رأي بالأجنبي: (( وثنية الحياة)) .. لماذا نخشى كورونا ؟!

آراء وأفكار 2020/07/18 07:19:59 م

رأي بالأجنبي: (( وثنية الحياة)) .. لماذا نخشى كورونا ؟!

 أوليفييه ري *

ترجمة : عدوية الهلالي

ماالذي تغير ؟!...خلال عدة قرون في فرنسا ، تسببت المجاعات الخطيرة في عدد قليل فقط من أعمال الشغب المحلية ..لم يكن أحد ، حتى القرن السابع عشر ، يحلم بإهانة الملك أو انتقاده، وهو العاجز عن مواجهة البرد والصقيع والجفاف ..

ومنذ القرن الثامن عشر ومابعده ، ساعدت فترات القحط ، التي كانت أقل أهمية من الفترات السابقة ، في إشعال الثورة وإسقاط السلطة ...لماذا ؟ّ!..

يأتي الاختلاف في سياسة الملوك الذين ، من لويس الرابع عشر ، كانوا قد أرسلوا إداراتهم لتجوب البلد لغرض تحديد حالات الضرر ، وتقدير المحاصيل وتنظيم الواردات اللازمة للتخفيف من المجاعات ..كانت إحدى نتائج هذه السياسة هو " تطوير اتجاه جديد في الرأي العام " يقوم على الميل الى اعتبار بأن الافتقار الى القوت يعزى الى الحكومة ...اذن ، " كلما ازدادت القوة المركزية التي تساعد المواطنين ، كلما زاد ميلهم الى لوم الشرور التي يعانون منها " ..فمن دون تبييض صورة الحكومات ، أجد أن ردود الفعل على وباء فايروس كورونا أعطت هذا الاتجاه في الرأي العام ..ومما لاشك فيه أن هذا ليس من قبيل المصادفة ، في وقت اعتدنا فيه على الاعتماد على الأنظمة التي تتجاوزنا ، والتي لانتحكم فيها لتوفير كل جانب من جوانب حياتنا :(الغذاء ، الرعاية الصحية ، اللباس ، النقل ) ..

هل هذا هو السبب في أن هذا الوباء ، الذي كان من المحتمل أن يولد ( مويجة ) من اللغط فقط لدى الرأي العام في السابق ( من يتذكر انفلونزا هونج كونج في عام 1969 ؟) بينما اتخذ أبعاداً وكأنه ( تسونامي كوكبي )؟..

حتى وقت قريب ، ولأننا نحترم المطلق ، فقد تم وضع المقدس فوق الحياة ، وهذا هو السبب ، في أن يدعي المرء – إذا لزم الأمر- التضحية بالحياة ، ولكن ، ومع علمنة المجتمع ، لم تعد الحياة جزءاً من وجهات النظر ، سواء كانت دينية أم لا ، وتلك التي تتجاوزها أو تمنحها معنى : لقد اتخذت الحياة مكان المقدس ، ولم تعد مجرد ( حياة ) ، لم تعد كما حددتها ( قواميس القرن الثامن عشر ) بأنها اتحاد الروح بالجسد ...لكن ( الحياة العارية ) أي الحياة العضوية ، والمادية ، والبايويوجية ،اختزلت ببساطة الى حقيقة أن يكون المرء على قيد الحياة ...

إذن ، إذا كان على الحكومات أن تنقذ الأرواح ( لأن المعركة ضد الموت هي اساس شرعيتهم ) فيجب عليها ضمان هذه الحياة البايولوجية ، وبالتالي ، فأن مايأتي إضافة الى هذه ( الحياة العارية ) قد توقف أثناء الوباء ...

لنفكر مثلاً مراسيم الدفن والجنازة – التي تدل على إنسانيتنا – وكيف تم الحكم عليها بأنها " غير ضرورية " ..، إذن ، فأن هذا الشكل من " العبادة الوثنية للحياة" الذي تطور حول الحفاظ على الحياة العضوية يظهر في جميع تحديات عصرنا ...

يكفي أن نفكر في التقدم التكنولوجي ، فعندما يتعلق الامر بمعارضة تطوير G5أو الذكاء الاصطناعي – على سبيل المثال – فأن الحجج الوحيدة الصالحة هي " الصحة " ، لأن التساؤل الذي سينشأ في هذه الحالة هو : هل أن هذه الأجهزة خطرة على الصحة ؟ إذ لم نعد نجد مسألة ما إذا كان الصالح العام ونسيج المجتمع يتطلبان مثل هذه التطورات أو ماذا كانت ستجعل حياة البشر مثمرة أم لا ...

لكن ، اذا كان الأمر صحيا فقط هو المهم ، فما قيمة الحياة ؟ وماذا يصبح الموت ؟ هل هو نهاية كل شيء ؟ هنا يصبح الموت رعبا لابد من قمعه ومحوه وتأخيره ، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن حرياتنا الأساسية للقيام بذلك "...

نحن نعود في هذه الحالة الى الوضع الذي وصفه هوبز ، (حيث يوافق الفرد على الخضوع لقوة مطلقة مقابل الحماية التي من المفترض ان توفرها له ضد الموت )، والدليل على ذلك هو ان الطريقة التي ينتقل بها فايروس كورونا أصبحت الموضوع الوحيد والفريد من نوعه الجدير بالاهتمام ،مع السهولة التي تخلى بها المواطنون عن حريتهم في القدوم والذهاب بذريعة الضرورات الصحية ..

كيف يمكننا الخروج من هذه العبودية ، والتخلي عن وضعنا – كتابعين – والمطالبة بالاستقلال ؟ سيكون الطريق طويلا ..فانا لاأشكك في الحاجة الى الحظر الصحي ، لكني اتساءل هنا عن مفهوم الحياة ..سيتعين علينا ان نتعلم " الاعتماد على انفسنا " و" قبول ترك بعض العلل دون علاج " و" غرس فن المعاناة والموت مجددا ، اذ سيكون هذا ثمن حياة بشرية كاملة ..

* فيلسوف فرنسي

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top