د. مهند البراك
ـ 3 ـ
و من جهة أخرى . . تتحدث وكالات أنباء متعددة دولية و إقليمية بأنه، من المتوقع أن ينقطع الدعم الإيراني للميليشيات الولائية، بسبب الضائقة المالية التي تعيشها إيران و تصاعد التذمر الشعبي فيها، و بسبب تأثير احتمالات تعثّر و انقطاع أموال الفساد في دوائر الدولة العراقية عن وكلائها و مكاتبهم الاقتصادية لأنها صارت تحت مراقبة أقوى، بسبب انتفاضة تشرين على واقع الحياة المزري،
التي ادّت الى استقالة رئيس وزراء و مجئ رئيس جديد وعد بمكافحة الفساد و بدأ باجراء تنقلات أمنية، إضافة الى انفضاح الفساد الهائل في المنافذ الحدودية و بدء السيطرة عليها حكومياً في محافظة ديالى . .
ليصل محللون الى أن ايران قد تذهب الى إجراء تنازلات في تحدياتها في محاولة الى تسويات تشمل تخليّها عن ميليشيات عراقية عائدة لها، لإبعاد الصراع الأميركي ـ الايراني عن خطر اشتعال الصدام بينهما عسكرياً مهما كان شكله، في ظروف تتوالى فيها أنباء اكّدها مصدر إعلامي إيراني عن وقوع انفجارات و حرائق كبرى في أماكن حساسة داخل إيران تسببت بخسائر مالية كبيرة لها . و في ظروف أعلنت فيها قيادة حزب الله اللبناني عن دعمها للجهود الرامية الى الحصول على المساعدات الاميركية لحل الأزمة التي تعيشها لبنان الآن، كما تناقلت صحف و وسائل إعلام دولية و اقليمية، مذكّرة باتفاقية حزب الله اللبناني مع اسرائيل عام 1996، بالتخلي عن استخدام العنف و اعتماد الطرق السلمية لحل الخلافات بينهما!
و يرى مراقبون بأن عودة اندلاع التظاهرات المطلبية في محافظات الجنوب بسبب الفقر و البطالة و مأساة كورونا و الإجراءات الوقائية غير المنظّمة بعد الفشل في صدّ الوباء بداية، بسبب عدم غلق الحدود الشرقية كما مرّ و غيرها، التي أوصلت أكثر من 35% من نفوس البلاد الى مستوى مادون الفقر وفق إحصاءات دولية يُعتمد على صدقيتها . . التظاهرات التي أذكاها الصيف الحارق و انقطاع الكهرباء و الماء الصالح للاستهلاك البشري، و يرون بأنها قد تتطور الى مستويات أعلى نوعاً و كمّاً مما بدأت به في بدء تظاهرات انتفاضة تشرين البطولية 2019 رغم إجراءات كورونا، بسبب الجوع و العطش و الحر القاتل . . يصفه قسم بانه قد يكون انفجاراً شعبياً يصعب تقديره أو السيطرة عليه، في ظروف لم تعد للحياة معنى فيها و ظروف لم يعد للخوف مكان فيها . .
وما يزيد الأمور حدّة و تعقيداً، هو إصرار الميليشيات الولائية على مواقفها المتشددة من حصر السلاح بيد الدولة الذي قد يعيق الدولة عن البدء بمكافحة حيتان الفساد الكبار بالطرق السلمية رغم الشعارات المنافقة لتلك الميليشيات، و بسبب إصرارها على صراع الدولة و اللادولة، في الظروف القاهرة التي تعيشها البلاد التي تتطلب بالحاح وجود دولة واضحة و بكيان و حدود ثابتة و قانون نافذ، في زمن لم يعد فيه إخفاء حقيقة مايدور أمام دول العالم ممكناً . . دولة قانونية، لتحصل على دعم دول العالم في مواجهة الكارثة الصحية و المالية، و لكي تضمن تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه دولياً، و لكي تحدّ من تسرّب العملات الصعبة الى أيادٍ تشكّل خطراً على أمن المنطقة و العالم (تابع التقارير المالية للاتحاد الأوروبي و لوزارات الخزانة الاميركية و البريطانية للأشهر الجارية) . .
حتى وصل الأمر بالمفوضية الأوروبية الى، وضع العراق باقليمه على اللائحة السوداء للدول التي تمارس اللاقانون و غسل الأموال و تزوير الوثائق و إقامات الارهابيين و تمويلهم، الذي سيؤدي بالبلاد الى وقف الاستثمارات فيها، و أن يشيح المستثمرون عنها أكثر، خوفاً على أموالهم، و يؤدي بالبلاد الى الحضيض بسمعتها و آفاقها و مدى الثقة بصدقية طلباتها للنجدة و الثقة بعقودها و على رأسها القروض و المساعدات المُلحّة الآن للاجراءات الصحية (بضمنها التعويضات) و الكهرباء و رواتب الموظفين و المتقاعدين و المعونات الاجتماعية و الحصة التموينية . .
و تطالب الجماهير السيد الكاظمي التحلي بجرأة أكبر لتقديم عدد من قتلة المتظاهرين الى العدالة، و تقديم عدد من حيتان الفساد للقضاء، و إسنادها العملي العاجل في مشكلة الكهرباء الأكثر التهاباً . . لكسب ثقة أوسع الأوساط الشعبية و المهنية، و لكسب تكاتف جهود الجميع للوقوف معاً في ظرف تُرك فيه العراق الثريّ الكبير لوحده عاجزاً، في أقوى أزمة يمرّ بها كدولة و ككيان باطيافه، و لرفع نداء الروح الوطنية الحيّة عالياً . .
من جهة أخرى، و في وقت خففت فيه إعادة الحكومة منفذ مندلي لسلطتها (و مُنتظر استكمالها باعادة هيكلة الجهاز الضريبي و الرسوم و اتمتة المنافذ)، خففت من القلق الواسع على الواقع الجاري، و شكّلت بداية مقبولة على الأقل، بعد الإحباط بسبب إشكاليات و تأخّر رواتب المتقاعدين، و حادثة الدورة . .
فإن أوساط خبيرة تحذّر من لجوء الميليشيات حامية الفساد، الى العنف بالسلاح المنفلت الذي شكّل اغتيال الخبير الأمني الوطني الشهيد هشام الهاشمي به، ببرود و بتلك الصورة العلنية لإثارة الخوف في أوساط الرأي العام، إشارة بأن الأوساط الإسلاموية الحاكمة مهما كانت ألوانها و أجيريها تستعد لإعادة فتح مسلسل الإغتيالات من جديد، بحق الكلمة الحق و بحق الناشطين العزّل، لتهديد الحكومة و لمواجهة الجماهير بالعنف، و تتوقع انفجار السخط الشعبي الذي قد يصعب تنظيمه و السيطرة عليه، إن لم تبدأ إجراءات عاجلة حياتية تطالب بها مراراً سلميّاً كما مرًّ،فإن انفجاراً أكبر من السابق بدأت معالمه تظهر في مدن الجنوب، بفرض الجماهير إرادتها بعزل إداريين و مسؤولي الكهرباء و الماء، و توليّ قسم منهم تشغيل آليات تلك المرافق وفق ما يمكن الحصول عليه.
في ظروف تبدو فيها و كأن ايران تسحب يدها من الميليشيات الولائية و لو آنيّاً لضيقها المالي و العسكري، رغم تأكيدات السفير الإيراني على انهم باقون مادام الأميركان متواجدون، و تبدو فيها أن تلك الميليشيات تمر بظرف صعب عليها، لإيجاد قائد يقودها مكان ابو مهدي المهندس و غياب الجنرال سليماني، و تحاول إحداها فرض قيادتها على جميعها بدعم جهات إيرانية و لبنانية . .
و إن إدارة ترامب و هي على اعتاب انتخابات جديدة في اكتوبر القادم، تحاول ان لاتتخذ خطوات متسرعة و عسكرية، و تنتظر نتائج محادثات مبعوثيها مع الحكومة الإيرانية لتخفيف حدة التوتر، و تنتظر أيضاً نتائج مفاوضاتها غير المعلن عنها الجارية مع الميليشيات الولائية (وفق صحف و وكالات أنباء و مواقع عالمية و تصريحات برلمانيين على الفضائيات).
وسط كل تلك العوامل، يرون بأنها تشكّل فرصة للسيد الكاظمي للبدء الفوري عملياً باجراء إصلاحات و تغييرات أكبر، على هدي المطالب الملحة للمتظاهرين في وقت الصراع المحتدم مع وباء كورونا، و سيجد أن الجماهير باختلاف طيفها ستكون معه و رهن إشارته، فلا طريق إلا طريق التغيير الحقيقي و فرض الدولة بأنها الوحيدة التي تحصر السلاح، و ليس السلاح المنفلت هو الذي يحصرها !!
اترك تعليقك