عواد علي: الرواية ستأخذ من الشعر عرشه المتوّج فـي العراق

عواد علي: الرواية ستأخذ من الشعر عرشه المتوّج فـي العراق

يجد ضالته فـي الرواية أكثـر من المسرح فقد بدأ قاصاً قبل النقد المسرحي

حاوره: علاء المفرجي

عواد علي روائي وناقد عراقي مقيم في الأردن، ومن مواليد كركوك في العراق، وانهى دراسته الأولية فيها، وحصل على البكلوريوس، و الماجستير في جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة.

وعمل مدرساً في تربية نينوى، قبل أن يعمل مدرساً في معهد الفنون الجميلة، وفي كلية التربية الفنية/ جامعة بابل ، ثم غادر الى عمان عام 1996 ليقيم فيها ويعمل باحثاً في المعهد الملكي للدراسات في عمّان حتى عام 2001ليقيم في كندا لاجئا أسوة بعددٍ من المثقفين العراقيين الذين غادروا العراق بسبب القمع الذي كان يمارسه النظام السابق وبسبب الأوضاع الاقتصادية 2001 يعمل حالياً يقيم في عمان ليمارس عمله مرة أخرى كباحث في المعهد الملكي للدراسات في عمّان .

أصدر العديد من الكتب التي تهتم بالنقد المسرحي، وعدد من الروايات التي صدر منها: حليب المارينز، نخلة الواشنطونيا، أبناء الماء، حماقة ماركيز، جسر التفاحة، وردة الأنموروك.. أما في النقد المسرحي فقد أصدر: المألوف واللامألوف في المسرح العراقي، شفرات الجسد: جدلية الحضور والغياب في المسرح، المعرفة والعقاب، الحضور المرئي: المسرح من التحريم إلى ما بعد الحداثة، المسرح ستراتيجية التلقي، المسرح والتخييل الحر، المسرح الأردني في ربع قرن.

للناقد والروائي عواد علي حضورٌ متميزٌ في المشهد المسرحي كناقد مؤثر، وكذلك في السنوات التي تلت ذلك روائي مهم نالت رواياته اهتماماً نقدياً متميزاً، حتى أصبح أحد الأسماء المهمة في السرد العراقي. 

حاورته (المدى) لتقف على تجربته في المسرح ناقداً، وفي كذلك إسهامه المتميز في المشهد السردي العراقي:

* يغوص "سلمان البدر"، بطل (حماقة ماركيز) في فوضى الحياة والموت، لمجاورة حياته لحروب قاسية.. هذا جانب وجانب آخر الحديث عن الهويات الفرعية، حيث شخصيات الرواية تنحدر من أعراق ومكونات إثنية مختلفة.. ما الذي كنت تبحث عنه في هذه الرواية؟

- في ما يتعلق بالجانب الأول من السؤال، أقول ليس سهلاً اختزال ما كنت أبحث عنه في ثيمة أو مسألة واحدة، ففيها شذرات كثيرة من شخصيتي، بالرغم من أنها ليست رواية سيرة ذاتية. إنها تتكئ على ملامح من تجربتي في الحياة وشغفي، أيام كتابتها، بالعوالم السردية في روايات الواقعية السحرية، وخاصة عوالم ماركيز. لقد أضفيت على شخصية سلمان البدر بعداً من مثاليتي وبراءتي ونزعتي العاطفية وحبي للغة الإسبانية التي لم أتخصص فيها للأسف. وعشت في معظم الأماكن التي تجري فيها أحداث الرواية وخبرتها عن كثب خلال طفولتي وصباي وشبابي، وأثناء الخدمة العسكرية. وكان من الطبيعي أن أصور هذه الأماكن لا كما هي في الواقع، بل بحس شاعري ومخيلة سردية أحياناً، وتضمين تاريخي أحياناً أخرى كما هو الحال مع بلدة ديانا حيث رجعت إلى ماضيها في بداية القرن التاسع عشر، أيام كانت قريةً في الأصل أغلب سكانها من المسيحيين السريان، لكنهم تعرضوا إلى حملات قتل ونهب واغتصاب خلال الصراع للاستحواذ عليها. وكذلك البصرة حيث يرى مراد، الذي يُكلّف بإيصال جثمان صديقه سلمان إلى أهله، أن "ساحة سعد" في المدينة تستثير في ذاكرة الناس دائماً أيام "أرماث" و"أغواث" و"عمواس" وا"لهرير" وهي أيام معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص. وفي السياق ذاته حديث سائق التكسي، الذي ينقل جثمان سلمان، عن انحدار والده من بلدة العزير، واكتساب اسمها من اسم النبي عزير (عزرا) لأنه مدفون فيها، وقصة موته هو وحماره مائة عام وكيف أحياهما الله من جديد. لقد مكثت جندياً مكلفاً في هذه البلدة مدة سنتين، خلال الحرب العراقية الإيرانية، وعشت أعنف المعارك الطاحنة في قاطع عمليات شرق دجلة، وخرجت منها سالماً بأعجوبة. أما بخصوص ماركيز فقد غرست تعلقي به في شخصية سلمان، ولذا تجد أنني أهديتـها "إلى روح غابرييل غارسيا ماركيز عملاق الأدب الذي أعطى إشعاعاً عالمياً لخيال قارة كاملة"، وافتتحتها بتساؤل سبق أن طرحه مفاده "ألا يستحق الحب أن نجنّد أعمارنا لأجله بدلاً من الكراهية؟". وجعلت بطلها المغيّب يترك أحلامه بكتابة رواية قريبة من أجواء ماركيز، ويرجو أن يتسنّى له إطلاع ماركيز عليها، لكن الحرب تمنعه من تحقيق حلمه، وتبعده عن حبيبته التي تتزوّج، وتنجب ابنة تسميها صوفيا، تيمّنا باسم شخصيّة من "مائة عام من العزلة" لماركيز. وقد التقطت الناقدة الدكتورة نادية هناوي، في تحليلها للرواية، هذه الناحية فكتبت "أن روايات ماركيز ربما هي التي جعلت سلمان البدر متهيئاً مسبقاً لأن يعيش في واقع أغرب من الخيال، وهي التي منحته الخبرة، وزودته بالدُربة التي أهلته للعيش والمطاولة بلا هوادة".

في ما يتعلق بالجانب الثاني من السؤال، أي الهويات الفرعية، حيث أن شخصيات الرواية تنحدر من أعراق ومكونات إثنية مختلفة، أقول إنه يجسد الطبيعة الفسيفسائية، أو التنوع الإثني والديني لمدينة كركوك التي تشكّل أنموذجاً للتنوع والتعايش في العراق، وهو التنوع الذي شبهه القاص والكاتب المسرحي الراحل جليل القيسي بسمفونية من اللغات، ووصف المدينة بأنها مثل آلة كمان، الغريب عنها يمتلك العزف على وتر واحد فيها حسب، بينما الابن الحقيقي لها يعزف بتلقائية على اوتارها كلها، ويخرج لحناً هارمونياً جميلاً. وأعتقد أن الكاتب الذي يتخذ من هذه المدينة فضاءً سردياً أو مسرحياً لا بد أن ينوع في انحدار شخصياته طبقاً لهذه الطبيعة الفسيفسائية التي تتميز بها، وإلاّ فإنه لن يكون صادقاً ولا جديراً بأن يعبّر عن نبضها وبنيتها التعددية. ومن هنا أيضاً جاءت التعددية الصوتية (البوليفونية في الرواية)، حيث تتناوب الشخصيات (العربية والكردية والتركمانية والكلدانية والآشورية) في سرد فصولها وأحداثها.

* تقدم في رواية (وردة الأنمورك) التاريخ، باعتباره يتطلب وعياً عميقاً في كيفية استحضاره سردياً من خلال تفكيكه أولاً، ثم إعادة كتابته آخراً ليكون المتحصل تاريخاً بديلاً أو بالأحرى تاريخاً جديداً.. هل تتفق مع هذا الراي؟

- يكاد النقاد يجمعون على أن العلاقة بين التاريخ والرواية علاقة إشكالية حيث تتداخل وتتشابك بينهما الكثير من الخطوط، خاصةً أنّهما يعتمدان على الكثير من المكونات المشتركة كالإنسان والزمان والمكان والطابع القصصي، وقد شهدت السنوات الأخيرة جدلاً واسعاً حول علاقة الرواية بالتاريخ، وما هو المصطلح الأنسب الذي يختزل هذه العلاقة. شخصياً أميل إلى اقتراح الناقد الدكتور عبدالله إبراهيم الذي يدعو إلى إحلال مصطلح "التخيّل التاريخي" محل مصطلح "الرواية التاريخيّة"، الذي أشار إليه جرجي زيدان وأمثاله المؤسسين لهذا النمط من الكتابة، لأنّ هذا الإحلال سوف يدفع بالكتابة السرديّة التاريخيّة إلى تخطّي مشكلة الأنواع الأدبيّة وحدودها ووظائفها، ويغدو "التخيّل التاريخي" المادة التاريخية المتشكلة بواسطة السرد، وقد انقطعت عن وظيفتها التوثيقية والوصفية وأصبحت تؤدي وظيفةً جماليةً ورمزيةً، فهو لا يحيل على حقائق الماضي، ولا يقررها، ولا يروج لها، وإنما يستوحيها بوصفها ركائز مفسّرة لأحداثه، وهو من نتاج العلاقة المتفاعلة بين السرد المعزز بالخيال والتاريخ المدعم بالوثائق، لكنه تركيب ثالث مختلف عنهما. وعلى ذلك أتفق معك في أن استحضار التاريخ في هذه الرواية هو بمنزلة تاريخ بديل أو بالأحرى تاريخ جديد. وإذا لاحظت أنني دونت الإهداء الآتي في الرواية "إلى الصديق الدكتور سعد سلوم، لولاه لما كانت هذه الرواية"، وذلك عرفاناً بجميله، فقد كان مرجعي في كتابتها قصة حقيقية عجيبة نشرها، نقلاً عن احدى وسائل الإعلام، حول السيدة الأرمنية "أراكسي بابازيان أرشايكان" التي نجت من الإبادة التركية للأرمن عام 1915 عندما كانت طفلة، ومات جميع أفراد عائلتها. تقول القصة إن أراكسي شهدت، وهي طفلة، المجازر والتهجير الجماعيّ القسريّ للأرمن إلى صحراء سوريا، والسير مئات الأميال في ظروف قاسية، مّا أدّى إلى وفاة مئات الآلاف منهم بسبب المرض والجوع وغارات العصابات في طريق الموت، بينهم أفراد أسرتها فرداً تلو الآخر، وكان من حسن حظّها أن تبقى على قيد الحياة، ويلتقطها رجل من قبيلة الجحيشات العربيّة في منطقة ربيعة الحدودية مع سوريا ظنّاً منه أنّها ولد صغير، وحين اكتشف أنّها بنت تخلّى عنها لامرأة بدوية من العراق، فتتبنتها واعتبرتها أمانة في عنقها وأسمتها "فاطمة"، فكبرت وتزوجت من شاب أرمنيّ عام 1924 اسمه آرتين أرشاكيان آرتين، نجا أيضاً من الإبادة، وأنجبت منه أولاداً وبنات، وعاشت مائة عام (توفيت في 22 تموز 2015).

هذه هي الخامة التاريخية التي قدحت شرارة مخيلتي فصنعت منها الرواية، ووضعت لها عنواناً فرعياً هو "سنة الأرمن"، إشارة إلى سنة 1915، سنة نفي الأرمن من الأناضول والإبادة التي تعرضوا لها بذريعة تعاونهم مع الروس. وقد غيّرت بالطبع أسماء الشخصيات والأحداث وبعض الأمكنة، عدا اسم "صوغومون" ابن بطلة الرواية، فقد استعرته من اسم الطالب الأرمني "صوغومون تيهليريان"، الذي أطلق النار على طلعت باشا، الصدر الأعظم في الإمبراطورية العثمانية، أمام منزله في برلين عام 1921، انتقاماً من دوره في مذابح الأرمن، وجعلت المتن الحكائي للرواية يتمحور، عبر تقنية الاسترجاع، حول مصير أسرة "لوسين" الشخصية الرئيسة/ الساردة للأحداث، التي اختفيت وراء قناعها وأوكلت إليها مسؤولية السرد، مفترضاً أنها مذكرات كتبتها، نقّح الجزء الأول منها وحسّنه كاهن كنيسة الأرمن المقدسة في الموصل، بينما نقّح الجزء الثاني زوجها. وعلى النقيض من الصيغة التقليدية التي يدونها بعض الكتّاب، والتي تشير إلى أن أي تشابه بين شخصيات الرواية وشخصيات في الواقع محض صدفة، دونت في البداية "أي تشابه بين شخصيات الرواية وشخصيات حقيقية مقصود".

* نعود الى شغفك الأهم وهو المسرح.. قدمت في طروحاتك النقدية الكثير للمسرح.. كيف تقرأ خطابنا المسرحي؟

- لا شك في أن الظروف والمحن القاسية، التي عاشها العراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، قد أثرّت كثيراً على فن المسرح، فاندثرت فرق مسرحية عريقة مثل فرقة المسرح الفني الحديث، وفرقة المسرح الشعبي، وفرقة مسرح اليوم، وتعرضت قاعات المسرح إلى الدمار أو الإهمال. وحالت التفجيرات الإرهابية في بغداد وبعض المحافظات إلى انعدام الأمن، ما دفع الكثير من المسرحيين والجمهور إلى التوقف عن العمل وارتياد العروض المسرحية، خاصةً الجادة منها، أما المسرحيات الاستهلاكية التي كانت منتعشةً قبل الاحتلال تحت مسوّغ حاجة الناس إلى نوع من الترفيه للتخفيف من وطأة الحروب، فقد عادت إلى الواجهة بقوة إثر التحسن الأمني نسبياً، وتحوّلت إلى ظاهرة ضربت قلب أهم مسرح في العراق وهو المسرح الوطني، الذي يُعدّ رمزاً للمسرح الجاد والملتزم والهادف، فضلاً عن مسرح النجاح. لكن بالرغم من ذلك واصل عدد من المسرحيين، على اختلاف أجيالهم، تقديم عروض جادة مهمة مثل عزيز خيون وعواطف نعيم ومهند هادي وحاتم عودة وعماد محمد وهيثم عبد الرزاق وإبراهيم حنون وتحرير الأسدي وأنس عبد الصمد وعلاء قحطان، وأحمد محمد عبد الأمير (الذي تخصص في مسرح الظل)، وباسم الطيب وعلي دعيم. وبحكم كوني أقيم خارج العراق منذ ربع قرن فإني لا أشاهد التجارب المسرحية العراقية إلا تلك التي تُعرض في المهرجانات المسرحية العربية، أو من خلال اليوتيوب، وقد كتبت عن بعض منها. ولا أكتمك أنني قرأت أربع سنوات حواراً مع أحد المسرحيين العراقيين قال فيه إن المسرح العراقي اليوم ينتمي إلى إلى الععصور الوسطى، وقد استفزني وأزعجني لأنه وضع الجميع في سلة واحدة، وهو أمر يفتقر إلى الموضوعية. وكنت أتمنى أن يُعقد مهرجان المسرح الوطني في بغداد، بدعم من الهيئة العربية للمسرح، الذي أُعلن عنه العام الماضي، لأطلع على تجارب جديدة، لكن ظروف جائحة كورونا أجلته للأسف.

* المسرح موجود بشكل أو بآخر في روايتك.. هل كان لشغفك هذا أثره؟

- بالتأكيد يوجد مثل هذا الأثر في رواياتي، فأنا أميل إلى توظيف الحوار في مفاصل كثيرة منها بحيث تتقدم الأحداث كمشاهد تجري أمام أعين القارئ، وتنطق الشخصيّات بلسانها لا بلسان الراوي. وفي رأيي أن الحوار دافع ومحفز حقيقي فيها لتنامي الحدث القصصي واستمراره وتواصله، وإضفاء طابع المصداقية والواقعية عليه، فهو عنصر رئيسي من عناصر الفعل الحكائي. وقد استخدمت عدة أنماط من الحوار، مثل الحوار الخارجي الذي يجري بشكل مباشر وموجز بين شخصيتين أو أكثر، بحيث يتبادلون فيما بينهم الأسئلة والمعلومات والأفكار والرؤى. وهو ينقسم إلى نوعين: الأول، الحوار المجرد الذي يضع المتحاورين، بفعل الموقف، في وضع معين داخل المشهد، ليقترب في تكوينه إلى حد كبير من المحادثة اليومية بين الناس أو من الحوار المسرحي، والثاني، الحوار المركب، وفيه تدور عين المحاور بطيئاً، إنها عينٌ متأملة للأشياء والحالات، ولها القدرة في الوصف العميق وإبداء الرأي، وتحديد وجهة نظر جلية، كما تعبر عن موقف أو التزام أو معارضة"، وهو كما يقول تودوروف "حوار عميق يستدعي الشرح والتأويل، ويعتمد الحجة والبرهان، ويهدف إلى الإقناع، وإثبات وجهة نظر، لأنه يبرز الحجة والأسلوب". ثمة أيضاً الحوار الداخلي الذي يكشف عن الحالة الداخلية للشخصية، ويقف على هواجسها ومشاعرها وأفكارها ورؤاها وما يدور في باطنها من خلال ما يعرف بالمنولوج الذي يمثله عدم الاهتمام بتدخل المؤلف، وعدم افتراض أن هناك سامعاً.. إنه يقدم الوعي للقارئ بصورة مباشرة، مع عدم الاهتمام بتدخل الراوي.

وتأكيداً لما ورد في سؤالك أشير إلى دراسة كتبتها الباحثة الأكاديمية الدكتورة سهام السامرائي بعنوان "جماليات الحوار في رواية حماقة ماركيز" تقول فيها "اشتغل الروائي اشتغالاً جمالياً مميزاً عازفاً على وتري الحوار الخارجي والداخلي معاً، اللذين أخذا مساحةً شاسعةً من الملفوظ السردي، فاقتربا كثيراً من أسلوب المسرح ومناجاته، إذ يقوم الحوار كدعامة أساسية في العمل المسرحي... ولولا تكرار أفعال القول لعُدت انجازاً مسرحياً بامتياز، وربما يعود السبب في ذلك إلى كون الروائي في الأصل باحثاً وناقداً متمرساً في المجال المسرحي".

* بين المسرح والرواية والفن، وحتى الصحافة، تنوعت أدواتك النقدية.. اين يجد عواد علي ظالته؟

- أجد ضالتي في الرواية أكثر من الحقول الأخرى. لقد بدأت بكتابة القصة القصيرة منتصف سبعينات القرن الماضي، قبل النقد المسرحي، ونشرت ثماني قصص في الصحف والمجلات العراقية. لكن تخصصي الأكاديمي في المسرح، وتشجيع أساتذتي في كلية الفنون أغرياني بأن أركز جهدي في مجال النقد المسرحي. لكن توقي إلى كتابة الرواية ظل قائماً، مدفوناً في أعماقي، والسبب الذي جعلني أتأخر في كتابتها قناعتي بأن الرواية لا تُكتب إلا في مرحلة النضج، وأنها تحتاج إلى اكتناز تجارب حياتية عميقة وخصبة، وقراءات كثيرة لعيون الرواية العالمية. وحين شرعت في كتابة روايتي الأولى "حليب المارينز" عام 2003 أحسست بأنها تتدفق مثل شلال من مرتفع شاهق. 

* كيف ترى الواقع المسرحي العراقي الآن؟

- أظن أن أجابتي عن السؤال الثالث تضمنت أجابةً عن هذا السؤال، لكن يمكن أن أضيف أنني لست متشائماً في رؤيتي لواقع المسرح العراقي الآن، وستزول العثرات التي واجهته بعد الاحتلال. ثمة مسرحيون من الجيل الجديد عصاميون، وحريصون على تطوير تجاربهم، شريطة أن يظلوا بمنآى عن التوجهات الأيديولوجية، والأهواء الطارئة التي تكتسح المجتمع العراقي والثقافة العراقية تحت مسميات دخيلة، وإغراءات أطراف لا تحفل بالفن والجمال، بل تسعى إلى تحويلهما إلى مطية لمآربها ومصالحها. 

* أمام الإنتاج الروائي العراقي الذي ازداد خلال العقدين الأخيرين.. كيف تقرأ ذلك، وهل الرواية في الطريق أن تأخذ من الشعر عرشه المتوّج في العراق؟

- نعم، ثمة طفرة روائية هائلة في المشهد الثقافي العراقي، أعداد كبيرة من الروايات بدأت تظهر منذ عقد ونصف. وبالرغم من أن هذه الظاهرة نلمسها في جغرافيات عربية عديدة أيضاً، فإنها تكاد تكون أشد بروزاً في العراق. ومن أسبابها اعتقاد الجيل الجديد أو الشاب بأن الرواية غدت الفسحة المناسبة له للتعبير عن مكنوناته، وتحولت إلى فعل حرية تتناسب عكسياً، أو تأتي ردة فعل على حياتنا المحافظة والمنغلقة على نفسها. كذلك هناك إغراءات المسابقات والجوائز التي تمنحها بعض المؤسسات الثقافية العربية للرواية، وإقبال العديد من دور النشر على نشر النتاج الروائي لدوافع مختلفة، على حساب أشكال أدبية أخرى كالشعر والنص المسرحي. لكن، حسب اطلاعي على نماذج من هذه الطفرة الروائية، أجد أن القليل منها ذو مستوى إبداعي يُعتد به، وأظن أن على نقاد السرد أن يقولوا كلمتهم حول هذا الأمر. ولا أرى أن الرواية في الطريق إلى أن تأخذ من الشعر عرشه المتوج في العراق، فلا يزال فيه شعراء مبدعون من أجيال مختلفة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top