ترجمة وتقديم : لطفية الدليمي
القسم الثاني
أقدّم أدناه ترجمة للقسم الثاني (والأخير) من الحوار المنشور في موقع (TFT THE FREETHINK TANK) مع الفيزيائي البريطاني (عراقي الأصل) جِم الخليلي Jim Al-Khalili ،
الحوار منشور بتأريخ 6 كانون ثاني (يناير) 2017 ، ويمكن للقارئ الشغوف الإستعانة بالرابط الألكتروني التالي إذا ماشاء الرجوع إلى النص الأصلي .
http://www.thefreethinktank.com/interview-professor-jim-al-khalili/
البروفسور جم الخليلي فيزيائي ذائع الصيت ، وقد سبق لي أن نشرت مواد عنه يمكن مراجعتها عن طريق البحث في الشبكة العالمية .
المترجمة
جِم الخليلي ، هو بروفسور الفيزياء وأستاذ كرسي الفهم الجمعي للعلم في جامعة سرّي ، وفضلاً عن هذا فهو حاصلٌ على ميدالية (مايكل فارادي) التي تمنحها الجمعية الملكية ، وميدالية (كلفن) التي يمنحها المعهد البريطاني للفيزياء ، إلى جانب العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات مرموقة عديدة في العالم . يُعرَفُ عن البروفسور الخليلي كونه مقدّماً حاذقاً للبرامج العلمية إلى جانب كونه مؤلفاً للعديد من الكتب التي لاقت رواجاً واسعاً ، وهو لاينفكّ يتحفُنا بالعديد من الوثائقيات العلمية المبهّرة في شتى صنوف المعرفة العلمية .
إجتهدنا في هذه الحوارية الموسّعة مع الدكتور الخليلي أن نلامِس طيفاً واسعاً من الموضوعات : من نشأته في العراق إلى الكتب المفضّلة التي يحب (ومنها التحفة الفريدة : محاضرات فاينمان في الفيزياء) . إنها لَمُتعةٌ عظيمةٌ أن نحاورَ شخصية رفيعة على شاكلة جِمْ ، ونأملُ أن القارئ سيُسعَدُ بقراءة شيء من مغامراته الرائعة .
ماكان عنوان أطروحتك لشهادة الدكتوراه ، وكيف توضّحُ فحوى النتائج التي بلغتها في هذه الأطروحة للفيزيائيين المبتدئين وللعامة أيضاً ؟
- تناولت أطروحتي للدكتوراه (الإستطارة الديوتيرونية المرنة للطاقة المتوسطة المنبعثة من النويّات الذرية باستخدام نموذج ثلاثي الأجسام) . كانت عملاً نظرياً (فيه الكثير من الرياضيات العالية والمحاكاة الحاسوبية) يسعى لمعرفة ماالذي يحدث عندما ترتطم بعض النويّات الذرية مع بعضها في مسارعٍ للجسيمات . نحنُ نسعى في الفيزياء النووية لفهم طبيعة القوى التي تربط بين مكوّنات النواة الذرية (وهي البروتونات والنيوترونات) معاً ، وهذا (الغراء) النووي اللاحم هو شيءٌ أقربُ مايكون لوحش معقّد التكوين ، ولغرض دراسة طبيعة هذه القوى نلجأ إلى النواة الذرية الأكثر بساطة : الديوتيرون ، التي تتكوّن من بروتون واحد ونيوترون واحد فقط ، ثم نرى ماالذي يحدث عندما نوجّهُ شعاعاً من الديوتيرونات نحو هدفٍ نووي ، وهذه العملية كفيلة بأن تخبرنا بالكثير عن طبيعة القوى التي تربط البروتون بالنيوترون معاً في الديوتيرون . وجدتُ في أطروحتي للدكتوراه أن الطريقة التي تحصل بها الحركة المغزلية Spin في البروتون والنيوترون تلعب دوراً حاسماً في تحديد خواص هذا الغراء النووي .
لو عاد بك الزمن لتكون طالباً جديداً في مقتبل دراستك للدكتوراه ، ماالذي كنت ستفعله بطريقة مختلفة - لو وجِد - ؟
- ربما كنتُ سأعمل بطريقة أكثر جديّة ومواظبة ، وأظنّني كنتً سأدققُ بطريقة أكثر تنقيباً في قائمة الموضوعات الحيوية المتاحة قبل البدء في دراستي للدكتوراه .
التركيز البحثي
أخبرنا أكثر بشأن تركيزك البحثي في الوقت الراهن .
- أعملُ في الوقت الراهن في حقليْن مختلفيْن في الفيزياء (على الرغم من كونهما ينتميان لحقل الفيزياء النظرية ، ويشتملان على مباحث من الميكانيك الكمومي) . الحقل الأول في بحوثي الرئيسية (الكلاسيكية) هو الفيزياء النووية ، ولو شئتُ الدقة سأقول هو المبحث الفيزيائي الخاص بالفيزياء الفلكية النووية ، وماأسعى إليه في هذا المبحث هو محاولة فهم الكيفية التي (تُطبَخُ) بها بعض العناصر الكيميائية داخل النجوم عن طريق دراسة الكيفية التي تتشكلُ بها نويّاتها الذرية . يدعى البحث الذي أركّزُ عليه في هذا الشأن ، من الوجهة التقنية ، " التفاعلات الإنتقالية " لأنها تشتمل على إطلاق الديوتيرونات نحو النواة الذرية ، ومن ثم تشكيل نويات أثقل من سابقاتها .
الحقل البحثي الثاني الذي أعملُ فيه هو حقل جديد - صارت له محدّداته الدقيقة - ، يدعى " البيولوجيا الكمومية Quantum Biology " ، وأعمل هنا في دراسة الدور الذي يلعبه الميكانيك الكمومي داخل الخلايا الحية .
مالإنعطافات الكبرى التي تلوحُ في الأفق ضمن نطاق مجالك البحثي ؟
- أرى مثل هذه الإنعطافات الكبرى قادمة في حقل البيولوجيا الكمومية ، وأرى أننا على أعتاب فهم عميق للطبيعة المعقدة التي تلعبها التأثيرات الكمومية داخل البيئة شديدة التعقيد التي تحتويها الخلية الحية . لو حصل وفهمنا طبيعة هذه التأثيرات الكمومية فربما سنحصلُ على فكرة أفضل حول : ماالذي يجعلُ الحياة تبدو خاصية شديدة الفرادة والتميّز من جهة ، وربما سنتحصّلُ على طرق إصطناعية في إحداث مثل تلك التأثيرات الكمومية من جهة أخرى .
لو جعلتَ مخيالك يجولُ بعيداً لدقيقة من الزمن ؛ فماالذي سترجوه أن يكون المبحث الأكبر الذي يبحث فيه خلفاؤك عام 2116 (أي بعد قرن من اليوم ، المترجمة) ؟
- الإنتقال الكمومي للأجسام عن بعد Quantum Teleportation . هل تريدُني الإستفاضة في هذا الشأن ؟ أنا آسف حقاً . أراه موضوعاً يوضّحُ نفسه بالتمعّن في عنوانه فحسب !
كيف ترى الكيفية التي سيكون عليها ميراثكَ المهني ؟
- آملُ أن سيكون لي ميراثٌ مهنيّ يُعتدّ به . عملتُ لسنوات كثيرة في حياتي على تقديم مباهج العلم ومُدهشاته التي لاتُحصى للملايين من الناس ، ولو مُنِحتُ الخيار في تحديد شكل ميراثي الذي أودُّ أن يذكرني به الناس فسيكون الآتي : كنتُ شارحاً للعلم ومفسّراً له لأعداد كبيرة من الناس .
المشاريع الحالية
هل تعملُ في الوقت الحاضر على مشاريع خارج نطاق التدريس الجامعي ، وهنا أقصد مشاريع على شاكلة : كتب ، مدوّنات صوتية ، مواقع ألكترونية ، الحديث إلى عامّة الناس ؟
- ثمة الكثير من هذا كله . لديّ ثلاثة كتب جاهزة للطبع (بضمنها روايتي الأولى التي تنتمي لجنس رواية الخيال العلمي والرعب معاً ، وأكملتُ وثائقياً لقناة الـ BBC عن الثقالة Gravity ، و مازلتُ مواظباً على برنامجي العلمي المسمّى LifeScientific الذي أقدّمه منذ سنوات عديدة على قناة الإذاعة البريطانية BBC (القناة الرابعة) .
نصائح وإرشادات
لو كان في مستطاعك تقديم نصيحة واحدة لبالغ في الثامنة عشرة من عمره ؛ فما ستكون تلك النصيحة ؟
- لاتظنّ أبداً ، أبداً ، أبداً أنك غير ذكي بالقدر الذي يكفيك ويؤهّلك لدراسة أي موضوع في أي حقل معرفي طالما كان لك شغف به .
أية نصيحة تختارُ تقديمها لمن يتطلّعُ / تتطلّعُ إلى البدء (أو الإرتقاء) في مهنة تنتمي لحقلك المعرفي ؟
- حدّدْ ماالذي يدهشكَ أكثر من سواه من الموضوعات التي تنتمي لحقلك المعرفي ، وأقصدُ بهذا بالتحديد : ماالشيء الأخير الذي فكّرت به قبل أن تنام ، وماالشيء الأوّل الذي فكّرت به في الصباح ؟ هل هو عمل بحثي يتطلّب إجراء التجارب في المختبرات أم أنك تفضّل الإنغماس في حلّ المعادلات (التي تتطلّبها الفيزياء النظرية) ؟ هل تفضّلُ العمل بما يساعدُ على إشاعة العلم وتوصيل أفكاره إلى العامة بطريقة تكفلُ تطوير فهم جمعي لأهمية العلم ودوره في تشكيل حياتنا المعاصرة ؟ هل تفضّلُ العمل في تطبيق العلم وخدمة المجتمع والإرتقاء بحياة أفراده عبر هذه التطبيقات ؟ هل تفضّلُ التعليم أو تطوير السياسات العلمية في القطاعين الحكومي والخاص ؟ كلُّ مهنة في العلم لها أهمية تعادلُ المهن الأخرى تماماً ، ولاتقبل أبداً بما قد يقولهُ لك كائن من كان من الأمور التي تخالفُ هذه الحقيقة .
أي كتابٍ ترى أنه إمتلك التأثير الأعظم في تشكيل حياتك ؟
- كتابٌ واحد فقط ؟ هذه معضلة كبيرة !! ؛ لكن ربما هو (محاضرات فاينمان في الفيزياء The Feynman Lectures in Physics) التي قرأتها وأنا طالب دراسات أولية بعدُ .
لو أتيحت لك حرية التوصية لمبتدئ في ميدانك المعرفي (الفيزياء) بقراءة كتاب واحد فحسب ؛ فما سيكون ذلك الكتاب ؟
- أي كتاب من كتبي المنشورة بالطبع ! ومنها :
- المفارقة : الأحجيات التسع الأعظم في الفيزياء
Paradox: The Nine Greatest Enigmas in Physics
- الحياة على الحافة : العصر القادم للبيولوجيا الكمومية
Life on the Edge: The Coming of Age of Quantum Biology
- الكم : دليلٌ للحائرين
Quantum: A Guide For The Perplexed
لماذا ترى في موضوعة أن يكون المرء مفكّراً حراً مسألة غاية في الأهمية ؟
- أعتقدُ بهذه الضرورة والأهمية الآن بأكثر ممّا فعلتُ من قبلُ وبخاصة بعدما صارت الرؤى والآيديولوجيات من كلّ الأصناف والألوان تقصفنا قصفاً كل يوم عبر منافذ عدّة : الأخبار على مدار الساعة وإن تفاوتت في أهميتها ومصداقيتها ، وسائل التواصل الإجتماعي ، المدوّنات الألكترونية ،،،، إلخ ، وبات من السهل اليسير أن يقعُ المرء منّا في الفخّ المتمثّل بالتنافر المعرفي (أي قبولنا بموضوعات ورؤى تتقاطعُ مع توجهاتنا الشخصية ومتبنّياتنا الفكرية العامة ، المترجمة) بكيفية تعزّزُ الآليات الإسترجاعية من جانب هؤلاء الذين نميلُ لاشعورياً إلى التوافق معهم أو تبني رؤاهم أو - على الأقلّ - نشعر معهم بعدم ضرورة مساءلة وإعادة تقييم قناعاتنا ؛ لذا فإنّ كون المرء مفكّراً حراً بالنسبة لي أمرٌ حيوي للغاية إذا شئنا البقاء في عالما هذا الذي بات يوصفُ بعالم مابعد الحقيقة Post-Truth World . أما بقدر مايختصُّ الأمر بي شخصياً فقد كان الوضعُ - ولم يزل - أكثر يسراً ممّا قد يحصلُ مع الآخرين لأنني إعتدتُ طيلة حياتي وتدريبي العلمي أن أسائل المعتقدات الراسخة (الدوغما) فضلاً عن التأكيد على الشواهد الداعمة لأية رؤية علمية جديدة عن العالم .
اترك تعليقك