (زافون) لاستعادة تاريخ إسبانيا في ظل دكتاتورية فرانكو. ومن هنا يتولد تشابه اللحظتين. الاستبداد حاضر في الأولى مستعاد في الثانية. إذ تدور الرواية في مدينة برشلونة في خمسينيات القرن العشرين: دانيال يذهب به أبوه المسن نحو مقبرة للكتب غير الناجحة، لا يعلم بها إلا القليل. يُشترط على من يخلها أن لا يخرج إلا وهو يصطلحب كتاباً، إنها مقبرة كتب" في برشلونة تضم كُتباً غامضة لكل واحد منها روح الشخص الذي كتبها والذين قرأوها أو عاشوها أو حلموا بها.

فيأخذ دانييل (ظل الريح) يحب الرواية أيضاً ويبحث عن بقية ما كتب مؤلفها (خوليان كراكس) فلا يعثر على شيء. لوجود رجل (لاين كوبيرت) يحرق جميع كتب خوليان لاعتقاده أنها مبعث للشر أو للشيطان، الحركة من المقبرة إلى المحرقة، ومن حكم أخلاقي (الكتاب غير الحسن يدفن) إلى ربط الكتاب بالشيطان. المعرفة شيطانية أليست هذه وجهة نظر الأديان ذاتها؟ 

فهل من علاقة بين تقسيمة رواية فهرنهايت 450 الثلاثية والروايات الأربع المشكّلة لمقبرة الكتب؟ 

تنتمي الرواية إلى عالم من الغرائبية والغموض والتشويق، هي فعلاً، كما رأى الروائي ستيفن كينغ، بعث لأدب الغموض القروسطي: إذا كنت تعتقد أن الرواية "الغوثيك" الحقيقية ماتت مع القرن التاسع عشر، فإن زافون سيغير رأيك". وربما هذا ما دفع البعض باتهامه بالتأثر المفرط بـ(اسم الوردة). 

يقول على لسان إحدى شخصياته في رواية سجين السماء: نحن سجناء أوجاعنا، أسرارنا، أحلامنا، ذكرياتنا، نمتلك خلاصنا لكننا قلنا وداعاً لشجاعتنا. وهو، في جميع ما كتبه، كان يسعى لا لتحطيم هذا السجن بل لوصفه بكل ما فيه من غرائبية.

وداعا أيها التنين الكتلوني...

تعليقات الزوار

  • اصيل كمال

    مقالة رائعة جدا. الحياة سجن كبير يحكمنا عدة قضاة واحد من هؤلاء القضاة نحن انفسنا..... تحية احترام

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top