بغداد/ تميم الحسن
بعد عام من المطالبات والوعود وانتظار نتائج التحقيقات، يكتشف العراقيون ان ملف قتلة المتظاهرين "بدون اسماء"! بحسب قول القضاء.
وكان وزير الدفاع السابق نجاح الشمري، قد قال في تموز الماضي إن "ملف قتل المتظاهرين تمت إحالته إلى القضاء". ووفق ذلك فان نحو 700 متظاهر واكثر من 20 الف آخر مصابين، وعشرات المفقودين في احتجاجات تشرين، تم الاعتداء عليهم وقتلهم من قبل "اشباح"، بحسب وصف ناشطين.
يحمل ناشطون ونواب، الحكومة السابقة والقضاء على حد سواء، اخفاء اسماء المسؤولين عن ضحايا تشرين، لاسباب تتعلق بضغوطات سياسية ودولية. وكانت (المدى) قد كشفت في وقت سابق، مغادرة نحو 60 ناشطا في الجنوب مدنهم الى السليمانية خوفا من التصفيات.
اما بقية الناشطين، الذين قرروا البقاء، حصلوا على مسدسات (هدية) من جهة حكومية رفيعة للحماية الشخصية.
يأتي ذلك في وقت وصل فيه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الى الناصرية -لاول مرة بعد الاحتجاجات وعقد اجتماع لحكومته في المدنية.
وكانت الناصرية قد شهدت واحدة من المجازر التي ذهب ضحيتها اكثر من 200 بين قتيل وجريح اثناء التظاهرات، واتهم فيها الفريق جميل الشمري، الذي مازال مصيره مجهولا.
وفي نهاية تموز الماضي، تعهد رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، بفتح تحقيق شامل للكشف عن جميع المتورطين في قتل المتظاهرين.
تصريح الكاظمي جاء في أعقاب إعلان وزير الداخلية، عثمان الغانمي اعتقال منتسبين لقوات الأمن وجهت إليهم تهمة إطلاق النار على مواطنين شاركوا في مظاهرات ساحة التحرير في تموز.
ووصل عدد لجان التحقيق بقتلة المتظاهرين، الى 11 لجنة منذ انطلاق الاحتجاجات في تشرين الاول 2019، فيما لم تصدر أي منهن نتائج دقيقة.
نتائج متوقعة
ويعلق علي سعيد، وهو اسم مستعار لاحد النشاطين في احتجاجات تشرين في بغداد على تلك اللجان، قائلا :"كنا نتوقع ان يتم تسويف امر تحديد القتلة. هناك فصائل مسلحة واحزاب تغطي على عناصرها المتهمين بتلك الجرائم".
منذ الايام الاولى لانطلاق التظاهرات قبل عام، كشف ناشطون لـ(المدى) حينها، وجود مسلحين يرتدون ازياء مختلطة بين العسكري والمدني يقومون برمي الرصاص الحي على المحتجين.
وكشفت عشرات الصور والفيديوهات التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في ذروة الاحتجاجات، عن مسلحين ملثمين بملابس نصف عسكرية، وهم يطلقون النار على المتظاهرين.
في الشهر الماضي، يؤكد الناشط سعيد، انه "التقى ومجموعة من رفاقه الفاعلين بالاحتجاجات مع مسؤولين رفيعين في مجلس القضاء الاعلى"، على خلفية متابعة قضية اعتقال ومحاكمة المسؤولين عن قتلة المحتجين.
يضيف سعيد: "اللقاء كان متشنجا للغاية، وتركنا المسؤولين ونحن غير راضين، لاننا اكتشفنا بانهم يماطلون في ملاحقة قتلة المتظاهرين".
الناشط يؤكد ان "مجلس القضاء كان قد رمى المسؤولية في ملعب الحكومة، واعتذر بانه لا يستطع ان يحاكم احدا، لان الجهات التنفيذية لا تعتقل المنفذين".
بيان مثير للجدل
وقال مجلس القضاء في بيان، إنه "تسلم ملف قتل وخطف المتظاهرين بلا متهمين"، وذلك ردا على تصريحات وزير الدفاع السابق، وأحد أبرز المسؤولين الذين شملهم التحقيق في قضية قتل وإصابة آلاف المتظاهرين.
ووصف مجلس القضاء تصريحات وزير الدفاع السابق نجاح الشمري، بـ"الشائعات"، وقال إنها "غير صحيحة"، مبينا أن الملف الذي تسلمه المجلس من الحكومة السابقة هو "ملف تحقيق إداري ليس فيه متهمون محددون، كما ورد في تصريح الشمري"، مبينا أن "الملف لم يتضمن تقصير أية جهة سواء كانت مؤسساتية أو شخصية".
وأعلنت السلطة القضائية الشهر الماضي، استدعاء وزيري الدفاع والداخلية السابقين في حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، في قضايا تتعلق بعمليات قتل طالت محتجين، فيما ذكرت أن اجتماعا جرى مع مسؤولين أمنيين بارزين لمتابعة هذه القضايا. وأصدرت الهيئات التحقيقية مذكرات قبض بحق عدد من منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، إلا أنها كانت تحتاج إلى موافقة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ووزير الداخلية عثمان الغانمي، بحسب رئيس مجلس القضاء الأعلى.
وقال وزير الدفاع نجاح الشمري، في تصريحات لمحطة تلفزيونية عراقية، إن الملف "يضم أسماء جميع المتهمين"، مضيفا أن "أول من أطلق النار على المتظاهرين في الأول من تشرين الأول، هم عناصر في الجيش العراقي، لكن في اليوم الثاني أطلقت النار من طرف ثالث نحو المتظاهرين والجيش".
وبيّن الشمري، أن "رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي شكل اللجنة التحقيقية لمعرفة قتلة المتظاهرين وطلب تحقيقا عادلا وشفافا، وتم إكمال الملف وإدراج أسماء المتهمين حيث اطلع عليها عبد المهدي، وتمت إحالته إلى القضاء، كما تم اتخاذ عدد من الإجراءات بحق ضباط".
وكشف الشمري عن خطة لإجراء "إنزال جوي" على بناية "المطعم التركي" التي كان المتظاهرون يتحصنون فيها، مؤكدا أن أحد الضباط الكبار حاول تمرير تلك الخطة لكنها ألغيت بعد أن بين الشمري "مخاطرها".
وقال الشمري في اللقاء إن "الضابط أعطى أمرا بالإنزال" لكن الشمري تمكن من إلغائه، مضيفا أن "عادل عبد المهدي لم يحاسب الضابط الذي كان يجب أن يجرد من رتبته العسكرية ويحال للقضاء". كما اضاف الشمري في اللقاء أن "عادل عبد المهدي فعل ما بوسعه".
واستقال رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي نهاية العام الماضي تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية، ليتم اختيار مصطفى لكاظمي خلفا له في ايار الماضي.
مسؤولية مشتركة
الى ذلك يقول النائب السابق والمهتم بحركة الاحتجاجات جوزيف صليوه، ان "الطرفين؛ مجلس القضاء، والحكومة السابقة، متورطين في اخفاء اسماء المتهمين وعدم الجدية في محاسبتهم".
وفي اواخر تشرين الاول 2019، كان رئيس اللجنة الوزارية العليا للتحقيق في أحداث التظاهرات في العراق نوري الدليمي وزير التخطيط السابق، كشف عن تسليم الملف الكامل لنتائج التحقيقات الخاصة بالأحداث التي رافقت الاحتجاجات إلى مجلس القضاء الأعلى. وتضمن الملف، بحسب الدليمي، جميع الوثائق والتسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو وشهادات الشهود، وكل ما جمعته اللجان الفرعية للمحافظات من حقائق بشأن أحداث تلك التظاهرات، والتي تسببت بسقوط قتلى وجرحى، وتخريب وحرق لمبان حكومية ومقار أحزاب وممتلكات عامة وخاصة، واعتداءات على عدد من القنوات الفضائية في بغداد.
بالمقابل قال رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، في بيان حينها، انه "اجتمع بالقضاة أعضاء الهيئة القضائية المكلفة بالتحقيق في الحوادث التي رافقت التظاهرات بعد استلام نتائج التحقيق التي أجرتها اللجنة العليا"، فيما لم يذكر حينها ان الملف لم يكن فيه اسماء!
وأصدر المجلس أمرا قبل ذلك الحدث باسبوع، بتشكيل هيئات قضائية في المحافظات التي حصلت فيها أحداث رافقت التظاهرات، على أن تتكون كل هيئة من ثلاثة قضاة وعضو ادعاء عام.
السياسة لاعب رئيس
ويضيف صليوة ان "القضاء مسيس وحكومة عبد المهدي كانت تعمل باجندات غير وطنية وغير عراقية، وهي تتحمل المسؤولية الاكبر في عدم محاسبة قتلة المتظاهرين".
وفي 22 تشرين الاول 2019، كانت لجنة شكلها عبد المهدي بطلب من مرجعية النجف، قد ادانت نحو 50 عسكريا ومسؤولا على خلفية قتل "141 مدنيا" في الاحتجاجات، بحسب الحكومة السابقة.
واظهرت اللجنة حينها أسماء عدد من القادة بشكل صريح في التحقيق، واوضحت مناصبهم وتهمهم واماكن عملهم، لكنها لم تذكر أسماء أي من القناصة الذين ظهروا في فيديوهات وقتذاك، كما نفى التقرير صدور اوامر من الحكومة باطلاق النار على المحتجين.
ويعتبر النائب السابق ان اسباب التستر على القتلة وراءها "ولاءات لاجندات طائفية ولدول اخرى"، متهما "ايران واذرعها بالعراق في تلك الجرائم".
واضاف صليوه: "الجماعات السياسية التي تتحول في الليل الى مسلحة هي من قتلت المتظاهرين، بدعم من ايران"، مشيرا الى ان "الكاظمي لديه رغبة بتحديد هذه الجهات، لكنه هناك ارتدادات خطيرة سوف تحدث امام هذا الاجراء".
واشار النائب السابق، الى عملية السيطرة ومحاسبة قتلة المحتجين "لن تكون سهلة وستأخذ وقتا طويلًا".
اترك تعليقك