د. أثير ناظم الجاسور
قد يكون هذا السؤال ليس بجديد على اعتبار ان الحكومات التي توالت على العراق منذ اليوم الأول من تأسيس الدولة ولغاية اليوم والشارع الفكري والثقافي منقسم على شكل ومضمون إدارة الدولة ومحركاتها التي في الاغلب غير معلومة، ومع كبر حجم المشاكل التي مر بها العراق والاعتلالات التي سادت جسد الدولة بات هذا السؤال يتكرر بين الحين والأخر لا لعدم المعرفة التامة بمن يحرك الدمى لا بل التأكيد على ان هناك إشكالية تعاني منها الدولة والسبب من في السلطة،
بالتالي فان من يحكم الدولة ومن يتحكم بتفاصيلها سنجد ان كل جيل يفسر هذا اللغز وفق معتقده وتوجهه وتبنياته العقدية وهذا يرجع لاعتبارات المرحلة والمعطيات التي عاشها كل جيل من هذه الأجيال، فمنذ الاحتلال البريطاني لغاية الاحتلال الأمريكي والحكومات التي تعاقبت على حكم العراق متهمة بانها تتلقى الأوامر من خارج الحدود او انها نصبت من اجل مشروع كبير او انها تميل لهذا الجانب وفق الاعتقادات السياسية والاقتصادية التي تفرضها المرحلة الدولية آنذاك، مما يجعل من الدولة واسرارها ساحة مكشوفة لكل من يريد ان يتدخل وحتى الدول التي يقف في الصف الثاني من ذلك المشروع، في العادة تعمل الدول على صون اسرارها بمختلف الوسائل وتبحث عن الاف البدائل والخيارات من اجل ان يكون قرارها يصب في مصلحة الدولة ومواطني هذه الدولة، لأنها تعد اسرار الدولة مصدر أساسي لوجودها واستمرارها وعامل مساعد على قوتها في أكثر الأحيان.
فبين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة هنالك عمقان لم يشتت المواطن فقط بل حتى العمل السياسي في العراق دخل في فوضى جعلت منه سهل الانهيار، الأول العمق العربي والثاني العمق الإيراني وبين هذين العمقين باتت الدولة معرضة لمواجهة المشكلات المعقدة والمتشابكة التي بدورها اخلت العراق في سجالات داخلية اضعفت القرار وتحديات خارجية هددت الدولة برمتها، قد يكون التحكم او إدارة الدولة او التدخل في عملية صنع القرار هي أساس السؤال المطروح على اعتبار ان من في السلطة كان ولا يزال يرضخ للتدخلات سواء الدولية او الإقليمية، كل من ايران والعرب قد لعبوا دوراً كبيراً في السيطرة على مزاج السلطة وتوجهاتها من خلال الدعاية المؤثرة على هذه الجهة او تلك سواء من خلال الدعم المباشر او من خلال توجيه صانع القرار لخطر ما ينتظر الدولة وفق لايديولوجيا معينة او فكرة يراد منها ان تكون بوابة للدخول، طيلة فترة المد القومي العربي والعراق هو حائط الصد عن كل المخاطر التي كان العرب ولا زالوا يرونها مهددة لهم ولوجودهم، فالخطر القادم من الشرق يضاهي ذلك الخطر الغربي الذي يحاول بطريقة او بأخرى ان يخترق القيم العربية وينهي مشتركاتهم كما تراه الادبيات القومية، فما كان من العراق إلا ان يكون كبش فداء لحرب دامت ثمان سنوات كانت كفيلة ان تبين ان الزخم العربي لم يكن الا تصور واضح عن ان العراق القادر على ان يكون مشروع الدفاع عن الامة، وما هي الا سنة من الاسترخاء واخذ النفس من الحرب الطويلة حتى تبين ان الجسد العربي اوهن من بيت العنكبوت لا بل يعاني من امراض عدة لا يستطيع ان يداويه العرب، وعاش العراق بالرغم من الخطأ الجسيم الذي اقترفه نظامه السياسي سنوات من العذابات والحصار والابعاد والتهميش والاقصاء.
اما عراق ما بعد 2003 فأدوات التحكم بالقرار متعددة وهذا ما جعل من الخارطة السياسية مبهمة ملامحها غير واضحة على اعتبار ان جُل هذه الأدوات خارجية فأما تشير الأصابع للولايات المتحدة على اعتبارها الدولة المحتلة وهي من كانت السبب في تولي الأحزاب الحالية الحكم في العراق او تشير الأصابع إلى إيران التي أكملت المهمة بعملية التحكم والسيطرة من خلال الأحزاب الموالية لها او من خلال الفصائل المسلحة التي تدين بالولاء العقائدي والسياسي لها، بالتالي فأن النظام السياسي العراقي الحالي لا يختلف عن سابقه من حيث الميول والاتجاهات إلا بنسب مختلفة في التعاملات الخارجية، فالاول كان مبعد بسبب سياساته الغير منضبطة التي كانت تفتح أبواب الاحتلالات والتحكم والثاني بُني على أساس الضعف والتبعية التي أسهمت في انتاج فوضى سياسية واجتماعية جعلت منه منتج لعدم الاستقرار،وبين الهويات الفرعية والهوية الجامعة يبقى العراق اسير التطلعات الدولية والإقليمية التي تعمل في كل مرحلة على جعله هدف لمشروع كبير.
اترك تعليقك