TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الوجه الآخر لكورونا

الوجه الآخر لكورونا

نشر في: 7 يوليو, 2020: 07:17 م

 د.أحمد عصام

فاجأني أحد الأصدقاء بدعائه وحمده وشكره الله سبحانه وتعالى على (نعمة كورونا) ، فسألته عن السبب فأجاب أنه ينعم بخيرات كورونا ، فقد تيسرت أموره المادية و تخلص من مشاكله الاجتماعية ، فطلبت منه البيان والتفصيل ، فقال :

لدي بنتان تدرسان في جامعة بغداد ، وولد يدرس في جامعة الإسراء الأهلية ، وكنت مثقلاً بهموم تدبير أجور الخطوط وأقساط الدراسة وتبعات المصاريف الأخرى ، وأنا الآن ضامن لنجاح هؤلاء من دون أن أدفع فلساً واحداً ، فضلاً عن أن المواد الدراسية والمحاضرات تأتي إلينا مجاناً عن طريق (التعليم الألكتروني) ، فلا نحتاج إلى استنساخ ملازم ولا شراء مصادر ، وإن تسهيلات قرارات وزارة التعليم (والحمد لله)، تضمن النجاح للطالب بالمجّان ، وبسهولة لأن أبنائي مشتركون مع الكروبات فتأتيهم الإجابات بشكل مريح وسريع ، و(الحمد لله) أصبحت زوجتي مرتاحة (خاتونة) لأن البنات تفرغن لأعمال المنزل ، وإبني بدأ يساعدني في المحل التجاري ، (والحمد لله) تباكيت قليلاً لصاحب البناية فعفاني من دفع الإيجار ، (والحمد لله) تباكيت لصاحب المنزل ـ أيضاً ـ فعفاني مدة شهرين ، ثم طلب مني الاستمرار بدفع نصف الإيجار (والحمد لله) ... و بدأت أجمع الأموال وأفكر الآن في شراء سيارة ، وليتها تكون من صناعة يابانية ، وليتها تكون من نوع (كورونا) ، (والحمد لله) على نعمته وأدامها على الجميع ...

تبدو هذه الحكاية بسيطة ، لكنها كوميديا سوداء ، تكشف لنا (كورونا) حلكة ما نعيشه من أكاذيب ، وأبشع الكذب أن يكون متبادلاً ، وخطاباً سائداً ستبني عليه الأجيال حياتها ، وإن المستوى الأكثر بشاعة في هذه الأكاذيب أن تكون هيكلاً للغة الحكومة ونظام الدولة و مؤسساتها ، ويعد التعليم من المؤسسات التي لها علاقة بالمستقبل ـ ضمن مفهوم التطور العلمي والتقني والثقافي ـ وقد كشفت لنا كورونا ضحالة مستوى التخطيط لدى أصحاب القرار في وزارة التعليم العالي ، فأطلقوا كذبة (التعليم الألكتروني) ، وارتبطت هذه الكذبة بالقرار السياسي المهيمن على الوزارة ؛ لأنّ الحكومة تخشى من موجات التظاهرات التي يشكّل الطلاب عنصراً فاعلاً ونسبة عددية وتكوينية في هذه التظاهرات، ولذلك منحوهم عن طريق كذبة (التعليم الألكتروني) ، نجاحاً مجانياً ، وقدموا لهم شهادات (كلك) مع مرتبة الشرف ، ويصرون على قبول طلبة الدراسات العليا لإنشاء مشروع (كذبة عليا) ، وراح المسؤولون في هذه الوزارة يباركون لأنفسهم هذا النجاح في التجربة الجديدة ، ويتبادلون التهاني ، بعد أن صنعوا (الكذبة) وصدقوها . ويذكرنا هذا المشهد برواية أحد الجنرالات الألمان ، عندما سُئل عن سبب خسارة هتلر الحرب العالمية الثانية ، فروى أن الضباط المهندسين في الصناعة العسكرية كذبوا على هتلر وأوهموه بنتائج غير صحيحة لمعداتهم العسكرية المتعلقة بأجهزة الإتصالات ، وفي تصاميم منظومات الرادارات الأرضية ورادارات الطائرات والسفن والغواصات ، ولذلك خسرت ألمانيا الحرب

ونحن نعيش في ظل حكومة متكونة من وزارات تعيش على قرض الأكاذيب واجترارها ، فوزير الثقافة يدّعي إصابته (كذباً) بكورونا ، ثم يواجه الفايروس ويعقد معه إتفاقية سياسية خطرة ، مضمونها (النهار لي ، والليل لك) ، لكي يشيع ثقافة الشجاعة والمواجهة مع الفيروسات ، وهذا الدور موكل لخطط وزارة الثقافة التي تساعد بنشر الوعي الصحي بين المجتمع ، والخطاب المسكوت عنه يكشف أن شر البليّة ما يضحك (والحمد لله) على الثقافة.

وكشفت لنا كورونا عن وجه سياسة وزارة الصحة التي تؤدي عملاً دعائياً وترويجياً لقائد تيار سياسي ، إذ قام السيد رئيس الوزراء بافتتاح مشفى (السندويج بنل) الذي تبرع به (السيد) وتياره ، على الرغم من أنهم كانوا سبباً في تفشي النعمة (والحمد لله) ، في حين أن جهات أخرى قامت بالعمل نفسه أو أفضل منه ولم توجه إليهم كلَمة شكر (والحمد لله). ويطول الحديث في مجال الصحة ، فقد كشفت لنا كورونا أن أحد الأحزاب ذا الجناح المسلح المعاند يسيطر على استيراد الأدوية ، وقد أتخمت خزائن قادته بملايين الدولارات من قومسيونات الشركات ، والخاوات من التجار المستوردين والموزعين و أصحاب المذاخر الكبيرة ، وتضخمت خزائن كل هؤلاء نتيجة استغلال حاجة الناس إلى العلاج ، ولاسيما علاجات كورونا ، وهي نعمة عليهم (والحمد لله) .

وكشفت كورونا لنا أيضاً أن هذا الحزب قد انتصر على الدولة ، ففي حادثة (الدورة) لم تستطع الحكومة أن توقف إثني عشر جنديا بسيطاً سوى أيام معدودات ، وقد رأينا أثني عشر كوكباً منتصرين والأمن والقضاء لهم ساجدين لعدم كفاية الأدلة . وإذا كان الموقف يظهر بهذا الشكل أمام مجموعة جنود ومرتزقة فكيف سيكون الموقف إزاء القادة والقواعد؟! وهذا يعني أن هناك كذبات كثيرة وكبيرة ستتكشف لنا ، فالقضاء على الأحزاب والمليشيات (كذبة) ، وبناء اقتصاد تنموي في البلاد (كذبة) ، واستقرار الدينار مقابل الدولار (كذبة) ، وخطط تنمية الأقاليم (كذبة) ، ومفهوم الأمن الوطني والسيادة (كذبة) ، والانتخابات المبكرة (كذبة) ، وكنا نسمع أن كورونا (كذبة) ، لكنها أثبتت لنا نفسها أنّها الوحيدة ليست كذبة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

نتائج اجتماعية سلبية محتملة لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959

العمودالثامن: لماذا تصمت نقابة المحامين؟

العمودالثامن: المندلاوي وشعار "مشيلي وامشيلك"

العمودالثامن: حين تغضب النقيبة !!

تشريع زواج القاصرات في العراق خيانة لهنَّ

العمودالثامن: عصر المرتشــين

 علي حسين كانت كلمة (مرتشي) حين تقترن بشخص ما فهي كافية لتضعه أسفل سلم التوصيف الأخلاقي في المجتمع، ويذكر البعض منا أن الاختلاس أو سرقة المال العام كان يلقى ردعاً يصل لحد الفصل...
علي حسين

كلاكيت: الكوميديا التي لا تنشغل فقط بالضحك..

 علاء المفرجي على الرغم من أن الفنان الكبير قاسم الملاك، لم يبدأ مسيرته الفنية أواخر الستينيات ممثلاً كوميدياً، بل تنوعت أدواره منذ ذلك الحين بين الكوميديا والأدوار التراجيدية، وغيرها من الأدوار. فكان أن...
علاء المفرجي

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوبفي مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 6)التجربة اليابانيةاليابان، المعروفة بتنظيمها الاجتماعي وثقافتها الغنية، تعد واحدة من اكبر الاقتصادات في العالم. بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت اليابان نهضة اقتصادية هائلة، حيث تحولت من بلد مدمر الى قوة اقتصادية...
د. محمد الربيعي

مقالة إخوان الصَّفا: القائل والعاقل

رشيد الخيون تضاعفت الأقوال المسموعة على مدار الساعة، والقلة ممَن يخضعها لعقله، كي يميز الغث مِن السَّمين، وبقدر ما نفعت التكنولوجيا، الفكر النير، خدمت الجهل، لأنها تُدار بيد الإنسان، إذا كانت يد عاقل أو...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram