مشاعر تطبيع ساخنة

آراء وأفكار 2020/09/12 06:25:25 م

مشاعر تطبيع ساخنة

 د. أثير ناظم الجاسور

ما زال الحديث مستمراً عن التطبيع والقضية التي لا تنتهي الحاصلة بين الإمارات العربية وإسرائيل البعض مستغرباً والأخر منفعلاً وبصوت عالٍ والبعض الآخر يستنكر والقسم الأكبر غير مهتم الخ ...

من كرنفالات الشجب والذهول والسخط على اعتباره عملاً غير أخلاقي بالوقت نفسه هناك كرنفالات أخرى من الترحيب والتطمين من أن هذه الخطوة ستليها خطوات سلام لا تعد ولا تحصى ، هذا الشعور ينتاب الجيل الذي تربى على الشعارات التي كانت تطالب بتحرير فلسطين من الكيان الغاصب ذلك الكيان التي عده الكثيرون ورماً سرطانياً في جسد الأمة العربية ومن الضروري استئصاله، ويستمر الحديث عن إسرائيل التي اغتصبت أرضاً عربية عنوة ومارست وما زالت تمارس إرهاباً لا مثيل له في القتل والتهجير والتجريف ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، والأكثر غرابة عند البعض أن دولاً خليجية ترحب وتهلهل لهذا التطبيع كالبحرين والإمارات لا بل تواقة لان تكون جزءاً من منظومة العلاقة التي تم بناؤها مع إسرائيل لكن السؤال المهم ما هو الغريب في هذا الأمر ، إذا ما استعرضنا مواقفهم من القضايا العربية برمتها؟، وراح البعض يتساءل هل من الممكن أن تضرب القضية المركزية عرض الحائط وتنتهي كل هذه الحروب والشعارات والتضحيات؟، واليوم راحت دول تهرول صوب إسرائيل لتطبيع العلاقات والعمل على رسم بدايات جديدة مع عدو الأمس؟، فعشرات السنين ونحن نطالب بفلسطين الحرة وتحريرها يوهمنا قادة العرب ومنظروها إنها باتت قاب قوسين تحت يافطة الكرامة المزعومة، وما هي إلا فترة أو مرحلة انتقال عالمية حتى نرى أننا لازلنا نعيش تحت ركام أنظمتنا العظيمة التي لم تجلب لنا سوى الخرب والدمار، نعم إنها سياسة التطبيع يا سادة أعلنتها الأنظمة العربية وبكل فخر وسيتم التطبيع سواء اعترضنا وحرقنا أنفسنا أم سكتنا خجلاً بالنهاية هو تطبيع رغماً عن أنف كل معترض.

حتى نكون أكثر واقعية لنستعرض مواقف الدول التي تركض مسرعة للتطبيع ومن ثم نعترض على سياساتها الحالية التي تتبعها ليس تجاه فلسطين فقط، طيلة السنوات الماضية والحالية قد لا أعرف من أين أبدأ بالتحديد لكثرة الخيبات أو قد نقول من كثرة التراكمات والأحمال التي على أكتافنا فاذا وجهنا سؤالاً لأي جيل من الأجيال السابقة والحالية ما هي مواقف الأنظمة الحالية والسابقة من القضايا المهمة والمحورية والحساسة فماذا سيكون الرد، فالجميع تدحرج مع السياسات التي اتبعتها الأنظمة العربية معظمها عبارة عن أحلام وخطب وسياسات تخدير ما زالت سارية المفعول، قد نحاول أن نبدأ من اليوم الأول لنكسة حزيران 1967 وحرارة الحرب والكذب الإعلامي الذي ظلّل العرب حتى استيقظوا صباحاً ليروا أراضيهم محتلة ونكسة لا زالوا يعيشوا تبعاتها، أم نبدأ منذ اليوم الذي ساعدت القيادات العربية العظيمة الإسرائيليين بالتنصت على اجتماعات القمم العربية وسماع كل ما يدور داخل قاعات الاجتماع، أم نبدأ من يوم اتفاقية كامب ديفيد والحرارة الثورية والتهديد والعزل والمشاعر الجياشة التي تعاملت من خلالها النخب العربية، أم من الحرب العراقية الإيرانية حتى أن العرب ( الأنظمة ) انقسمت على حالها بين مؤيد ومعارض ومخالف وحيادي دون اتخاذ أي موقف لوقف نزيف الدم لأسباب ذاتية ونفسية لإطالة أمد هذه الحرب، أم من غزو العراق للكويت وشق الصف العربي والاعتماد على الولايات المتحدة دون أن يكون للعرب موقفاً من الأزمة وحلول تجعل منهم أسياد أنفسهم وفيما بعد تجويع الشعب العراقي بحجة محاصرة نظامه السياسي، أم نبدأ من احتلال العراق وتدمير الدولة أيضاً بحجة إسقاط النظام دون أن يكون للعرب أي دور لا بل كانوا أكثر قسوة سواء بتمويل الاحتلال أو مباركته، وفيما بعد ممارساتهم التي لم تكن تقتصر على تصنيف المواطن العراقي في دينه وطائفته وعرقه لا بل من خلال تسهيل مرور المقاتلين في سبيل الخلاص، أو نبدأ من ليبيا وسوريا واليمن ولبنان والقتل والتشريد الحاصل فيها والدمار الذي لا يعلم نهايته إلا الله، أو نعود لعام 1948 من أين نبدأ لا ندري فأنظمة العرب لن تترك لنا نقطة بداية ولا نهاية كل خياراتها مفتوحة بسلبها وكوارثها.

قد يطول شرح المكارم التي أغدقتها أنظمتنا علينا لكن من الممكن أن نتساءل بعد هذه العقود من الصراع مَن تأمر على مَن ؟ هل إسرائيل تآمرت علينا أم نحن من جعلنا من أنفسنا لقمة سهلة؟، لا ننفي وجود مخططات وخرائط ترسم بين الحين والآخر أو مع كل مرحلة جديدة من تغيير هذا النظام سواء كان التغيير يخص القوى الفاعلة أو في تغير الأدوات المستخدمة أو الستراتيجيات التي تتبدل وفق تطور التفكير الستراتيجي لهذه الجهة أو تلك، التي بدورها تحاول تغيير المخططات شكلاً ومضموناً وفقاً لمصالحها القوية وأهدافها التي تبحث عنها، لكن بالنتيجة هي بحاجة لأدوات ومنفذين لهذه الستراتيجيات وهناك من يعللها على أنها إرادة الأقوياء التي لا بد من تحقيقها ووفق متطلبات المرحلة الدولية، بالتالي نصل إلى نتيجة أن الضعيف لا حول له ولا قوة سوى التنفيذ والسكوت، والقضايا الأساسية التي تحدث في العالم لا يتعدى هذا الضعيف إلا أن يكون أداة طيعة بيد القوي المُخطط أي أنه يقوم بدوره لا أكثر، بالتالي هذا حال الأنظمة العربية دون استثناء التنفيذ ولا شيء غير ذلك، وأن ما يحدث اليوم من تطبيع سواء كان بإرادة الأنظمة العربية وشعوبها أو غير ذلك ما هو إلا مرحلة جديدة لخارطة السياسة الدولية .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top