ترجمة أحمد الزبيدي
يعد الركود الاقتصادي أحد الآليات التي يعتمدها النظام الرأسمالي لإعادة تنظيم صفوفه. حيث تتقلص الأعمال الضعيفة أو تفشل وتتوسع الشركات الأقوى. لكن في عام 2020 ، لم تتم عملية التدمير الإبداعي هذه بالطريقة المعتادة.
نظراً لأن الانكماش الاقتصادي الذي حصل كان نتيجة أزمة صحية ولم يكن ، على سبيل المثال ، نتيجة انهيار مالي أو ذعر من التضخم ، فقد كان هناك بعض الشركات الرابحة والخاسرة: فقد شهدت أرباح الشركات المسؤولة عن مواقع بث الأفلام وألعاب الفيديو ارتفاعاً مذهلاً، فيما انهارت شركات الرحلات البحرية. وفي الوقت نفسه ، دعمت الهبات الحكومية الضخمة الشركات في جميع أنحاء العالم ، مما أدى إلى إخفاء حجم انهيار الشركات. في عام 2021 ، ستصبح تلك الخسائر أكثر وضوحاً مع تناقص التحفيز التدريجي وفشل المزيد من الشركات. ستعمل الشركات العاملة في القطاع الصحي على زيادة الاستثمارات ، مما يمنحها أرباحاً دائمة. ومع ذلك ، ستواجه هذه الشركات البارزة مناخاً استثمارياً جديداً تتغيّر فيه ثلاثة مبادئ للمشاريع الحديثة - أولوية المساهمين ، والعولمة ، والتدخل الحكومي المحدودة.
تميل فترات الانكماش الاقتصادي إلى أن تكون غير منتظمة وسريعة: لم تشكل فترات الركود التي شهدتها أميركا منذ الحرب العالمية الثانية سوى 14٪ فقط من زمن تلك الحقبة التاريخية. ومع ذلك كان لها تأثير عميق على هيكل الأعمال. خلال فترات الركود الثلاثة السابقة ، ارتفعت أسعار أسهم الشركات الأميركية في الربع الأعلى من كل قطاع من القطاعات العشرة الأولى بنسبة 6٪ في المتوسط ، بينما انخفضت أسعار أسهم الشركات في الربع السفلي بنسبة 44٪.
في هذه المرّة كان هناك بعض الرابحين الواضحين. ارتفعت أرباح شركات وادي السليكون الذي توجد به مجموعة من أبرز شركات التكنولوجيا العالمية مع تحول المستخدمين إلى الخدمات الرقمية .وحققت أرباح الشركات الصينية قفزات كبرى جديدة. و تفوق اقتصادها المحلي على معظم اقتصادات البلدان الأخرى ، ومثلت شركة نونغ فو للمياه المعبأة في زجاجات إحدى الأمثلة الصارخة على هذه الأرباح الضخمة ، وسلطت الضوء على قوة الشركات الصينية وقدراتها الهائلة . وارتفع نصيبها من قيمة سوق الأسهم العالمية (بما في ذلك بورصة هونغ كونغ) حيث أصبح الآن 17٪ ، في حين كان يشكل ما نسبته 15٪ قبل ظهور وباء كورونا و 13٪ قبل عقد من الزمن.
الرابحون والخاسرون
كانت بعض قصص النجاح غير متوقعة. شهدت مجموعة شركات بوناوالا في الهند ، التي اشتهرت حتى وقت قريب ببناء مزارع الخيول وتصنيع اللقاحات ، ارتفاعاً في ثروتها بنسبة 62٪ لتصل إلى 14 مليار دولار. أمضت الشركات العاملة في مجال الحاويات والشح سنوات وهي تحاول الاندماج في هيكل أكثر كفاءة: لقد أتت تلك الجهود ثمارها ، حيث حققت شركة مايرسك ، أكبر شركة في هذا المجال، أرباحاً ضخمة في عام 2020 على الرغم من الركود الذي شهدته التجارة العالمية. لقد حولت مجموعة سوفتبنك ، وهي تكتل من عدة شركات يابانية معروفة برهاناتها الهائلة في سوق أسهم شركات التكنولوجيا وديونها الضخمة ، الأزمة إلى فرصة لها من خلال الإعلان عن مبيعات أصول بقيمة 80 مليار دولار. عادت شركات تعدين الذهب ، التي كان يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها شركات ميتة ، إلى المواجهة لأن بعض المستثمرين يعتقدون أن التحفيز الحكومي الضخم سيؤدي إلى نوبة تضخم تكون فيها السبائك أحد الأصول القليلة التي تحتفظ بقيمتها.
ماذا عن الخاسرين؟ إذا حكمنا من خلال المحصلة النهائية ، فإن الأعمال في وضع أسوأ مما كانت عليه في أزمة الرهن العقاري عام 2008: في النصف الأول من عام 2020 ، تكبد أكثر من 40٪ من أكبر 3000 شركة مسجلة في أميركا خسائر ، مقارنة بما يزيد قليلاً عن الثلث في عام 2009. لكن معدلات التخلف عن السداد في أميركا ظلت منخفضة ، مع وجود حوالي 5٪ فقط من السندات غير المرغوب فيها في حالة تخلف عن السداد وحوالي 4٪ من بطاقات الائتمان التجارية متأخرة.
في عام 2021 ، لن يستمر هذا الوضع غير الواقعي. ستقلل الحكومات المساعدات الجديدة وستبتعد عن إبقاء الشركات الفردية على قيد الحياة مع التأكد من حصول العمال على المساعدة إذا فقدوا وظائفهم. كما ستتسع الفجوة بين الشركات لأن الشركات الأقوى ستحافظ على الاستثمار بينما تقلصه الشركات الأخرى. بحلول منتصف عام 2020 ، كان الإنفاق الرأسمالي في أكبر عشر شركات أمريكية مدرجة من حيث الإنفاق لا يزال أعلى بنسبة 3٪ عن العام السابق ، لكنه انخفض بنسبة 82٪ في أصغر 1000 شركة.
سوف تميل الشركات الرابحة في فترة العامين من الركود (2020-2021) إلى أن تكون شركات كبيرة تستفيد من الاضطرابات التكنولوجية وتتوجه نحو الاقتصادات ذات الأداء الأفضل ، لا سيما في آسيا وأميركا. ومع ذلك ، فإنها ستواجه في فترة ما بعد الوباء بيئة صعبة حيث يتم إعادة صياغة قواعد اللعبة بين الشركات والمجتمع.
ستتعرض الشركات لضغوط لإيلاء اهتمام أقل للمساهمين والمزيد من الاهتمام للعمال. انخفضت وتيرة عمليات إعادة الشراء العالمية إلى النصف تقريباً في منتصف عام 2020 ولن تعود مرة أخرى بالكامل حتى مع تعافي الأرباح. إن ركود العولمة يعني أنه سيتعين على المزيد من الشركات متعددة الجنسيات العمل كاتحادات للشركات الوطنية ولن تكون قادرة على جني مكاسب الكفاءة الكاملة من إدارتها كمنظمة واحدة متكاملة عالمياً. ومع توسع حجم التدخل الحكومي في كل مكان ، فإن مستويات التنظيم والضرائب سترتفع حتماً. بالنسبة لأكبر 3000 شركة عالمية ، انخفض متوسط معدل الضريبة الفعلي المدفوع من 33٪ قبل عقدين إلى 22٪ فقط الآن ؛ والتوجه الوحيد للضرائب هو الارتفاع . في نهاية فترة الركود هذه سيكون عالم الأعمال قد اهتز- وكذلك قواعد النظام الرأسمالي.
عن مجلة الايكونومست
اترك تعليقك