المؤسسة العسكرية وتغيرات بنيتها العقائدية

آراء وأفكار 2020/06/29 06:09:46 م

المؤسسة العسكرية وتغيرات بنيتها العقائدية

 لطفي حاتم

مرّت الدولة العراقية وأجهزتها العسكرية بتغيرات كثيرة وقد تمثل ذلك التغير بتبدل عقيدتها الوطنية ارتباطاً بنظم الدولة السياسية وأيديولوجيتها الفكرية. 

اعتماداً على ذلك التوصيف المختزل نحاول متابعة تغيرات فكر المؤسسة العسكرية السياسي اعتماداً على ثلاث فترات تاريخية تتمثل-

أولاً -- المؤسسة العسكرية العراقية وروحها الوطنية. 

ثانياً – العهد الجمهوري وفكر المؤسسة العسكرية السياسي. 

ثالثاً – الميليشيات المسلحة والمؤسسة العسكرية. 

اعتماداً على تلك المفاصل المنهجية نحاول التوقف عند المفصل الأول الموسوم ب-

أولاً -- المؤسسة العسكرية العراقية وروحها الوطنية. 

بات معروفاً شدة الترابط بين نشوء الدولة العراقية وأجهزتها العسكرية والتي يمكن متابعة سماته السياسية عبر الموضوعات التالية-- 

-- نشأت المؤسسة العسكرية بالترابط مع نشوء أجهزة الدولة العراقية حيث عمدت الكولونيالية البريطانية تمشياً وعقيدتها الاستعمارية الى إنشاء دول وطنية ذات استقلالية شكلية تعتمد تبعية الدولة الكولونيالية على اعتبار الدول التابعة مستودعاً لثروات الدولة الكولونيالية وسوقاً لتصريف بضائعه الوطنية.

- بتركيبتها الطبقية شكلت المؤسسة العسكرية العراقية مستودعاً للأفكار الوطنية ومعاداة الهيمنة الخارجية.

-- الروح الوطنية للمؤسسة العسكرية في المرحلة الملكية جاءت بسبب تناقضات تركيبة العراق الطبقية وانعكاسها على تراتبية الجيش الاجتماعية. 

-- احتلت الطبقة الكمبورادورية المواقع السيادية في الدولة العراقية بينما حازت الطبقة الوسطى على المواقع الرئيسة في الجهاز الإداري لأبنية الدولة الناشئة.

- عكس البناء الاجتماعي للمؤسسة العسكرية تعايش طبقات اجتماعية وقوى سياسية وطنية وحركات اجتماعية مناهضة وموالية للسيطرة الأجنبية.

- الفكر السياسي للمؤسسة العسكرية المناهض للهيمنة الاستعمارية ارتكز على قاعدتين رئيستين أولهما الوطنية العراقية، وثانيهما الاستقلال الوطني والتخلص من الهيمنة الأجنبية. 

بهذا السياق لابد من الإشارة الى تناقض فكر المؤسسة العسكرية مع توجهات الأجهزة الأمنية الأخرى المتسمة بروح عدائية للروح الثورية العراقية المطالبة بالاستقلال والسيادة الوطنية. 

-- اتسمت الأجهزة الأمنية بتمثيلها لمصالح الطبقات الحاكمة وعداءها للنزعات الوطنية الامر الذي وضعها بتناقض مع المؤسسة العسكرية وروحها الوطنية.

- تكللت الروح الوطنية للمؤسسة العسكرية بثورة 14 تموز الوطنية وما نتج عن ذلك من نقل المؤسسة العسكرية من جهاز رئيس في الدولة العراقية الى جهاز حاكم حيث شهدت الثورة اندماجاً بين السلطة السياسية والمؤسسة العسكرية. 

ثانيا – العهد الجمهوري وفكر المؤسسة العسكرية السياسي. 

اجتاز الفكر السياسي للجيش العراقي مراحل عديدة من تطوره خلال أزمنة الحكم الجمهوري حيث هيمنة الأفكار الوطنية والروح العراقية لدى الطواقم الرئيسية والوسطية في مراحل عديدة بدأً من انتشار وتطور النزعة الوطنية في المؤسسة العسكرية في الجمهورية الأولى الى تراجع الروح الوطنية في حقبة الجمهورية الثانية حيث استطاعت القوى الحزبية القومية في الجيش العراقي من استبدال الوعي السياسي الوطني بوعي حزبي مناهض للوطنية العراقية.

--لقد استطاع حزب البعث من تحويل الولاء الوطني للمؤسسة العسكرية الى ولاء للحزب الحاكم وقيادته السياسية.

-- اعتمد ولاء المؤسسة العسكرية لقياد حزب البعث السياسية على الإجراءات التالية - 

1 –تغليف الوطنية العراقية بإطار الولاء للحزب الحاكم انطلاقاً من إحالة كافة العناصر الوطنية على التقاعد او اعتقال الكثير منهم بحجة عدم الولاء للحزب القائد.

2 – تغيير الطواقم القيادية للمؤسسة العسكرية عبر هيمنة قوى حزبية على المراكز الرئيسة للمؤسسة العسكرية بعد حصولها على العلوم العسكرية (بدورات حزبية) سريعة خاصة. 

3 - منح خريجي الدورات العسكرية السريعة والخاصة درجات عسكرية تتناسب ودرجة الضابط الحزبية. 

4- بعد احتلال مراكزها القيادية من قبل الكوادر الحزبية جرى تحويل المؤسسة العسكرية الى مؤسسة عقائدية. 

5 –جرى تبديل عقيدة المؤسسة العسكرية الوطنية الى عقيدة حزبية - قومية تمحورت حول الدفاع عن الحزب ومنظومته القيادية فضلاً عن الدفاع عن الأمة العربية بدلاً من الدفاع عن الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية.

-- إن التغيرات الفكرية – السياسية في الدولة العراقية وجيشها الوطني أفضت الى نمو تناقضات وطنية كبرى تمثلت بالتناقض الرئيس بين الوطنية العراقية وبين الولاء الحزبي لقيادة الدولة السياسية.

- عززت العقيدة الحزبية المتسمة بالتناقض بين الوطنية العراقية وبين الولاء الحزبي التناقضات الطائفية في تشكيلة العراق المذهبية بين الأكثرية الشيعية وبين الأقلية السنّية المتحكمة بالدولة الوطنية. 

- لقد رفعت القيادة البعثية التعارضات المذهبية الى تناقضات رئيسة على الصعيد الإقليمي عبر تحويلها الى تناقضات قومية بين العراق السنّي وتشيع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 

-- التناقض القومي – الطائفي المشار اليه قاد الى الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت لسنوات طويلة محدثة الخسائر البشرية والمادية لدى الطرفين.

-- بسبب خشتيها من ردود الأفعال الوطنية على نتائج الحرب العراقية – الإيرانية عمدت القيادة العراقية الى تطوير مفهومها القومي للصراع وربطه بمفهوم الوحدة العربية.

-- على أساس ذلك سارعت القيادة البعثية الى احتلال الكويت انطلاقاً من ادعاءات تاريخية وايديولوجية وحدية مثيرة للالتباس الفكري – السياسي.

ثالثاً – الميليشيات المسلحة والمؤسسة العسكرية. 

أدى احتلال العراق لدولة الكويت ردود أفعال قوية أهمها موقف التحالف الأطلسي المناهض لدور العراق وسياسته المثيرة للقلق في العلاقات الإقليمية.

- التدخلات الدولية العسكرية أدت الى انهيار سلطة البعث الديكتاتورية ونشوء سلطة الاحتلال الأميركي على أراضي الدولة العراقية. 

- التدخل العسكري – الأميركي – البريطاني مهد الطريق أمام القوى الطائفية الى انتشار قواها المسلحة في الساحة العراقية حيث أصبحت أداة في التوازنات السياسية الوطنية وأدت الى-- 

- انحسار مفهوم الوطنية العراقية المعتمد لدى القوى الوطنية العراقية الى حدوده الطائفية – القومية. 

- تطوير التعاون بين القوى العسكرية المحتلة وبين القوى الطائفية بهدف صياغة منظومة العراق السياسية. 

- انتعاش الفكر الطائفي – القومي وتراجع مفهوم الوطنية في بناء الدولة العراقية.

استناداً الى تلك المواصفات نحاول التركيز على القواسم الفكرية – السياسية بين النظام الديكتاتوري السابق وبين الطائفية الحاكمة عبر النقاط التالية- 

- سيادة الإرهاب السياسي في كلا المنظومتين السياستين الحكم الديكتاتوري وحكم المليشيات المسلحة في إدارة المسار السياسي للدولة العراقية.

-- هيمنة الجيش الشعبي على الحياة السياسية في الجمهورية الثانية كما نجده في هيمنة المليشيات الطائفية في الجمهورية الثالثة. 

- أصبح الجيش الشعبي القوة الرئيسة الحزبية في الجمهورية الثانية بينما يجري الاعتماد على المليشيا المسلحة الطائفية الحزبية في الجمهورية الثالثة. 

-- اعتمدت القيادة السياسية على الجيش العقائدي في فترة حكم البعث الثانية بينما جرى اعتماد المليشيات المسلحة الطائفية بديلاً عن المؤسسة العسكرية في الجمهورية الثالثة.

-- سادت قيادة حزبية واحدة للمؤسسة العسكرية في الجمهورية الثانية بينما تتعدد القيادات الحزبية للمليشيات المسلحة الطائفية في الجمهورية الثالثة. 

--هيمنة القيادة الحزبية الواحدة في الجمهورية الثانية بينما تفتقد المليشيات الطائفية المسلحة للقيادة الحزبية الواحدة في الجمهورية الثالثة. 

- يعتمد الفكر الحزبي البعثي على الوحدة العربية إطاراً للتحرك السياسي بينما تعتمد القوى الإسلامية على الوحدة الإسلامية اللامركزية.

استناداً إلى ما جرى استعراضه يمكننا صياغة الأفكار التالية –

أولاً– يشكل مفهوم الوطنية الديمقراطية ضماناً فكرياً – سياسياً لتطور التشكيلة الاجتماعية وطبقاتها الاجتماعية في الدولة العراقية.

ثانياً -تشكل المؤسسة العسكرية العراقية سياجاً وطنياً للدفاع عن سيادة الدولة الديمقراطية ضد التدخلات الخارجية.

ثالثاً - مخاطر تفكيك الدولة الوطنية تنبع من الفكرين الشمولي المتمثل بالوحدة القسرية ومفهوم الدولة الإسلامية اللامركزية المرتكز على هيمنة الطائفية السياسية. 

رابعاً -اثبتت التجربة التاريخية أن كلا المنظومتين الفكريتين الوحدة القسرية والدولة الإسلامية اللامركزية لا يمكن اعتمادها دون حروب أهلية واقصاء للأطراف الوطنية.

خامساً- ينبثق استقرار الدولة الوطنية ووحدة تشكيلتها الاجتماعية من رعاية المصالح الطبقية للأحزاب الوطنية كافة واعتماد الشرعية الديمقراطية المرتكزة على البرامج الاقتصادية – الوطنية للحكم. 

استناداً الى تلك الرؤى أشير الى أن بناء الدولة العراقية استناداً الى مساومات سياسية – طبقية تقود الى استقرار البنية الاجتماعية وضمان تطور الدولة العراقية واستقرار نظامها السياسي.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top