رواية (الشذوذ) لهيرفيه لوتلليه تحصد جائزة غونكور للأدب

رواية (الشذوذ) لهيرفيه لوتلليه تحصد جائزة غونكور للأدب

ترجمة : عدوية الهلالي

في جو غاب عنه الطابع الاحتفالي بسبب وباء كورونا ، أعلن رئيس لجنة جائزة غونكور الفرنسية الكاتب ديدييه لوكوين عبر سكايب فوز رواية " الشذوذ " للكاتب هيرفيه لوتلليه بالجائزة لهذا العام ،

وكانت المنافسة شديدة بينها وبين ثلاث روايات أخرى هي : رواية (واصف المملكة ) للكاتب ماييل رونوار الصادرة عن دار غراسييه للنشر ، ورواية ( نافدة الصبر ) للكاتبة جاييلي امادو الصادرة عن دار ايمانويل كولاس للنشر ، ورواية ( تيزيه ..حياتها الجديدة ) للكاتبة كاميي دو لتوليدو الصادرة عن دار فيردييه للنشر ..

كان من عادة الاكاديمية إعلان اسم الفائز بالجائزة بعد دعوته الى مطعم درووه الباريسي، خلال حفلة غداء تضم كل أعضاء لجنة التحكيم، وفي حضور جمع من الصحافيين والإعلاميين. ولكن هذه السنة اجتمعت اللجنة "عن بعد" عبر السكايب وتناقشت واختارت الفائز. ومعروف أن جائزة غونكور هي أهم جائزة فرنسية وفرنكوفونية تمنح للروائيين، والفوز بها يعني رواجاً كبيراً لها وحضوراً مميزاً لصاحبها في الوسط الأدبي والإعلامي.

ويشتهرالكاتب الفائز هيرفيه لو تلليه ( 63 سنة) كروائي وكاتب مسرحي وصحافي سابق، درس الرياضيات ثم انتقل إلى عالم الكتابة والأدب. والتحق بحركة "أوليبو" الشهيرة التي كانت تأسست في الستينيات وضمت شعراء وروائيين كبار منهم ريمون كينو وجورج بيريك، الذي كتب روايته الشهيرة "الاختفاء" في سياق انتمائه إلى هذه الحركة التي لا تزال مستمرة بقوة. وهي تهدف إلى استثمار طاقات اللغة وتحديث أساليب التعبير واعتماد بعض الألعاب اللغوية والنصية انطلاقاً من بُعد رياضي ونحوي. وقد أصدر الكاتب عدداً كبيراً من الروايات والقصص والدواوين الشعرية والمسرحيات وكتب نصوصاً أوبرالية وأبحاثاً ومقالات، ومن أعماله: "اختفاء بيريك"، "سارق النوستالجيا"، "مدن الذاكرة"، "شابيل سكستين"، "جيوكوند حتى المئة"، "أنا وفرانسوا ميتران"، "كل العائلات السعيدة" وغيرها ..

وبعد إعلان فوز هيرفيه لو تيلليه من قبل رئيس أكاديمية غونكور ودعوته للانضمام الى مؤتمر الفيديو ، ظهر الكاتب على الشاشة الى جانب ناشره انطوان غاليمار ليجيب على أسئلة الاكاديميين ، وهنا سأله ديكوين إن كان قد توقع الفوز بالجائزة فقال إنه لم يتوقع ذلك إطلاقاً فهو لايكتب للحصول على جائزة بل لايمكنه تخيل وجودها ..ثم تابع العديد من أعضاء الاكاديمية الظهور على الشاشة لتهنئة الفائز وتوجيه أسئلة له ومنهم بيير اسولين ، وطاهر بن جلون الذي شكر الفائز بحرارة على هذا الكتاب الذي سيسحر الكثيرين ، أما إريك إيمانويل شميت فقد قال إن الفائز قاوم فكرة جيدة جداً وإنه لايوجد أسوأ من فكرة جيدة لكتابة رواية ، وقد تمكن لوتلييه من تجاوز الفكرة للوصول الى نهاية استثنائية ولجعل هذا " الشذوذ" يكشف كل الشخصيات .ويتابع الكاتب المسرحي قائلاً للفائز : "لقد قاومت خطراً ثانياً هو السخرية،فهنالك شيء منها دائما في روايتك ، فيما يتعلق بالديانات والفلسفات. ولكن على الرغم من كل شيء ، هناك حب للناس والحياة وحتى للتساؤل.

في قصصه ، يستمتع لو تيلليه بالأكوان والأنواع الادبية ، ويتنقل من الروايات الى الخيال العلمي بما في ذلك روايات التجسس ، أما الرواية الفائزة ( الشذوذ) الصادرة عن دار غاليمار فهي ذات إطار بوليسي وتشويقي، وضمن هذا الإطار تدور قصة حب هي أشبه بمغامرة داخل طائرة مسافرة بين باريس ونيويورك تتعرض لحادث طارئ، ما يؤثر على ركابها نفسياً. فهم يتعرضون لتحولات في الأمزجة والأحوال. وقد اعتمد المؤلف لعبة لغوية جذابة متقنة ومنفتحة على تقنيات التعبير الحديث، إضافة إلى دمجه بين التخييل والغرائبية والسرد البصري.

في هذه الرواية الاستباقية (تدور أحداث الحبكة في عام 2021 ويبدو المكان مشابهاً جداً لظروفنا) ، يقوم الروائي بتدوير شخصياته في بعد رابع ،إذ يفتح بابه نحو السماء. على متن طائرة تهتز بسبب الاضطرابات بعد عاصفة عنيفة ..وبعد ثلاثة أشهر ، يلتقط الجميع خيوط حياتهم ويكتشفون أنه خلال حادث الأحوال الجوية حدث انحراف وشذوذ سيغير حياتهم وعالمهم ، وهكذا تمتلك هذه الرواية الفلسفية ألف وجه حيث يقدم الكاتب من خلالها غذاءً فكرياً للعالم من خلال انطباعات ركاب الطائرة حول الحدث الذي قلب حياتهم رأساً على عقب ومنهم بليك ، قاتل محترف ، وسليمبوي ، موسيقي نيجيري مثلي الجنس ، وجوانا ، محامية طموحة وملتزمة ، وأندريه ، مهندس معماري يبلغ من العمر سبعين عاماً وشريكته لوسي ، أصغر منه بكثير ، وديفيد ، يعاني من ورم.في البنكرياس ، ولكن أيضاً صوفيا ، وهي فتاة صغيرة مدمنة ،حيث يرسم الكاتب بلمسات صغيرة حياة حفنة من البشر ، ويشرح أسرارهم الأكثر حميمية ، من خلال مواجهتهم بحدث مذهل ، ويمكن القول إن فكرة السيناريو هذه ممتعة بقدر ما هي مثيرة للاهتمام وتسمح للكاتب بوضع شخصياته أمام أنفسهم ، بالمعنى الحرفي والمجازي.

ومن خلال معرض غني بالشخصيات ، يتعامل الكاتب مع مواضيع متعددة ، مثل الحرب أو المرض أو الاعتداء الجنسي أو العلاقات الرومانسية أو حتى المشكلات البيئية. ومع هذه الرواية الكورالية ، يستمتع بالأكوان والأنواع الأدبية ، ويتنقل بين الشخصيات من الروايات المثيرة إلى الروايات النفسية ، بما في ذلك الخيال العلمي ، أو حتى روايات التجسس.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top