د. علي مهدي
الهند
تشكلت المحكمة العليا في الهند بموجب الدستور الصادر سنة 1949 وهي أعلى مستوى قضائي ولها اختصاصات عديدة ومنها الرقابة الدستورية على القوانين والدور المطلق كمفسر للدستور.
حدد الدستور عدد اعضاء المحكمة بالنص الآتي: يتعين ان يتم انشاء المحكمة العليا في الهند، بحيث تتألف من رئيس وما لا يزيد عن سبعة قضاة اخرين، ما لم يصدر البرلمان قانونا ينص على عدد أكبر من ذلك (المادة 124)، أي ان العدد ثمانية قضاة فقط وأعطى صلاحية البرلمان بإصدار قانون بزيادة العدد. اما بخصوص تنظيم اختيار هؤلاء القضاة فقد كان النص الآتي: يتم تعيين كل قاض في المحكمة العليا من قبل رئيس الدولة بموجب مذكرة تعيين موقعة بيد الرئيس وممهورة بختمه، بعد التشاور مع قضاة المحكمة العليا والمحاكم العليا الاخرى في الولايات كما قد يراه الرئيس ضروريا لذلك الغرض، ويظل القاضي المعين في المنصب حتى بلوغه سن الخامسة والستين من عمره: شريطة أنه في حال تعيين قاض آخر غير رئيس المحكمة العليا فانه يتعين دونما استشارة رئيس المحكمة العليا.
إن سن التقاعد لقضاة المحكمة العليا هو الخامسة والستين سنة. وعند اي نقص في عدد أعضاء المحكمة بسبب بلوغ سن التقاعد، الاستقالة، الإقالة او الوفاة، على رئيس الدولة التشاور مع رئيس المحكمة العليا لاختيار قاضٍ بديل، وفي حالة شغور منصب رئيس المحكمة، فالتشاور يأخذ نطاقا أوسع حيث يشمل قضاة المحكمة العليا وكذلك قضاة المحاكم العليا في الولايات، مع العلم أنه توجد إحدى عشرة محكمة عليا في الهند.
وقد اشترط المشرع الدستوري لمن يترشح للمنصب من الفئات التالية:
1 - أن يكون قد عمل قاضيا في محكمة عليا لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
2 - أن يكون عمل محامي دفاع في محكمة عليا لمدة لا تقل عن عشر سنوات.
3 - أن يكون فقيها قانونيا متميزا.
وهذه الشروط تقريبا هي نفسها متوفرة في اعضاء المحكمة الاتحادية في الولايات المتحدة.
يتضح من النص الدستوري وجود تعاون بين السلطة التنفيذية بشخص رئيس الدولة والسلطة القضائية بشخص رئيس المحكمة العليا بتشكيلها، دون تدخل من قبل السلطة التشريعية، كما هو في الولايات المتحدة، وهذا يعكس تطورا في دور السلطة القضائية ممثلة برئيس وأعضاء المحكمة العليا وقضاة المحاكم العليا في الولايات باختيار اعلى هيئة قضائية في البلاد.
ومن ذلك يتضح أن تجربة الهند في طريقة تشكيل المحكمة العليا هي أكثر استجابة لمعايير استقلالية المحكمة عن ما هو موجود في الولايات المتحدة، وذلك لعدم تدخل السلطة التشريعية وبالتالي تحرر السلطة القضائية من تأثير الأحزاب السياسية بتشكيلها.
مصر:
لم تعرف مصر الرقابة على دستورية القوانين عند صياغة الدستور المصري لسنة 1923، وبقيت دون وجود اية هيئة قضائية تعنى بذلك حتى تشكيل مجلس الدولة سنة 1949 الذي اناط بنفسه دور الرقابة على دستورية القوانين دون وجود نص يبيح له ذلك. وقد تشكلت المحكمة العليا في مصر سنة 1969، وتم استبدالها بالمحكمة الدستورية العليا عند صدور دستور 1971 والتي صدر قانونها رقم 48 لسنة 1979 وهي معنية بالرقابة الدستورية على القوانين واللوائح الصادرة.
وعقب ثورة يناير 2011 التي أطاحت بدستور 1971 جاء دستور 2012 وقد تضمن مادتين بخصوص المحكمة الدستورية والتي جاءت مقتضبة ما عدا تقليص عدد اعضائها بعشرة فقط، للتخلص من غير المرغوب فيهم.
وإثر قيام ثورة حزيران 2013 وتغيير النظام القائم، صدر دستور 2014، وقد أعاد الاعتبار الى المحكمة الدستورية العليا بتخصيصه فصلا كاملا من خمسة مواد، وأهم ما في هذه المواد هو الاستقلالية الكاملة للمحكمة تجاه السلطتين التشريعية والتنفيذية، من ناحية التشكيل وانتخاب الرئيس ونوابه وأعضاء هيئة المفوضين عبر الجمعية العامة للمحكمة.
وقد اجريت تعديلات على الدستور المصري لسنة 2014 وقد اصاب قسم منها ما يخص طريقة تشكيل المحكمة واختيار الرئيس ونوابه وارتباط رئيس المحكمة بالهيئات القضائية.
تشكيل المحكمة الدستورية العليا.
تنص المادة (193) من الدستور المصري لسنة 2014 (تؤلف المحكمة من رئيس، وعدد كاف من نواب الرئيس)، ولقد بين قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر سنة 1979 كيفية تشكيلها، (تتكون المحكمة من رئيس وعدد كاف من الأعضاء وتصدر أحكامها وقراراتها من سبعة أعضاء، ويرأس جلساتها رئيسها أو أقدم أعضائها عند خلو منصب الرئيس أو غيابه أو وجود مانع لديه يقوم الأقدم من أعضائها بجميع اختصاصاتها) (المادة 3 ).
وقد اشترط القانون عمر عضو المحكمة ان لا يقل عن خمسة وأربعين سنة وان يكون من الفئات التالية:
1- أعضاء الهيئات القضائية الحاليين والسابقين ممن أمضوا في وظيفة مستشار أو ما يعادلها خمس سنوات متصلة على الأقل.
2- أساتذة القانون الحاليين والسابقين في الجامعات المصرية ممن امضوا في وظيفة أستاذ ثماني سنوات متصلة على الأقل.
3- المحامين الذين اشتغلوا أمام محكمة النقض والمحاكم الإدارية العليا عشر سنوات متصلة على الأقل. (المادة 4)
واشترط القانون أن يكون ثلثا عدد أعضاء المحكمة على الأقل من بين أعضاء الهيئات القضائية (المادة 5).
وقد حدد القانون السن التقاعدي لأعضاء المحكمة كسائر أعضاء محكمة النقض (وتسري الأحكام الخاصة بتقاعد مستشاري محكمة النقض على أعضاء المحكمة) (المادة 14).
بخصوص اختيار رئيس المحكمة ونوابه فقد نصت المادة (193) بعد التعديل الدستوري الذي أجري في سنة 2019 على الآتي: (ويختار رئيس الجمهورية رئيس المحكمة الدستورية من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة. ويعين رئيس الجمهورية نواب رئيس المحكمة من بين اثنين ترشح أحدهما الجمعية العامة للمحكمة ويرشح الآخر رئيس المحكمة. ويعين رئيس هيئة المفوضين وأعضاؤها بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح رئيس المحكمة وبعد أخذ رأى الجمعية العامة للمحكمة).
ومن هذا النص أصبح رئيس الجمهورية هو الذي يختار رئيس المحكمة وكذلك نواب الرئيس وإصدار القرار بالتعيين. اي ان للسلطة التنفيذية الدور الكبير في الاختيار، وهذا تراجع لاستقلالية المحكمة، بعد ان كانت الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا هي التي تختار رئيس المحكمة من بين أقدم ثلاثة نواب، وكما تختار نواب الرئيس وفق المادة (193) من الدستور قبل التعديل.
بالإضافة الى ذلك تم ضم رئيس المحكمة الدستورية العليا الى مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية، يرأسه رئيس الجمهورية، وعضوية رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورؤساء الجهات والهيئات القضائية، ورئيس محكمة استئناف القاهرة، والنائب العام. ويكون للمجلس أمين عام، يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية للمدة التى يحددها القانون وبالتناوب بين الجهات أعضاء المجلس. (المادة 185).
إن التجربة المصرية في تكوين المحكمة القضائية التي تعني بدستورية القوانين تتم من خلال التعاون بين السلطتين التنفيذية والسلطة القضائية وعدم وجود أي دور للسلطة التشريعية في ذلك، حيِث أن رئيس المحكمة الدستورية وجمعيتها العامة هي صاحبة الاختصاص في الترشيح وان للسلطة التنفيذية وتحديدا رئيس الجمهورية صاحب سلطة الاختيار وقرار التعيين.
الاستنتاج
ومن هذه التجارب المختلفة، يتضح وجود تعاون بين السلطات في الترشيح والموافقة لتشكيلة المحاكم الاتحادية، لكن النزوع العام هو منح السلطة القضائية المزيد من الصلاحيات في الترشيح لهذه الهيئات وهذا نتاج التقدم الحاصل على المستوى العالمي في تعزيز استقلالية القضاء والحد من تدخل السلطة التنفيذية والتي كان الدور الكبير في تشكيل هذه المحاكم مما وضع الكثير من علامات الشك والاستفهام لحيادية هذا المحاكم واستقلالها عن هيمنة السلطة التنفيذية.
وبالنسبة للنقاش الدائر حول تشكيل قوام المحكمة الاتحادية، فقد قطع العراق شوطا جيدا وفق المعايير الدولية عند إصداره للأمر 30 لسنة 2005، عندما منح مجلس القضاء الأعلى اختصاص ترشيح أعضاء المحكمة والموافقة تكون لرئيس الجمهورية (مجلس الرئاسة). وإن من مقتضيات العصر التقدم في مجال استقلالية السلطات القضائية وليس النكوص عنها، بحيث تُحصر إجراءات الترشيح للسلطة القضائية والموافقة لرئيس الدولة.
ولهذا من المناسب منح رئيس الجمهورية اختصاص تعيين قضاة المحكمة الاتحادية العليا بعد التشاور مع قضاة المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى والمجالس القضائية في الأقاليم.
اترك تعليقك