كيف أثرت جائحة كورونا على العولمة

آراء وأفكار 2020/11/08 07:10:25 م

كيف أثرت جائحة كورونا على العولمة

 ترجمة أحمد الزبيدي

تشير الكثير من الدلائل الى أن نظام العولمة بمعناه التقليدي شهد تباطؤاً ملفتاً في العقدين الماضيين. حتى قبل أن توجه له جائحة كورونا ضربة قاتلة في هذا العام ، فقد ظلت التجارة العالمية راكدة لمدة عقد من السنوات. وفي العام الماضي ، انخفضت مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار الثلثين مقارنة بذروته في عام 2007.

وتباطأت عولمة الشركات ذات الماركات التجارية الشهيرة ،و التي بدت ذات يوم عملية لا يمكن إيقافها. فمنذ سبعينيات القرن الماضي إلى أوائل القرن الحادي والعشرين ، ارتفع عدد البلدان التي يمكنك فيها العثور على أحد فروع سلسلة مطاعم ماكدونالدز ، من دولتين فقط إلى أكثر من 100. ولكن لم يرحب أي بلد جديد بالشركة منذ أكثر من أربع سنوات.. وقد فشلت عمليات التوسيع الكبيرة للعلامات التجارية الأخرى. في كانون الثاني ، بدأت شركة وول مارت الأميركية ، وهي شركة تجزئة أميركية ، في تسريح موظفيها في الهند وتصفية أعمالها هناك.

ومع ذلك ، تسارع في السنوات الأخيرة نوع مختلف من العولمة. فقد استحوذت التصاميم الجديدة الجميلة لعديد من السلع والخدمات على العالم ، ولم تنتشر عبر العلامات التجارية أو الاستثمار الأجنبي المباشر ، ولكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. حتى مع تباطؤ التجارة الرسمية ، فإن عولمة الأذواق أصبحت متفشية. ربما لم تصل شركة المقاهي الأميركية (ستاربكس) إلى أجزاء كبيرة من العالم ، ولكن هناك عدداً قليلاً جدًا من المدن الكبيرة في العالم الآن لا يستطيع الزائر فيها طلب فنجان من القهوة في نفس أجواء تلك المقاهي. فكابول عاصمة افغانستان مثلاً لا تستطيع أن تتفاخر بوجود مطاعم ماكدونالدز فيها، ولكن يمكنك الحصول على برغر جيد وبطاطا مقلية في مطعم برغر هاوس ، و أن تجد فرعاً له خارج سان فرانسيسكو هو أمر يثير الغرابة.

لم يُدرج "مؤشر هيبستر" العالمي الذي تشرف عليه شركة النقل الدولية "موف هب" ، في شباط الماضي ،مدينة كابول ضمن أكثر 446 مدينة تنتشر فيها المقاهي التي تقدم القهوة الايطالية بالحليب اللاتيه في العالم. صنفت الشركة المدن حسب عدد المقاهي ومحلات التسجيلات وصالونات الوشم والمطاعم التي تقدم الأكلات النباتية والمحلات العتيقة. في أعلى القائمة كانت هناك مواقع يمكن التنبؤ بها مثل مدينة برايتون في إنجلترا ومدينة بورتلاند في ولاية أوريغون على الساحل الغربي لأميركا

تعد صالونات الحلاقة المعروفة باسم هيربورت الأشهر في العالم ،و يمكن أن تجدها في أي مكان في العالم.يوجد أحدها في مدينة كابول . يرى الزائر على الباب شعار المحل وهو عبارة عن رسم لقرصان وهو يعتمر قبعة التريكورن المشهورة ، والى جانبه مقص حلاقة على شكل عظمتين متقاطعتين. فيما تغطي جدرانه صور عملاقة لعدد من الهيبسترز وهم أشخاص يستمتعون بالملابس والموسيقى والأنشطة التي تعتبر خارج النزعة الاجتماعية السائدة. وهم موشومون وملتحون. يقوم اثنان من الحلاقين بتشذيب لحى العملاء الذين يرتدون الجينز. يشرح المالك أحمد ضياء البالغ من العمر 31 عاماً والذي أسس المكان عام 2018 ، الشعار الذي صممه بنفسه.قائلاً: "كنت من محبي سلسلة افلام" قراصنة الكاريبي " ومن هنا جاءت فكرة العظمتين المتقاطعتين. 

ما يجعل وجود صالون الحلاقة هذا ملفتاً للنظر هو موقعه: في كابول ، عاصمة أفغانستان المحاصرة. واللحى ليست غريبة على هذه المدينة . فقبل عقدين من الزمان ، كان اطلاقها ممارسة إلزامية ، و تم فرضها بالقوة من قبل حركة طالبان. ولكن في الماضي ، لم تكن مصحوبة بالوشم أو لبس الأقراط.

ومع ذلك ، فان محل هيربورت هذا يعد اليوم واحداً من العديد من محلات الحلاقة التي تم افتتاحها في كابول. ومن يتجول في حي شهر ناو ، الواقع في وسط المدينة ، سيعثر على ستة محلات مشابهة، بأسماء مثل "نيويورك باربر" أو "ويست ستايل باربر". يقدم البعض وشوماً أيضاً. يقول ضياء: "لقد تغير السوق تماماً" ، ويضيف وهو يقوم بقص شعر أحد الزبائن وتشذيب شواربه بعناية. "الشباب في الوقت الحاضر مهتمون جداً بالقصات الجديدة للشعر." إنهم يحصلون على أفكارهم من مواقع الانستغرام والبنتريست ، ويدفعون عن طيب خاطر 200 أفغاني (2.6 دولار) مقابل الحلاقة. وحين سألته ماذا عن وشم الجلد؟ أجاب قائلاً: "إنه محرم في ديننا ، لكن الشباب لا يبالون".

في مقهى ليون في غرب كابول ، يحتسي القهوة شباب يرتدون ملابس من آخر صيحات الموضة تحت لوحات لفنانين محليين. يقول كريم كريمي ، وهو طالب حقوق يبلغ من العمر 22 عاماً ، والذي يجلب معه الكمبيوتر المحمول الخاص به إلى المقهى لانهاء بعض الأعمال فيه: "أحياناً تحتاج إلى استراحة من ثقافتك". "إنه لمن دواعي سروري أن تجد ذلك في بلدك". حتى غوما ، وهي مدينة تقع في شرقي الكونغو الذي يمزقه الصراع ، تفتخر بوجود فرع لمطعم لوبيتيه شاليه الشهير والذي يقدم أطباق حبوب الكينوا الغنية بالبروتين بالإضافة إلى مشروب القهوة الشهير " لاتيه ماكياتو ". لكن في بانغي ، عاصمة جمهورية إفريقيا الوسطى ، وهو المكان الذي مزقته الحرب مثل شرق الكونغو ، لا يزال مقهى لاغراند الذي يتميز بمبناه القرميدي المكشوف يعتمد على النسكافيه المجففة بالتجميد ؛ فالتماهي مع العولمة له حدوده ايضا.".

يتحدث ساجيث باي وهو رجل أعمال هندي يعيش في دلهي عن بعض المظاهر المتعلقة بالعولمة فيشير الى ان الهنود الأكثر ثراء يزينون منازلهم "بأثاث قديم بعض الشيء ، وأنوال يدوية ، ومثل هذا النوع من الأشياء" ، وليس بالقرميد الصلب والخشب المقطع . لكنهم يرتادون الأماكن التي تزخر بالتصاميم العالمية الحديثة في دلهي ومومباي لأنها تشير إلى انتمائهم الى النخبة العالمية. يعتقد باي أن أكثر مرتادي هذا النمط من الاماكن ليسوا ممن هم فاحشي الثراء ولكن الطبقة التي تحتهم مباشرة - الطبقة المتوسطة العليا ، الذين لا يستطيعون شراء السيارات الفخمة أو الطائرات الخاصة ، لكن يمكنهم تحمل تكاليف السفر بالطائرات وتناول القهوة في الأماكن الفاخرة.

يزداد أفراد كلاً من الطبقة الغنية والمتوسطة . وفقاً للبنك الدولي ، فإن نسبة سكان العالم الذين يعيشون على أكثر من 10 دولارات في اليوم (وفقاً لتعادل القوة الشرائية لعام 2011) - ما يكفي من المال لشراء أشياء بخلاف الطعام والمأوى - قد تضخم من أقل من ربع السكان قبل عقدين من الزمن إلى ما يقرب من أربعين بالمائة في عام 2017. كان الجزء الأكبر من النمو في شرقي آسيا ، لكن الرقم ارتفع في كل منطقة. قدر معهد بروكينغز للأبحاث، وهو مؤسسة فكرية في عام 2018 أن عدد الأثرياء (أولئك الذين يعيشون على أكثر من 110 دولارات في اليوم) سينمو بنسبة 50٪ ، أو 100 مليون شخص بحلول عام 2030.وستشكل الطبقة المتوسطة العالمية (التي يمثلها الأشخاص الذين يحصلون على أكثر من 10 دولارات في اليوم) ما يقرب من ثلثي سكان العالم.

مثل هؤلاء الناس هم أكثر عرضة لأن يكونوا من سكان المدن. يعيش أكثر من نصف سكان العالم الآن في المدن ، وفقاً للبنك الدولي. لن يتمكن كل شخص في مدن العالم الفقير (أو حتى في المدن الغنية) من تحمل تكلفة احتساء مشروب القهوة الشهير فلات وايت بشكل منتظم أو زيارة حانات البيرة المصنوعة يدوياً. لكن المدن تخلق وظائف متخصصة بأجور عالية ، لذا سيتمكن بعضهم من ذلك. ويسمح ذلك للأذواق المتخصصة بالازدهار. في كينيا ، يقول أوين فلين ، الرئيس التنفيذي الأيرلندي لشركة بريوينغ254 ، وهي شركة بيرة يدوية (سميت على اسم رمز الاتصال في كينيا) ، إن شركته جربت أنواعاً من البيرة تمتد من "الأناناس المكسيكي الحامض" وصولاً إلى " ما يسمى بالنيترو ستوت". المشترون هم من الكينيين من أفراج الطبقة الوسطى الذين يشعرون بالملل من الجعّة العادية التي كانت حتى وقت قريب خيارهم الوحيد.

هذه الفئة من الناس أكثر عالمية بالمعنى الحرفي للكلمة. هناك 272 مليون مهاجر في جميع أنحاء العالم ، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة ، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة. يمثل هذا الرقم 3.5٪ فقط من سكان العالم. لكنها بكل الأحوال مستويات مرتفعة. وهي بالفعل أعلى من توقعات المنظمة الدولية للهجرة للمستوى الذي ستصل إليه أعداد المهاجرين في عام 2050 والتي كانت قد أعلنتها في عام 2003. وبعضهم من اللاجئين. ولكن أكثر من ذلك بكثير - ما يقرب من الثلثين – هم من المهاجرين لأسباب اقتصادية.

عن الايكونومست

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top