يوميات سوزان سونتاغ (ولادة ثانية)  بوح ذاتي وتورية كبيرة

يوميات سوزان سونتاغ (ولادة ثانية) بوح ذاتي وتورية كبيرة

قراءة: علاء المفرجي

يقول ديفيد ريف في افتتاح يومبات سوزان سونتاغ (ولادة ثانية) الصادر عن دار المدى بترجمة عباس المفرجي: لم تكن بي رغبة في أن أخطو هذه الخطوة أبداً.

لكن أمي رحلت دون أن تترك وراءها أي وصية فيما يجب عمله ، سواء مع أوراقها أو كتاباتها غير المنشورة وغير المنجزة .

قد يبدو هذا غير موافق لطباع مثل طباعها ، هي التي كانت تعنى كثيراً بعملها ، وتصقل من دون كلل ترجمات لأعمالها ، حتى في لغات لم تكن ملمة بها تماماً ، وكان لها دائماً معرفة وإطلاع واسعين بالناشرين والمجلات حول العالم . لكن برغم الآفة المهلكة ، سرطان الدم ، التي أودت بحياتها في 28 كانون الأول 2004 ، فإنها لم تتخل عن الإيمان بأنها ستنجو من المرض ، حتى قبل بضعة أسابيع من وفاتها . لذا بدلاً من أن تشغل نفسها بالتفكير كيف يهتم الآخرون بعملها ، لم تعد موجودة فجأة ، لتهتم به هي نفسها ــ كما كان سيفعل أي شخص اضطر أن يسلم بالموت . كانت تتحدث بثقة عن عودتها الى العمل ، وفوق كل شيء، الكتابة حال خروجها من المستشفى .

حرر ابن سونتاغ ديفيد ريف الأجزاء الثلاثة ليومياتها، ، فكان الجزء الأول بعنوان (ولادة ثانية )، والذي يبدأ مع العام 1947 ، عندما رحلت الفتاة المبكرة النضج البالغة خمسة عشر عاماً الى جامعة كاليفونيا ، حيث إكتشفت طبيعتها الجنسية الثنائية وروايات توماس مان . بانتقالها الى شيكاغو ، تزوّجت أستاذها ، فيليب ريف ، الذي انجبت منه إبنا ، قبل أن تتركه لتذهب الى اوكسفورد ومن ثم الى باريس . كانت استجابة النقّاد للهجة تبجيل الذات رواية الغمّ في ذلك الكتاب بمشاعر مختلطة ــ ربما الى حد ما بسبب رفض سونتاغ نشر دفتر يومياتها قبل وفاتها ، والى حد ما بسبب أن اليوميات المتحررة من القلق جعلتها تبدو تقريبا عادية . يغطي هذا الجزء الثاني الفترة التي أنتجت فيها المجموعة الرئيسية من مقالاتها وأدبها القصصي . حرّر ريف الجزء الأعمق من أفكار أمه بشكل طفيف فحسب ، مضيفاً في الأسماء ومصححاً أخطاء واقعية ، لكنه ترك للقارئ تعيين أي من اليوميات يمكن أن يشير الى أي من المقالات .

اليوميات هي بوحٌ ذاتي ، وتورية كبيرة . فإختارت ديفيد ريف ال يضمّن الكتاب الكثير من أحكام أمي الصارمة جدا . وكانت هي " حَكَما عظيما" كما يقول . لكن في سبيل كشف هذه الميزة فيها ــ وهذا اليوميات طافحة بالأحكام ــ كان من المحتم دعوة القارئ الى الحكم عليها . ف "واحدة من المشاكل الرئيسية في كل هذا ، هي ان أمي ، وفي حياتها المتأخرة ، بلا شك ، لم تكن بأي طريقة من الطرق من نوع الشخص الذي يفضي بمشاعره الدفينة."

تجربة قراءة اليوميات ، التي تقحم فيها ثانية كآبتها ، أشبه بالتنويم المغنطيسي . حين تجد سونتاغ حقا طريقا عبْرها ، فهو يكون نوعا من التدمير المبدع ــ إقتراح بـ ’’ تعليقات حول التعليقات ‘‘ ، كتاب عن الأقوال المأثورة ، ذلك الإسلوب المسْكر ، الحماسي الذي تبنته في شبابها ، والذي نبذته من ذلك الحين في سبيل رؤيتها التعددية في كتاب " حول الفوتوغراف " . (( كتابة أقوال ماثورة هي إتخاذ قناع ــ قناع من السخرية ، من التفوّق ، )) تكتب في يومياتها . هذا الكتاب ، مثل الكثير من إقتراحات سونتاغ ، لم يُكتَب أبداً . وكما تكشف في يومياتها بوضوح ، فإنها سخّرت جزءاً صغيراً فقط من عقلها لإنتاج الكتابة التي رأيناها حتى الآن ؛ الباقي هو لاوعي .

ولم يتردّد ريف حين قررتُ أن ينشر يومياتها، بإستبعاد مقاطع ، كانت ستضع سوزان سونتاغ في ضوء معين ، أو تبرز صراحتها الجنسية ، أو قسوتها أزاء بعض الذين وردوا في اليوميات ، رغم أني عمدت الى إغفال الأسماء الحقيقية لبعضهم . عدا هذا ، كان مبدأ ريف في الإختيار خاضعاً لإحساسه بأن هذا العري وهذه البساطة ، كانا السمة المميزة لهذه المقاطع ، التي تقدم سوزان سونتاغ إمرأةً شابة ، والتي أدّت ، عن وعي وعلى نحو عاقد العزم الى خلق الشخصية التي كانت تبغي أن تكون عليها ، وكان هذا أكثر ما يُبغض في اليوميات . لهذا السبب ، اختار أن يضع لها عنوان " ولادة ثانية " ، الذي إقتبسه من عبارة تظهر على رأس واحدة من اليوميات المبكرة . وبدت هذه العبارة إنها تلخص ما أرادت أمه الحديث عنه منذ الطفولة فصاعداً.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top