د . فارس كمال نظمي
في لحظة اختراق الرصاصات التافهة لدماغك المصنوع من أسمى إرثٍ حققته الحضارة والطبيعة معاً، تكون قد انتقلتَ أخيراً من قلق الوجود المرير إلى استراحة الخلود الآمنة. وهو انتقالٌ لم تكن خائفاً أو متوجساً من حدوثه، إذ لطالما كنتَ ترى القتلة – الذين تعرفهم وتتوقعهم جيداً- كائناتٍ فائضة لا يجوز التردد أمامهم أو الاكتراث لوحشيتهم ووقتيتهم.
ولذلك احتويتَ اغتيالك سلفاً – سواء حدث أم لم يحدث- بحصانةٍ صوفيةٍ ظلت ترافقك عبر ابتسامتك الوديعة الثابتة. هذه الابتسامة ستظل تنير دروب أطفالك وتمنحهم طاقة الأمل في نضجهم القادم حينما سيلتحقون بجيل الثوار الوطنيين الصاعد، وتنهزم قطعان التافهين والسفلة والمقتاتين على أردأ فضلات الحضارة والطبيعة.
هو ليس اغتيالاً للفكر والثقافة وحرية التعبير وحق الحياة فحسب، بل هو اغتيال سياسي في جوهره تمثلت فيه ضمناً عناصرُ الفكر والثقافة وحق التعبير والحياة ، ولذلك فهو موتٌ غادرٌ سيتمأسسُ تراكمياً وعميقاً – كما في اغتيالات كثيرة سابقة ولاحقة- في نسيج الذاكرة السياسية الجماعية، حيث يغلي الزمن الاجتماعي الهادر بصراعاته التأسيسية لبلادٍ آمنةٍ ستولد من دمك ودماءِ آلاف الضحايا الذين سقطوا وهم واعون تماماً بفكرة الولادة الجدلية هذه، ومختارون لها إيثاراً وبطولةً.
لا يوجد اغتيال سياسي بدون قاتل سياسي، أو محرض سياسي، أو متستر سياسي، أو متغافل سياسي، أو متهاون سياسي، أو متردد سياسي، أو جبان سياسي، أو جميع هؤلاء مشتركون تضامنياً تحت خيمة النظام السياسي ورواضيعه الكثيرون. الاغتيال السياسي لا يقترفه أفراد، بل تمارسه بنية قتل ممأسسة، مارست وظيفتها "الاعتيادية" معك لتتركك – كما تركتْ وستترك غيرك- وحيداً تصدّ بأفكارك ومفاهيمك وكلماتك المسالمة رصاصاتهم التافهة الغادرة ، لكنك لست وحيداً إلا بالمعنى المجازي فقط، فالأفكار تحرث التاريخ الاجتماعي ببطءٍ وتريثٍ حتى تنضجه، ليصير روضة سمادُها القتلى المبتسمون، كابتسامتك الخالدة...!