د. اثير ناظم الجاسور
ما الذي نراه مناسباً ويدعونا للأمل ونحن نحيا وسط أنشطة بعيدة عن واقعنا وحياتنا وتطلعاتنا نتدحرج وفق مزاج من في السلطة مهما كان سلوكه أو توجهاته، وبما أن حياتنا ملؤها بؤس ومشاريع لم تنجز سواء اليوم أو غداً بالتالي فسنبقى نبحث عن حلول سهلة نتائجها بكل الأحوال آنية وغير متعبة وقد تكون حلولاً جاهزة غير مجدية في أوقات كثيرة،
فبالرغم من الرفض المستمر للأحزاب وسياساتها غير المنضبطة وعملية إدارتها للدولة لكن الناس لا تزال تعيش تحت رحمة أدوات الاستبداد التي تساهم في كل مرة في تعزيز سلطتها التي لا تنفك أن تطلق عنان عنفها وغطرستها تجاه كل فكرة أو رغبة في التصحيح، وهذه السلطة تستخدم أدواتها باستمرار فبين مثقف مأجور وإعلام رخيص وخطيب متطرّف وجماعات منفلتة يستمر الاستبداد في تعزيز تلك السلطة الداعية إلى إسكات الأصوات وتفتيت المجتمع، وتبقى تلك الأدوات أداة بيد السلطان طالما باتت المصلحة الشخصية أو الفردية أسمى من مصلحة الجماعة، يقول الكاتب السوري " غسان الجباعي" في هذا الخصوص" إن السلطة تستخدم الإعلام لتلميع صور وأفكار مثقفيها، كي يشتهروا بين الناس وتصبح كلمتهم مسموعة، ويحققوا طموحاتهم الشخصية ثم يسددوا الدين للسلطة".
القضية الأخطر في مسألة الاستبداد وبقائه هو زواج السلطة بالمال والسلاح المنفلت تحديداً كوّنا دفعة كبيرة من الاستبداد وجعلته قوة سمحت له بفرض سيطرة بمسمى الدولة الراعية، وأسهم بتراجع دور المثقفين الحقيقيين وأصحاب الفكرة والأصوات الوطنية الذين بالاساس إسهاماتهم لها دور كبير في تعزيز فكرة بناء الدولة ونموها وتطورها على اعتبار أنهم مهددون أساسيون لكيان دولة الاستبداد التي لا تلتقي مع الحريةعلى الاطلاق، هذه الثلاثية (السلطة - المال – السلاح) انتجت بكل بساطة شريحة أقل ما يقال عنها فاسدة جعلت من الفساد ثقافة حكومية أجهزت على كل الآمال التي نادت بـ(وطن معافى - حياة كريمة - حرية - حقوق إنسان الخ ... )، بل إن اكبر إنجاز لهذه الطبقة هي عملية ابتلاع الدولة لصالح ما سميت ( الدولة العميقة) التي أسست لها الأحزاب للسيطرة على كل شاردة ووارة في هذا الوطن والتي لا تزال تمارس سلطاتها وسيطرتها على مفاصل مختلفة من الدولة، وبعد أن تيقنت هذه الشريحة إنها فاقدة للشرعية وإنها غير قادرة على استحصال مقبولية الشعب ، كان أفضل وأسهل طريق هو الاستبداد وعدم السماح إلى أن يُؤسس لدولة وطنية جامعة لكل أطيافها لأن هذا ببساطة نهاية لحكم الاستبداد، والقضية الاخرى محو المشتركات التي تربط أبناء الشعب الواحد من خلال إدخال مفاهيم وطروحات قد لا تكون جديدة على مسامع أجيال وتعايش معها أجيال أخرى لكن وقعها أكبر وأعظم في هذه الفترة.
وهنا أسال هل نحن أمام مؤامرة بالتوصيف الذي تراه الأحزاب وأدواتها وحتى ما تُربى على هذه المفردة أجيال سابقة وحاضرة؟ أم نحن أمام سوء إدارة وتخطيط فعلي نتيجة الاختلالات التي تعاني منها الأحزاب طيلة هذه السنوات سواء كان سواء كان هذا التخبط مقصوداً أم عن عدم خبرة ودراية؟، لكن في كلتا الحالتين هي أخطاء وممارسات كلفت الدولة ثمناً كبيراً وراح ضحيتها آلاف العراقيين، ومشكلتنا الأكبرفي العراق على طول السنوات والعقود داخلية ذاتية نابعة من أعماق أعماقنا ناتجة عن عدم الثقة بالآخر الذي لطالما حاولنا خلقه لمجرد تبرير الأخطاء والكوارث التي أصابتنا، وبمجرد النظر لواقع العراق السياسي والاجتماعي نجده يبحث عن ذاته في تفاصيل جزئيّة يحاول من خلالها خلق هذا الآخر الذي هو بالحقيقة يكمن في داخلنا، أما مشكلتنا الأخرى والتي نعاني ومازلنا نعاني من تبعاتها فهي خارجية بامتياز من خلال تأييد الاستبداد الداخلي ودعمه وتغذيته للاستمرار وفق مبدأ المصلحة والسيطرة والمنفعة، وهذا ما فعلته دول الجوار والإقليم والعالم بعد أن ساندت الاستبداد بشتى أشكاله وتوجهاته وجعلت منه أداتها في العراق وحولته لبؤرة للحكومات والأحزاب والشخصيات التي أضرت بالنتيجة بمصلحة العراق ومستقبله.
اترك تعليقك