عبد الحليم الرهيمي
حرص المرجع الديني الكبير السيد علي السيستاني، على اختيار الوقت المناسب والكلمات المناسبة الدقيقة في بيانه الأخير الذي صدر عن مكتبه يوم 13 أيلول الجاري والذي اعقب استقباله المهم للسيدة جنيشتين بلاسخارات ممثلة الأمين العام للامم المتحدة الى العراق والتي حرصت هي ايضاً على القاء بيان باسمها بعد انتهاء زيارتها لسماحته وذلك في نهاية (الدربونه) التي توصل للمنزل المتواضع للسيد السيستاني في مدينة النجلف الاشرف، أكدت فيه ما تحدث به المرجع لها .
ورغم اهتمام الرأي العام وانتظار خطب يوم الجمعة لسماحته التي كان يتلوها معتمدوه بمدينة كربلاء والتي توقفت بعد انتشار جائحة كورونا، غير ان هذا البيان أنطوى على اهمية كبيرة بتوقيته ومضمونه، ما كانت تتضمنه الخطب والبيانات السابقة .
لقد تلقى الرأي العام، بنخبه وسياسييه هذا البيان وكما هو متوقع، بتعدد الآراء واختلافها في فهمه وتفسيره، وان اتفقت على اهميته ودلالاته. فأحزاب وكتل وتنظيمات الطبقة السياسية المتنفذة عبرت بلسان بعض قيادييها أو المتحدثين باسمها عن تأييدها (التام !) لهذا البيان وهي مواقف جاهزة في جيوبهم وتعرف المرجعية والرأي العام انها مواقف تتسم بالنفاق والرياء، عندما أضطرت للقول في عدد من خطب الجمعة (لقد بح صوتنا) دون ان يستمع أحد من هذه الطبقة السياسية لتوجيهاتنا وارشاداتنا (وأن المجرب لا يجرب)... وغير ذلك من المواقف الناقدة لهذه الطبقة. أما السياسيون والمفكرون والاعلاميون المستقلون فقد عبروا عن آرائهم واجتهاداتهم التي اتسم معظمها بالرصانة والموضوعية باعتبار هذا البيان الصادر عن مرجعية دينية تحظى بتقدير واحترام الرأي العام داخل العراق وخارجه، انه جاء فعلاً في الوقت المناسب وبلحظة تاريخية مهمة وحساسة من تاريخ العراق وشعبه وان مضمونه وكلماته اتسمت بالدقة والتشخيص الصائب للاوضاع وسبل معالجتها .
والى جانب هذين الرأيين، الرأي المنافق لمعظم تنظيمات الطبقة السياسية المتنفذة، والرأي العقلاني الموضوعي الناضج، كان هناك رأي ثالث لم ير في هذا البيان جديداً انما هو تكرار لمواقف لا تأخذ بها الطبقة السياسية كما عودتنا وبحاجة الى توضيح اكبر، بينما ذهب بعض الناشطين الذين يدعون تعبيرهم عن الحراك الشعبي بغطرسة مقيتة لا علاقة لها بمزاج ورؤية عموم المتظاهرين بالقول ان بيان المرجعية لم يأت بجديد وان ما قالته المرجعية سبقها المتظاهرون بقوله منذ تشرين الاول العام الماضي، في حين ذهب آخرون منهم الى القول ان الطبقة السياسية ورئيس الحكومة الجديد مصطفى الكاظمي هو من طينة عادل عبد المهدي رئيس الحكومة السابق المقال، وان حكومته لم تحقق شيئا طيلة الشهور الاربعة التي مضت على تشكيلها ..
والواقع، لقد غاب عن ادراك اصحاب هذا الرأي الذين يصفهم البعض بأنهم مصابون (بمرض الطفولة العدمي) وليس اليساري، الذي يمنعهم تماماً من رؤية الجديد في بيان مرجعية السيستاني والفرق بين الحكومة الجديدة وسابقتها، وفي الظروف العامة الاقتصادية والمالية والصحية والأمنية التي واجهتها وتواجهها حكومة الكاظمي التي انجزت حسب مراقبين محايدين - خطوات مهمة خلال الشهور الاربعة الماضية .
ان الجديد في بيان المرجعية الذي لا يريد البعض قراءته جيداً، بتجاوز التوصيف العام وعدم تسمية الامور بتسميتها كما كان يحصل في الخطب السابقة، فالبيان لم يقل باجراء انتخابات مبكرة بل وضع مواصفات لعدالتها ونزاهتها، وحين تحدث عن الفساد لم يكتف بالقول يجب محاربة الفساد بل طالب الحكومة بوضوح بمحاسبة الفاسدين وخاصة الكبار منهم دون خوف وتردد ممن يدعمهم ويقف وراءهم، وكذلك مطالبة البيان الصريحة ودون لبس للحكومة بالكشف عن قتلة المتظاهرين وعناصر قوى الامن واحالتهم للعدالة، هذا فضلاً عن الدعوة لتحقيق هيبة الدولة وسحب السلاح (غير المرخص) او السلاح المنفلت والسائب.. اخيراً، ورغم ان المرجع السيستاني وبيانه لا يحتاجان الى توكيد فقد حرصت بلاسخارت على تأكيد ذلك في لقائها الصحفي بعد انتهاء زيارتها للمرجع السيستاني. كما ان رئيس الحكومة الكاظمي قد اقدم على اتخاذ خطوات امنية وادارية مهمة وضد بعض الفاسدين في اعقاب ذلك البيان وكأنه كان ينتظر صدوره، ان لم يكن يعلم به، للركون اليه كقوة داعمة له اذا ما شرع بشن حرب واسعة وفعالة ضد حيتان وكبار الفاسدين وجمع السلاح المنفلت.. ذلك هو بعض الجديد في بيان المرجعية .
اترك تعليقك