TOP

جريدة المدى > سينما > لم يعد ينقصنا سوى الأغبياء

لم يعد ينقصنا سوى الأغبياء

نشر في: 8 يوليو, 2020: 06:44 م

مروان ياسين الدليمي

في ما لو تم تطبيق قرار دونالد ترامب"المهارة قبل الشهادة في التوظيف" في العراق ؟، ماذا سيكون مصير العشرات من أصحاب البدلات والأربطة،ممن يحملون شهادات عليا،ماجستير ودكتوراه، خاصة في كليات الفنون الجميلة،

فهناك العديد منهم يُدرِّسُ فن التمثيل وأسس الإخراج المسرحي،بينما مسيرته خالية من أي مشاركة في عروض مسرحية،أي إنه يفتقد المهارة والخبرة المتراكة نتيجة الاستمرار في العمل، ومن الطبيعي سيفتقد القدرة والإمكانية التي تؤهله للوقوف على خشبة المسرح، ومثلهم في قسم السينما أيضاً،حيث لاتجد في أرشيفه أي عمل سينمائي،وإذا ما وجِد ،فلا يستحق أن يصنَّف ضمن خانة الفيلم.وهكذا الحال مع بقية الاختصاصات.

أنا شخصياً أعرف نماذج من هؤلاء، لم يكن لهم أي مشاركة وحضور في النتاجات المسرحية والسينمائية طيلة فترة دراستهم في الكلية،لكنهم اليوم يحملون شهادات عليا ويتخرج مئات الطلبة من تحت أيديهم.فلاغرابة إذا ما وصل حال الإنتاج الدرامي في العراقي الى ما هو عليه من ضعف .

كيف لأستاذ أكاديمي أن يقف في قاعة الدرس ويلقي محاضرة على طلبة يدرسون الفن من غير أن يكون له خزين من التجارب العملية التي خاضها بنفسه ، وخرج منها باستنتاجات ذاتية لن يعثر عليها الطلبة في أي كتاب ، لأنها،خاصة به ومن وحي خبرته التي تشكلت عبر مخاض تلاقحت فيه الفكرة النظرية مع الفعل،ولايمكن بأي حال من الأحوال مقارنتها مع أي معلومة قد يحصل عليها الشخص من كتاب أو مقال وقع تحت يديه،فالعبرة دائماً في التلاحم المباشر مع الحياة ، فكيف إذا كان هذا الالتحام سيشكل جوهر الشخصية الإكاديمية ؟ من المؤكد ستكون الفرادة في الحضور والفاعلية هي النتيجة التي ستتمخض عنها .

في منتصف ثمانينيات القرن الماضي كنّا نقف الى جانب الاستاذ "جعفر علي" رئيس قسم السينما في كلية الفنون الجميلة، فإذا بواحد من أولئك الطلبة بعد أن تخرج ونال شهادة البكالوريوس وكان معروفاً عنه مع شقيقته باعتبارهما أشهر ثنائي غنائي في تلفزيون العراق يقدمان الأغاني التي تروج لسياسات النظام آنذاك،ومازلت أذكر جيداً أن قبول هذا الطالب في قسم السينما في مرحلة البكالوريوس لم يكن بناء على رغبة قوية في داخله هي التي دفعته لدراسة الفن السينمائي إنما لانه لم يأت بمعدل في امتحانات البكالوريا يؤهله لدخول أي كلية،فجاء قبوله بقرار من صدام حسين شخصياً،مثل آخرين تم قبولهم ولنفس السبب في كليات أخرى ليسوا مؤهلين للدراسة فيها.فتخرجوا منها وأصبحوا في مراكز وظيفية،وبعضهم أصبح معيداً في نفس الكلية .

وبعد أن ألقى التحية علينا،توجه بحديثه الى الأستاذ جعفر مستفسراً عن إمكانية اكمال دراسته العليا في قسم السينما،عندها ابتسم استاذنا رحمه الله،وبما عُرف عنه من أسلوب ساخر في التعليق على الأحداث،ردَّ عليه قائلا:" لم يعد ينقص قسم السينما سوى الأغبياء " .

مرّت الأيام والسنوات،فإذا بالمطرب الشاب وشقيقته بعد العام 2003 يظهران في برنامج تلفزيوني لإحدى القنوات العراقية،بضيافة أحد اشهر المحاورين،وفي أسفل الشاشة قرأت cg التعريف بهما، فوجدته يشير الى أنه يحمل شهادة دكتوراه في الإخراج السينمائي.ساعتها تذكرت تلك الابتسامة الساخرة التي ارتسمت على ملامح الأستاذ جعفر علي،وعبارته التي مازلت أذكرها " لم يعد ينقص قسم السينما سوى الأغبياء " .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مؤسسة البحر الأحمر تحتفي بالسينما العربية في مهرجان تورونتو 2024

حصافة نقدية تلتقط المختلف في السينما العربية

دانييل أوتويل يعود إلى السينما بفيلم قانوني مستوحى من قصة حقيقية

مقالات ذات صلة

حصافة نقدية تلتقط المختلف في السينما العربية
سينما

حصافة نقدية تلتقط المختلف في السينما العربية

قيس قاسميصل الناقد السينمائي والكاتب البحريني حسن حداد في سلسلة كُتبه المُعنونة "أفلام لا تغادر الذاكرة" إلى السينما العربية، بعد ثلاثة أجزاء اختصت بالسينما الأجنبية وتضمنت قراءات نقدية لأفلام سينمائية عالمية. أفلام لجماليات اشتغالها...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram