النحات العراقي أحمد البحراني في معرض (مخدة).. القدرة على أنْسَنَة كل شيء

النحات العراقي أحمد البحراني في معرض (مخدة).. القدرة على أنْسَنَة كل شيء

خالد خضير الصالحي

أقام النحات أحمد البحراني، معرض (مخدة) في قاعة (al markhiya gallery) عام 2002، والبحراني تولد 1965،

درس الفن في بغداد، ويقيم ويعمل في قطر متفرغاً للعمل الفني، وأقام العديد من المعارض، والمشاريع الفنية في عدد من عواصم العالم، كما أقام 14 معرضاً شخصياً في العديد من عواصم العالم، وله عده نصب في عدد من المدن..

يمكن القول إن أهم التوصيفات التي بقيت عالقة في ذهني عن تجارب النحات أحمد البحراني إنه مازال محافظاً على جوهر تجربته ونسقه الفكري والأسلوبي لتجاربه السابقة، فمازال نحاتاً متحرراً من كل ما قد يثقل كاهله، ويشكل سطوة وقيوداً، سواء من القيم التراثية التي يصل الأمر ببعضهم الى تقديسها، فتشد تجارب النحت العراقي المعاصر إليها، أو الى ماضيها مهما كان، فلم يعد مأخوذاً بسحر ما كرس له النحت العراقي نفسه، وهو دعاوى الروح المحلية، ولا حتى موضوع الجسد الإنساني، فلم يعد البحراني يؤمن أن عليه أن يترسم خطى النحاتين العراقيين المحدثين (وأهمهم مثلا إسماعيل فتاح الترك) بإنتاج المزيد مما وصفه الآثاري اندريه بارو، بأنه جيش من (الدمى) التي تحدق في ظلام العالم المجهول الذي تواجهه في حياتها اليومية.. فلم يعد (التراث) محركاً فكرياً لتجربة النحات احمد البحراني، ولم يعد ذلك التراث شرطاً قبلياً لتحقق صفة النحت عنده. 

إن ما قدمه في معارضه السابقة، وعلى وجه الخصوص معرضه (ماذا لو؟) ومعرضه الحالي (مخدة)، ليس في حقيقته إلا بحثاً في المادة المهملة التي لا يكترث الى (جماليتها) أحد، وهي اختيار يشكل تخليق مناسبة لطرح موقف فكري تجاه العالم، والأهم من ذلك، إنها تعد مما أدار له النحت العراقي ظهره سابقاً، وطوال تاريخه الممتد سحيقاً في التاريخ؛ فالتقط البحراني تلك اللقى، وحقق بها درجة من الانزياح تماماً كما كان هنري مور يجري تجاربه على حصى السواحل لتتحول الى موضوعات تصلح للنحت، فتحولت تلك الحصوات الساحلية عند هنري مور الى شخوص احتلت الساحات والحدائق العامة، وهذا الأمر يعد واحدة من أهم مزايا النحات البحراني، رغم انه لا يطمس طبيعة موضوعه، إنما يبدل مادته لتكون صالحة للنحت، ويدخله في علاقات سردية و(تشاكلــصورية)، مما يعني جرأته الكبيرة في تكريس اليومي موضوعا مقترحا للنحت العراقي.

يهدف توجُّهُ النحات أحمد البحراني الى اليومي، والغرائبي، الى إعطاء مسحة من الغرائبية بالإنجاز، أو بالتقنية، أو بالتكوين، وربما بتحقيق درجة من السريالية في التكوين، لتأهيل تلك الملتقطات الغرائبية، و(المبتذلة) لتكون موضوعاً صالحاً للنحت، وكافياً للتخلي عن (هيبة) الموضوعات الكلاسيكية، فبعد اتخاذه أشد الموضوعات غرائبية عن النحت: كارتون البيض، كف الملاكمة، بالون الاطفال، يطقٌ او يطغٌ (فراش بسيط مرزوم بحبل)، والحمار الذي أعاد نحته مراراً في موضوعات وأوضاع شتى، فإذا به يتجه الآن الى تكريس معرض كامل يتخذ موضوعاً، أو عنصراً مادياً أشد غرائبية هو الـ(مخدة) موضوعاً وحيداً لمعرض كامل.

إن الانزياحات السردية التي يخضع لها أحمد البحراني مخداته تماثل التجارب السريرية التي يجريها العلماء في مختبراتهم، وهم يتخذون الفئران حقلاً لتجاربهم السريرية، حينما يخضعونهم لشتى أنواع التأثيرات المختبرية لمعرفة ردود أفعالها تجاه المواد المستخدمة، فنجد المخدة تخضع عند أحمد البحراني الى شتى التجاريب المختبرية، فهي تكون تارة ساحة حرب، أو كياناً، دولة يحاول الاخرون تقسيمها وتفتيتها، أو دريئة، أو ربما هدفاً يتلقى ضربات فأس قاتل، أو عشاً آمناً لعصفورين يغازل أحدهما الآخر، أو ساحة حرب تشتبك عليها الدبابات، أو مختلف الاحتمالات التي قد لا تخطر في بال أحد!. 

لقد كانت تجربة البحراني، في المعارض السابقة، وفي هذا المعرض، مكرسة لجهده في التعبير عن قضية رفض الحرب والموت وصناعة القتل من خلال الفن والإبداع دون تفريط بفنية وشيئية النحت، فقد عاش النحات في تماس مباشر مع سلسلة لم تنته الى الآن من الحروب والويلات، فجاء معرضه الأخير امتداداً لهذه التجربة المهمة في التصدى للحرب، فقد أكد مرة: "أدعو المبدعين الحقيقيين إلى القيام بواجبهم تجاه قضية الحرب ورفضها، دون أن ينسوا الجانب الإبداعي، وتلك رسالتنا ضد الخراب، ولكن برؤية فنية وجمالية موجودة داخلنا".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top