التابوهات وغياب أدب المذكرات والسيرمن أدبياتنا

التابوهات وغياب أدب المذكرات والسيرمن أدبياتنا

ناجح المعموري

أعتقد بأن لحظة التنوير الأولى التي ابتدعها رفاعة الطهطاوي هي التاريخ الذي فتح نافذة على المغايرة وتكريس الاختلاف عبر التعرّف على العلاقات التي أنتجتها الحداثة.

ولحظة رفاعة فارقة صاغت قبولاً بالآخر وأنشأت آفاق الحوار معه.هذا الفاعل اقترح نمطاً من العلاقة بين المجتمع /المثقف/ السلطة.

وما يهمنا مجال السلطة واهتمام الفلسفة المعاصرة بمكوناتها ابتداء بغرامشي/فوكو/ادوارد سعيد.وحضور السلطة بوصفها ثقافة صيانية للأعراف الحاضرة والسائدة ،ودائماً ما تكون هذه من التابوهات أو المحرمات مثل الجنس والسياسة والمقدس .ولحظة التنوير خدشت المقدس وتمظهر هذا الخدش بتجربة طه حسين والشعر الجاهلي ،وعلي عبد الرازق والإسلام وأصول الفكر ،واستمرتأثير الحداثة قوياً وتمثل بالمجال السياسي والجدل الثقافي الذي عرفته البلدان العربية.واختصارا للسلطة باعتبارها ثقافة حددت الفضاء المحرم وأعني به المقدس المصان والذي لايجوز خدشه،حتى وأن كانت نصوصه متآكلة أو مدفونة ،وحماية المقدس أحدى الوسائل التي تلوح بها السلطة وتعزز ثقافتها الصيانية بقوانين جديدة ومبتكرة ،تكرس المحرمات وهي – السلطة –وحدها تلوح ضد حركات التنويرلأنها ذات وظيفة إصلاحية أو تدميرية حسب مقولة ماركس.

والتراكم الثقافي وتتالي التعاطي معها باستمرار يحولها الى قوة مادية لها إمكانات التغيير.واستحضار الماضي بتجاربه يوضح لنا العلاقة مع السلطة والمؤسسة الدينية الملوحة بعصا المقدس وتبدّى هذا -على سبيل المثال – بالعلاقة مع نجيب محفوظ والدور الذي قاده المقدس عبر جماعات القتلة ،وأيضاً ملاحظات القوة والرسمية وخطاب التابو مع الروائي حيدر حيدر ،وبرز مثل هذا السياق بوقت مبكر في العراق مع الشاعر حسين مردان وديوانه قصائد عارية.

عندما تصمت أصوات المحرم المتنوعة لايفارقه الدور التجريمي والأتهامي ،لأنه يبقى موجوداً بالمكان والزمان ويستوطن ذاكرة المبدع .وملاحظتي حول المثقف الذي تنتجه وتشكله الجماعات والذي ينفرد بملاحقة السلطة التي أعني بها المؤسسات الرسمية وأيضاً –المعرفة التي تصعد قوية بقدرة المثقف الممارس لها،وكلما ازدادت السلطة جبروتاً ،تميز دور المثقف العضوي المنتمي لجماعته والمعبر عن احلامها .وأنا أعتقد بأن بالنعرفة كقوة اجتماعية ذات سيرورة يفعلها المثقف على الرغم من اشتداد هيمنة التابوهات الضاغطة على فضاء المبدع المألوف/ التداولي عبر اليومي ومثلما قال فوكو :السلطة والمعرفة تستلزمان مباشرة بعضها بعضا وانه لاتوجد علاقة سلطوية دون تكوين متلازم لحقل معرفي ،ولاتوجد معرفة لاتستلزم ولا تكون في الوقت نفسه علاقات سلطوية. وبحسب فوكو أيضاً فليس نشاط فاعل المعرفة هو الذي ينتج معرفة،معيقة مقيدة أو للسلطة ،بل السلطة /المعرفة والسياقات والصراعات التي تفترضها والتي تتكون هي منها،هي التي تحدد أشكال المعرفة وميادينها الممكنة/نقلاً عن سعد محمد رحيم أنطقة المحرم/وللمثقف العضوي –حسب مفهوم غرامشي-ودوره البارز /الفاعل والمعني بصوت واضح وصريح اختلافه مع السلطة والمقدس ،لأثبات الماضي وتمركزه انحدار خطير بالمجتمعات وثباتها حول ما هو نمطي وتقليدي ،والأدوار التي نهض بها المثقف الذي قاد فعلاً ثقافياً تجاوباً مع الحداثة والعلمانية التي وفدت مع رفاعة اتسعت مساحتها لكنها بالمقابل ضيّعت المجال الحيوي /الحرية الفردية والجمعية وغابت الكشوف السردية /المذكرات /السير الذاتية حتى كادت تختفي ،لأنها الطاقة الجبارة الطاردة للمقدس المهيمن بأكاذيبه .ولا بد من انتباه السارد لهذا المجال الفني الجوهري،لأنه قادر على مواجهة السلطة ومروياتها وملاحقتها.وللسرد الكاشف عن تفاصيل الحياة اليومية –بما فيها علاقته المتصادمة مع السلطة وثقافة المقدس –تأثيرات كبرى على الأفراد والجماعات خصوصاً النماذج الأدبية البارزة والتي تتمتع بحضور واسع وعميق ،وأجد من الضروري التذكير بهزال اللاهوت وثقافة الكهنوت التي أرعبها مارسيل خليفة وهو يغني قصيدة محمود درويش عن يوسف،السؤال فيه طاقة تتسع، وتنفتح لأنه مقترن بالسرد/الحكي والحياة العامة للناس هي مرويات/الذاكرة.والمذكرات الشخصية تتحول بالتدريج الى جزء حي من الأرشيف الأجتماعي والوطني،ويمثل هذا بعداً ذاتياً ومكوناً للهوية الذاتية والكائن بالضرورة يشكل ذاتاً والسير والمذكرات مرآة عاكسة عن جدل اجتما - سياسي من الخريف العربي ازداد تخلفاً وضغط على توسيع منافذ المضادات/ الكراهيات ومطاردة المغاير وتدميره وأعتقد بأن الأصولية الأسلامية كرست مهيمنات السلطة ،مع ذلك خضعت العلاقات المتبادلة بين الجماعات المضادة الى تمظهرات عالية التجوهر وقادت انتفاضات جبارة،هذه المرويات تحتاج أرشفة من خلال المذكرات وسرديات معبرة عن الذات الفردية أو الجماعية.وعلينا أن ننتبه الى أهمية هذا النمط السيري –المذكرات- المرويات-والذي سيلعب دوراً كاشفاً عن حضور مركزي ،يوفر للهوية طاقة تمنح حيوية للجسد المقاوم للسلطة،

المرويات عناصر فاعلة وأنا اعتقد بأن ما حصل في السنوات الأخيرة في مصر /الجزائر/السودان/تونس/العراق/ إيران/لبنان،هي خزانات كبرى لذاكرات تغذي بعضها البعض وتمنحها صلاحية الحداثة ،وتضع العنف السائد مكشوفاً وواضحاً من أجل التحرك للأمام.

المذكرات سرديات عن التاريخ وذاكرة الماضي الذي امتدّ حاضراً ومكوناً جوهرياً في الهوية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top