الممثل الدراماتورج

الممثل الدراماتورج

أحمد شرجي

انفتح مصطلح الدراماتورجية مع الألماني ليسنيغ على عناصر العرض المسرحي كافة، فلم يعد يقتصر على المنظم للربيتوار المسرحي ،

بل الشخص الذي يتحمل تحديد مسار خطاب العرض الآديولوجي والجمالي، وساهم هذا الانفتاح بتحديد شكل العرض رؤيوياً ، على وفق قراءة مغايرة للنصِّ المسرحي، قراءة إسقاطية على مجتمع وثقافة العرض المسرحي، وفي أغلب الأحيان لايتفق العمل الدراماتورجي مع قصدية النص الأصلي ، بل يحمل حمولات آيديولوجية وسياسية واجتماعية الثقافة المنتجة. وعليه؛ لابد أن يكون الحامل/ الممثل الوسيط على قدرة في كتابة نظامه الأدائي الخاص، وإقامة نظام و وضع خياليٍّ للشخصية التي يمثلها، والأهم من كل ذلك، الوعي المتقد لتفكيك شفرات نص المؤلف، ونص العرض، ومن ثم كتابة نصه الخاص الذي عبره يستطيع محاكاة الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، وتحقيق القصدية التركيبية لعلامات العرض اللفظية والبصرية.

كثر الحديث عن وظيفة الدراماتورجية ، و وظيفة الدراماتورج داخل العرض المسرحي ،ولعلَّ هذا يعدُّ أول إشكالية تواجه المصطلح وظيفياً ؛ لأن هناك فرقاً كبيراً و واضحاً بين المصطلحين من الناحية الوظيفية ؛ وأعطى المسرح الحديث، ومسرح ما بعد الدراما اهمية كبرى لثقافة العرض ، وتهميش النص ، ومن ثمَّ أصبحت وظيفة الدراماتورج تحديد شكل الخطاب ، حتى بات المصطلح لصيقًا بالعرض المسرحي ، وبما أن الدراماتورجية ، تحليلية في جوهرها الاشتغالي ؛ لذلك وظَّفها الألماني برتولد بريشت في اشتغاله لتحليل النصوص والشخصيات للممثلين ، وبما أن الممثل حاملاً له ، لذا يعدُّ الأخير المعني الأول بالمرجعيات الثقافية والبيئية؛ لأن الممثل يمثل عصب العملية المسرحية ، ولابد ان تخضع بقية العناصر لتأكيد عملية توهجه على الخشبة، ولكن لماذا يُستبعد الممثل في الاشتغال الدراماتورجي على مستوى النص وتشكله الأولي؟ هل مازال ينظر إلى الممثل كونه أداة تنفيذية كما في المسرح الإغريقي؟ أو مجرد استنساخ للواقع كما في الانطباعية والواقعية؟ أو أنَّه مجرد وسيط بين الحركة والعرض كما عند مايرهولد وبرتولد برشت ؟ على الرغم من أن الأخير اهتم به كثيراً ؛ من أجل تفعيل هذه الوساطة بينه وبين الجمهور. الممثل حامل خاطب العرض الأول ، ويتحمل وزر أخطائه على الخشبة ، ومن ثمَّ لابد أن يكون واعياً ذا ثقافة موسوعية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ، ويجب أن يكون ملمّاً بكل مرجعيات وقصدية المحمول اللفظي والبصري . أنَّ الدراماتورجية البريشتية تمنحُ أهمية كبرى لتحفيز الخيال ، والأخير مصدر عمل الممثل ، والعنصر الذي لابد أن يمتلكه الممثل بشكل عام وفي المسرح الملحمي بشكل خاص. إن عملية تحفيز الخيال وامتلاك موهبة التمثيل ، يشكلان الأدوات الرئيسة بعمل الممثل الدراماتورج؛ لأنهما المحفز والمحرض للخوض في لاوعي النص ، وامتلاك الاجوبة لكل الاسئلة المضمرة داخله، وتتطلب العملية البحثية والتحليلية في لاوعي النص ، عقلية دراماتورجية، لإعادة كتابة دراماتورجية خاصة بالممثل وعمله على مفاصل الشخصية ، وتقلباتها السيكولوجية وتمظهراتها الاجتماعية، ومن ثم تحليل سلوك كل مرحلة زمنية تمر بها الشخصية ؛ لأن زمن الشخصية، ليس هو زمن النص الدرامي ، بل وجودها المادي ضمن شبكة علاقات النص، وهنا يكمن جوهر الدراماتورجية البريشتية من ناحية تحليل النصوص للممثلين ؛ وذلك لتحفيز عقلية الدراماتورج داخل الممثل لوضع مقاربات اجتماعية وسياسية للنص بشكل عام ، والشخصية بشكل خاص . إن عدم وصول الخطاب بقصديته الاشتغالية يتحمل جزءًا كبيرًا منه الممثل ؛ لأنه لم يعمل على لا وعي النص ، بل سطوحه المحملة بالرموز والإشارات، فكيف يستطيع إيصال الخطاب بدون تبني كامل لماهية الخطاب الآيديولوجي والاجتماعي والثقافي؟ وهذه تعدُّ إشكالية كبرى تقوِّض اشتغال قصدية خطاب العرض وإيصاله إلى المتفرج، هذا من الجانب الفكري، امَّا من الجانب الادائي على الخشبة فستكون مُصدراته اللفظية والبصرية من دون روح، فضلاً عن فوضوية وإنشائية الأداء ، و كذلك المراهنة على الاستجداء العاطفي للتأثير على المتفرج. و يصعب على الممثل الدراماتورج انتاج معنى العلامات المحمولة، من دون وعي؛ لأن" المسرح ذو كينونة سياسية ، ليس فقط فيما يتعلق بالنواحي التقنية، ولكن أيضاً بوصفه رمزاً للواقع الاجتماعي العام الذي يمثله، والذي يهدف إلى تقسيمه ودفع أجزائه إلى التناحر فيما بينها". ولا يكتمل معنى العلامات إلا من خلال وضعها ضمن سياقها الاجتماعي والمعرفي الذي حدده الإخراج والرؤية الجديدة للنص، ويضعها الممثل الدراماتورج ضمن مسارها الاشتغالي آيديولوجياً وسيسيولوجياً وسيميولوجياً؛ لأن العرض هو جوهر الاشتغال الدراماتورجي . هناك سوء فهم كبير لماهية العمل الدراماتورجي في العملية الانتاجية للعرض، ولا يمكن اختصاره بالإعداد النصي لمقترح عرض؛ لأنه يبقى في حدود مخرجاته الكتابية الأدبية، ويكمن الاشتغال الدرماتورجي الفعلي في عملية انتاج العرض، لحظة تقديمه إلى الجمهور المستهدف، وهنا تكمن خصوصية ما نطرحه بشأن الممثل الدراماتورج، ضمن الرؤية الاخراجية للمخرج، لأن المفهوم الدراماتورجي ، مفهوم تحليلي بالمقام الاول، وهذا يشكل جوهر اشتغال الممثل على الشخصية بشكل خاص، وعلاقتها ضمن الدائرة العلائقية للشخصيات الأخرى. حيث إن الممثل يمتلك ذات العلاقة الترابطية بالمصطلح، كآلية اشتغالية على تحديد مسارات تحول الشخصية الدرامي وتطورها، واستخراج البنيات السطحية والعميقة داخل النص ،وتفكيك شبكة علاقات الشخصيات ، كونها شخصيات تشترك بالفعل الدرامي وتؤثر على وجوده ؛ بوصفه ممثلاً داخل العرض، و تحديد مستويات حضورها الآيديولوجي والسيسيولوجي ،وموقفها من مواقف الشخصية التي يمثلها، ، والحفر في لاوعي النص لاستنباط المهمل والمخفي ،حتى يستطيع إنتاج المعنى الدلالي لعلامات العرض. كون أن" المشهد ليس مجموعة من الصور، بل هو علاقة اجتماعية بين الأشخاص، تتم بوساطة الصور".. وأخيراً ؛ رسمت الدراماتورجيا الحديثة دوراً مهماً للممثل في صناعة العرض المسرحي، كونه عقلاً خلاقاً وشريكاً أصيلاً في صناعة العرض المسرحي .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top