نريد وطن  والمنطلقات الأولى لانتفاضة تشرين العراقية

نريد وطن والمنطلقات الأولى لانتفاضة تشرين العراقية

 ذي قار / حسين العامل

يعتبر شعار ( نريد وطن ) من أبرز وأول المطالب التي جسدتها تظاهرات انتفاضة تشرين في أهازيجها وهتافاتها ، وأصل شعار نريد وطن هو مطلب لمواطن بسيط عاطل عن العمل صرخ في أحد المقابلات التلفزيونية الميدانية (عمي كلشي ما نريد بس نريد وطن)

فأصبحت صرخته المدوية شعاراً مركزياً للتظاهرات التشرينية ، وذلك بعد أن عمدت أحزاب السلطة والأحزاب الإسلاموية والحركات الطائفية الى مسخ الروح الوطنية عبر شرعنة العمالة للأجنبي من خلال تقديس الانتماء والولاء الطائفي والمذهبي والانحياز التام لأجندات وإرادات الدول المجاورة والمحيط الإقليمي.

وقد تبنى المتظاهرون في المحافظات العراقية العشر المنتفضة ( بغداد ، البصرة ، ذي قار ، بابل ، النجف ، واسط ، الديوانية ، كربلاء ، ميسان ، المثنى ) ، شعار ( نريد وطن - نازل أخذ حقي ) واعتمدوه كـ (هاشتاك) مركزي ضمن حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تهدف الى تحشيد الجماهير وحثها على المشاركة في تظاهرات تشرين الأول 2019.

وقد أكد المتظاهرون إصرارهم على استعادة الوطن مهما غلت التضحيات ، فقدموا مئات الشهداء وآلاف الجرحى في مسيرتهم الاحتجاجية ، وللتعبير عن ذلك كتب أحد متظاهري انتفاضة تشرين لافتة رفعها في ميدان التظاهرات في ساحة الحبوبي بالناصرية: ( الوطن إذا ما نـكدر نسنده نطيح وياه )، وذلك للتعبير عن تمسكه بالدفاع عن الوطن والتضحية من أجله إن استدعت الضرورة الجود بالنفس والتضحية بأثمن ما يملك.

وجسد المتظاهرون مدى حاجتهم وحاجة كل العراقيين الى وطن معافى يرعى ويحتضن الجميع في جل هتافاتهم وأهازيجهم وكذلك شعاراتهم المكتوبة على اللافتات ، إذ ردّد المتظاهرون في المحافظات المنتفضة في الأيام الأولى من التظاهرات العديد من الهتافات التي تتغنى بالوطن من قبيل ( هايه شبابك يا وطن هايه ، ضحت إبدمها ورفعت الراية ) ، كما دأب المتظاهرون على ترديد هتاف( بالروح بالدم نفديك يا عراق ) في جميع تظاهراتهم . في حين هزج ثوار الناصرية ( بزنودج تعلك وطن ، وشبابـج صعاب عالمحن ناصريتي ) .

كما ردد المتظاهرون في ذي قار إهزوجة موجعة قالوا فيها ( ابن الناصرية الباكـه ملك الموت ، لا عنده وطن لا عنده تابوت ) ، وهم بهذا المقطع ينعون رفيقاً لهم استشهد خلال تظاهرات تشرين ، يؤكدون مدى تعلق شباب التظاهرات بالوطن ، وانحيازهم لقضاياه الوطنية ، والتضحية من أجلها ، رغم ما هم فيه من فقر وعوز وحرمان ، وكذلك رددوا ( شنهو ذنب الطالع وبيده العلم، ينذبح بسلاحكم وين الذمم، من صنم خلصنه رد مية صنم) .

فيما كتب أحد المتظاهرين عبارة ( إن أضفت الماء للتراب يصبح طيناً ، وإن أضفت له الدم يصبح وطناً ) على قطعة من الورق وعلقها على واجهة إحدى خيام الاعتصام ، وذلك للتعبير عن استعداده واستعداد رفاقه من المتظاهرين لتقديم كل ما تتطلبه مسيرتهم الثورية من تضحيات جسيمة لاستعادة الوطن من حالة الضياع التي هو فيها الآن.

· المنطلقات والدوافع

تقف وراء انطلاق انتفاضة تشرين جملة من العوامل أبرزها العامل الاقتصادي والفساد المالي والسياسي وتفشي البطالة وارتفاع معدلات الفقر والتسويف في الاستجابة لمطالب المتظاهرين طيلة السنوات والأشهر المنصرمة ، وكذلك تمادي الطبقة السياسية وإصرارها على تشريع قوانين تعزز امتيازاتها وامتيازات أتباعها ، كامتيازات ورواتب المحتجزين في معسكر رفحاء السعودية اذ خُصصت مليارات الدنانير الى الرفحاويين وأسرهم الذين يعيش جلهم حياة متنعمة خارج البلاد ، في الوقت الذي يعيش فيه الكثير من عراقيي الداخل تحت خط الفقر ولا تتوفر لهم حتى فرصة عمل.

وما زاد من تفاقم الأوضاع وتصاعد النقمة الجماهيرية على الطبقة السياسية هو انطلاق حملات هدم منازل الفقراء من المتجاوزين على أراضي الدولة من دون توفير البديل لهم كما أسهمت قرارات الحكومة بمعاقبة الفريق عبد الوهاب الساعدي ونقله من جهاز مكافحة الارهاب الى مديرية الأمرة في وزارة الدفاع من دون مراعاة تضحياته وتفانيه في محاربة الإرهاب وتحرير الأراضي والمدن العراقية التي احتلتها داعش، ما عدّه العراقيون عدم وفاء للمضحين لبلدهم ، كما أثّر قمع اعتصام ذوي الشهادات العليا والأكاديميين بالعاصمة بغداد في نفوس جميع العراقيين ، إذ أُهينت كفاءاتهم العلمية بكل قسوة حتى أن إحدى الاكاديميات تكشّف جسدها وبدت شبه عارية إثر رشقها مع بقية المتظاهرين بالماء الساخن.

وقد أثر ذلك وغيره من الأمور والأزمات على مجمل الأوضاع الاجتماعية وهو ما أدى الى تنامي النقمة الشعبية وتبلورها في حركة احتجاجية واسعة استثمرها المشاركون بالتظاهرات ، في رفع سقف مطالبهم من الدعوة الى إصلاح العملية السياسية الى المطالبة بالتغيير الشامل ، إذ رفع المشاركون في تظاهرات الأول من تشرين الأول 2019 ولأول مرة شعارات تطالب بصورة واسعة بإسقاط النظام وإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة وتعديل الدستور وحل البرلمان فضلاً عن المطالب الأخرى التي تدعو الى توفير الخدمات وفرص العمل ومحاسبة كبار الفاسدين.

وقد جسد المتظاهرون تلك المطالب بجملة من الهتافات والأهازيج من قبيل : (الشعب يريد إسقاط النظام) و ( هاي الحكومة الفاسدة ما نريدها ، والواحد وتسعين والله نعيدها ) و (هذه وعد هذه وعد ، الشعب ما يسكت بعد) و ( مو منه وبينه الما يطلع يتظاهر ) وغيرها من الشعارات والهتافات الأخرى.

فيما ردّد الطلبة المشاركون بتظاهرات الناصرية يوم الاثنين ( 28 تشرين الأول 2019 ) أهازيج وهتافات من بينها :

( يا عادل شيل ايدك هذه الشعب ما يريدك ) و ( يا ذيل إرحل هذه عراقي ) و ( الصوت صوتك يا وطن ما يعله صوت ) و ( احنا طلاب الثورة ، احزاب بره بره ) و ( هاي الثورة طلابية ، لا مندس ولا بعثية ) و ( ماكو وطن – ماكو دوام ) و (لا تطور لا بناء بس خيانة وعملاء (.

كما ردد المتظاهرون من الطلبة مع انطلاق انتفاضة تشرين في ساحة التحرير إهزوجة تفضح سلوك الطبقة السياسية في استغلال الدين واستخدامه كغطاء لنهب الفقراء وثروات الشعب تقول كلماتها:

لا تلبس ثوب الدين وتبوك الفقره

هذه الشعب فك العين واستنفذ صبره

هسه عرفنه الجذابين ، واللي يبوك باسم الدين

على الظالم دار المظلوم ، شيوكف الثوره

وكذلك رددوا (باسم الدين باكون الحرامية) .

فيما استعرض أحد الشعراء ما مرّ به العراق ما بعد عام 2003 من محن وويلات وبين في قصيدة نظمها بصيغة الردّات الحسينية الدور المخزي للطبقة السياسية الحاكمة في هذا المجال اذ قال :

حكومة كلها قذرة ، حرامي شنهي عذره

أول مصيبتنه انكسر ظهر الوطن بالمالكي

هو سبب كل الفتن فرهد الخزنة البرمكي

ألف وسبعمية بشر سلمهم الداعش مشي

تحكمونا صدك تالي ، تحكومنا يالملالي 

حكومة كلها قذرة ، حرامي شنهي عذره

ثاني جريمة بلا رحم العبادي حيدر من فرض

حكم التقشف عالشعب ، حرب وقهر ضيم ومرض

ما شفنه مسؤول الحمه ، ولا صاحب اعمامه اعترض

تحكمونا صدك تالي تحكمونا

حكومة كلها قذرة ، حرامي شنهي عذره

بعادل زوية كملت ، سبحتنه والباقي نعلس

سلمها لايران وكعد ، مبارك يوزع عدس

زبالة وبختهم بالشعب ، نايم ورجليه بالشمس

تحكمونا صدك تالي ، تحكمونا صدك تالي

وشهدت الأيام الأولى من التظاهرات مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوات الأمنية في جميع المحافظات العراقية العشرة المنتفضة ، إذ استخدمت القوات الأمنية وعناصر أخرى من الأشخاص الملثمين الذخيرة الحية والقناصات وقنابل الغاز المسيل للدموع فيما استخدم المتظاهرون الحجارة وقناني المياه الفارغة والمصاييد لكبح تمادي القوات الأمنية في استخدام العنف المفرط .

وقد كانت السيطرة على الميدان في اغلب الاحيان للمتظاهرين رغم الخسائر البشرية الكبيرة التي يمنون بها .

وقد لاحظت من خلال متابعتي الميدانية كصحفي وكمتظاهر مدى جرأة واندفاع شباب التظاهرات أثناء المواجهات فقد كانوا يندفعون كموجات بشرية نحو الهدف عند استشهاد أحد رفاقهم أو إصابته غير مبالين بزخات الرصاص ، وكأن المواجهات عندهم لعبة ( بوبجي ) الالكترونية وليست مواجهة حقيقية ثمنها دماءهم وأرواحهم، وقد كان البعض من المتظاهرين يستخدم بالفعل مصطلحات تلك اللعبة أثناء تحذير رفاقه من مخاطر محتملة بالقول ( إجاك الزون ) أي انتبه الخصم قادم. 

وقد أسفرت المواجهات في اليوم الأول من الانتفاضة عن استشهاد العشرات من المتظاهرين وإصابة المئات بجروح مختلفة فضلاً عن مئات المعتقلين ، في حين بلغ إجمالي ضحايا التظاهرات خلال عامها الأول 700 شهيد وأكثر من 25 ألف جريح وآلاف المعتقلين ومئات المختطفين والمغيبين .

وقد قوبل القمع الوحشي للتظاهرات بإدانة محلية ودولية واسعة، فيما حفّز ذلك قطاعات كبيرة من المجتمع على التعاطف مع المتظاهرين وتقديم الدعم الواسع لهم فيما بعد ، في حين فتحت الكثير من الدور أبوابها للمتظاهرين الذين كانوا يتعرضون الى الرمي بالرصاص الحي من قبل القوات الأمنية والمسلحين الملثمين والقناصين.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top