TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الجسد مكشوف والروح متصدعة

قناطر: الجسد مكشوف والروح متصدعة

نشر في: 11 نوفمبر, 2020: 07:25 م

 طالب عبد العزيز

وأنت بهذا الحشد من السنين، وبما تهدّم من جسدك وروحك، في البلاد لم تعد تعني أحداً، ما الذي تتوخاهُ امرأة، غانية، تطل عليك من عالم الآخرين الأزرق، تدعوك لحوار جسدي؟

أيّ صفاقة تبثها لنا الوسائط الالكترونية هذه؟ بحدود معرفتي، فأنا لا أعتقد بوجود مثل هذه في بلدان أخرى، تحترم حياة مواطنيها، وتقدّر ضرر دخول مثل هذه وتلك على أحد فيها. بلاد تافهة هذه التي تلاحق عساكرُها شبابها الثائر المنتفض ضدها في الطرقات، وتمعن فيهم تقتيلاً وملاحقة، فيما تسمح جيوشها الالكترونية باستباحة القِحاب صفحات الناس المحترمين من مواطنيها.

نعم، أعلمُ بأني قادر على حذف الرسائل السخيفة هذه بضغطة زر، وأعرف سبل التخلص من هذه وتلك بطريقة ما وبأخرى، لكنني، أشعرُ باختراق لخصوصيتي، وبقبح فعل كهذا، وبتسطيح فج لما أحمله من قيم وأفكار، مثلي مثل آلاف المتصفحين، الذين ربما أكون قد بالغت في حصافتهم ورشدهم، لكنني أجدهم على الحرج الذي انا فيه. هناك ما لا نحبُّ رؤيته، شخصياً، ومنذ مراهقتي، أكره كرهاً شديداً مشاهدة أفلام البورنو، وأجد فيها تحقيراً للجسد الأنثوي، ذلك، لأنني أشعر بأن العلاقة الحميمة قضية شخصية جداً، وهناك طهرٌ لا يجب التقليل من شأنه، وأن كل ما يحدث في سرير بين رجل وامرأة يجب أن يكون مطوياً، غير مصرّح به، لا في صورة ولا في كلام، ولا اتحدث بمنطق دين ما، أبداً، إنما هكذا أجد كمال الإنسانية.

لا بد من القول:" إذا كان الانسان بطبيعته قد جُبل على الحَسن من الأفعال، وحريصاً على رعاية قيم الجمال، فان الشاعر أحرى بأن يكون أشدَّ حرصاً من أي مخلوق آخر" وقد وجدتني على هذه منذ أن وعيت الدنيا، ذلك، لأن الحياة لا تستقيم بتحطيم قيم وثوابت الآخرين، وأي فعل شائن يهدم مبنى في عمارة الروح، قد لا نتحسسه فينا اليوم، لكنه يتضح شيئاً فشيئاً بيننا، في أولادنا، وبنية أجيالنا الجديدة، وما تفرط الحكومة به في هذه وتلك، التي تراها بسيطة لهو الجريمة عينها، وربما تكون أزمتنا السياسية والمالية وعدم قدرتها على تأمين رواتب الموظفين وغيرها من الأزمات لا معنى لها إزاء ما يتهدم من القيم فينا، وتحولنا من مجتمع راعٍ لثوابته في الأخلاق وقيم الإنسانية الى مجاميع نهمة، متوحشة تفترس حاجاتها بمخالب دامية، في غابة لن يكون الشاعر ضحيتها حسب. 

وأنا مستمتع بصوت صباح فخري، في قدوده الحلبية، ومقطوعته باذخة الجمال (جار القمر) وعلى وقع تنقلات حذاء الراقصة ذات العشرين ربيعاَ، على مربعات الشطرنح بالأبيض والأسود، في القاعة التي تفرقت الاسر الدمشقية على طاولاتها، في الليلة الجميلة تلك، وبعد أن أترعتُ كاسي الثالثة جاءني، وعبر محيطات الدنيا صوتٌ فيلمي لحبيبة ما زال القلب ينعم بذكراها، هي مما تفننت الطبيعة في صنعه، لتقول لي:" وجدتُ أنه من المناسب، أن أريك هيأتي بملابس الجري على العشب، فقد أطلت شمسُ المدينة اليوم، وكانت قد غابت عنها اليومين الماضيين، لتعيدني الى ما كنا عليه ذات يوم، الى العواصم التي جمعتنا وفرقتنا، الى القصائد والقُبل ولحظات الجنون، الى كل ما استعيده الآن لأتوازن فيه شاعراً وإنساناً، ومن ثم لأتوارى خلف الشاشة الزرقاء، التي ما انفكت تغريني بالجسد الناقص، الذي لا أحبهُ مشاعاً، مستهلكاً في الفضاء. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram