مع انتهاء عام 2020 ماذا كشف لنا وباء كورونا ؟

مع انتهاء عام 2020 ماذا كشف لنا وباء كورونا ؟

ترجمة: أحمد الزبيدي

اذا قيض لنا ان نختار المشاهد الاكثـر تميزا لعام 2020 الذي شارف على الانتهاء والذي يعتبر عام فيروس كورونا الذي قلب عالمنا رأسًا على عقب فما الذي يمكن ان نختار يا ترى ؟

هل ستكون مناظر الناس في الربيع والصيف الماضيين وهم يقفون في شرفات منازلهم لتحية الأطباء والممرضات ؟ أو مشاهد اولئك الاشخاص الذين اضطروا للبقاء في بيوتهم بسبب حظر التجوال وهم يغنون لبعضهم البعض عبر شرفاتها في طقوس بدت غريبة حينها كما هو حال فكرة "الإغلاق" ، التي اصبحت فيما بعد شيئا عاديا ؟

ام شاشات الكومبيوتر التي باتت تشبه رقعة الشطرنج حيث تتوزع فيها وجوه الناس وهم يتحاورون فيما بينهم حيث أصبحت تلك هي الوسيلة الرئيسية للتواصل وجهًا لوجه مع أولئك الذين لم يعيشوا تحت سقف واحد؟ ام مشهد الأطفال الصغار وهم يلوحون من خلال الزجاج للأقارب المسنين؟

أو ربما تلك الاخبار التي تبعث على الأمل بشأن اكتشاف لقاح لكورونا ، حين بدا ان الأسابيع الأخيرة من العام تعد بنهاية هذا الوباء. وقد تكون صور ماغي كينان ، المرأة البالغة من العمر 90 عامًا ،والتي اصبحت أول شخص في العالم يحصل على اللقاح هي المشهد المميز في هذا العام أم هي: مشاهد جنازات الموتى بسبب الوباء والتي لا يحضرها سوى عدد قليل من الاشخاص ، فيما يظل المعزين بعيدين عن بعضهم البعض هذا إذا سُمح لهم بالحضور أصلا. أم منظر العائلات الفقيرة جدًا ، والتي زاد تفشي الوباء من حرمانها وهي تتسابق للحصول على السلات الغذائية، حتى أن أطفالها كانوا يمزقون الأكياس للحصول إلى الطعام قبل أن يصل موزعي تلك السلات الى عتبة منازلهم .

وربما يكون منظر كمامة الوجه ، الذي كان يبدو في يوم من الأيام غريبًا ومخيفًا ولكنه أصبح شائعًا الآن. وربما تكون تلك العلامات التي تم ربطها بأعمدة الإنارة أو تم تحديدها على الممرات في الحدائق العامة ، لتذكيرنا بضرورة التباعد فيما بيننا بمسافة لا تقل عن مترين. أو ربما سيكون الرسم الكارتوني للفيروس المخيف نفسه ، والذي كان محاولة لجعل غير المرئي مرئيًا: حيث يظهر لنا الفيروس على شكل ، برتقالة مبتسمة مرصعة بالاشواك.

لكن هناك شيء آخر. سيكون من المناسب ان نجعله رمز هذا العام الذي شارف على الانتهاء. لأنه سيذكرنا بما فعله الفيروس التاجي بنا وبالعالم.ويمكن ان يكون هذا الشيء عبارة عن عدسة مكبرة. فقد ادخل هذا الفيروس الذي حصد الكثير من الأرواح ، مفردات جديدة الى حياتنا مثل - التباعد الاجتماعي و مناعة القطيع – وهو لم يعيد تشكيل المشهد العالمي بقدر ما كشف عما كان موجودا في عالمنا بالفعل ، أو ما كان يتشكل فيه بشكل خفي غير ظاهر لنا.

لقد كان وباء كورونا، ، بمثابة عدسة تمكنا من خلالها من رؤية سياساتنا وكوكبنا وأنفسنا بوضوح جديد وصادم. لقد جعل من عام 2020 عامًا للرؤيا ، حتى لو لم يكن ما تم الكشف عنه جديدًا كما قد نتخيل.

ربما كان ذلك الامر أكثر وضوحا عندما يتعلق الامر بقادة العالم. ورغم ان الفيروس أجبرالمليارات من الناس على تغطية وجوههم ، الا انه مزق القناع عن الكثير من قادة العالم. بطبيعة الحال ، كانت الحالة الأكثر خطورة هي حالة دونالد ترامب. في نهاية العام الماضي ، اعتقد الكثير من المراقبين الحكيمين للولايات المتحدة أن عام 2020 سيشهد انتخاب ترامب لولاية ثانية. . كان الاقتصاد مزدهرًا ، وعلى الرغم من كل تجاوزات ترامب ، كانت الدلائل قوية على أنه سيشق طريقه نحو النصر.

لكن وباء كورونا كان بمثابة عدسة مكبرة سلطت الضوء على ترامب ، فوسعت من أخطائه حتى أصبحت مخيفة للغاية بحيث لا يمكن الفكاك منها. لقد أظهر أنه يفتقر حتى إلى أكثر أشكال التعاطف بدائية: لم يعبر ولا مرة واحدة عن القلق أو الحزن الذي كانت تشعر به أمته ، حتى مع ارتفاع عدد القتلى في الولايات المتحدة. لقد أظهر أنه غير أمين ، وأصر على أن الفيروس على وشك "الاختفاء" وأنه "سينتهي" عندما يصبح الطقس أكثر دفئًا ، وأنه "يتلاشى" ،وان اميركا "ستنتصر عليه" على الرغم من أن معدلات الإصابة كانت ترتفع بشكل كبير. وأظهر لنا الوباء أن ترامب يحتقر الحقائق والعلم ، ويناقض ويقوض بانتظام جهود الأطباء الذين يبحثون عن افضل اساليب التعامل مع الوباء في الولايات المتحدة ، بما في ذلك الاختصاصي المخضرم في الأمراض المعدية ، الدكتور أنتوني فاوتشي ، أحد الوجوه المميزة لعام 2020. وقد حث ترامب أنصاره على. "عدم التقيد" باجراءات الإغلاق ، حتى مع تفشي المرض. وفي مرحلة ما ، اقترح ترامب على الأمريكيين محاربة الفيروس عن طريق حقن أنفسهم بالمطهرات.

كان مقتنعًا بأن الاقتصاد المزدهر سيحقق له فوزا في الانتخابات ، وكان مصممًا على التظاهر بأن الحياة يمكن أن تسير كالمعتاد ، وأن ارتداء الكمامات والالتزام باجراءات التباعد كانت وسائل يستخدمها الجبناء والفاشلين. حتى عندما أصيب بالفيروس ودخل المستشفى في تشرين الأول ، ظل متمسكا برأيه ..

وهكذا ظل الأمريكيون يموتون ،و ارتفع العدد اليومي لوفيات كورونا إلى أكثر من 3000 فرد في أوائل هذا الشهر – وهذا يعني ان امريكا تفقد في كل يوم ضحايا بقدر ما فقدته في حادثة بيرل هاربور او الحادي عشر من ايلول – وان مجموع ضحايا الفيروس في طريقه للوصول إلى 300000 شخص بحلول نهاية العام. تراجع الاقتصاد وخابت توقعات ترامب بحدوث انتعاش فيه وخسر ترامب الانتخابات التي كان يبدو يومًا ما أنه مستعد للفوز بها. لقد قضى الوباء عليه. وتحت عدسة كورونا ، تلاشت صورة ترامب.

لم يكن ترامب سوى المثال الأكثر سطوعا للنمط الشعبوي من القادة الذي أصبح من الممكن التعرف عليه في جميع أنحاء العالم.فهم يستخدمون الألفاظ الشعبوية ، ويتفاخرون بانفسهم ويهاجمون الخبراء في كل ميادين المعرفة والعلم، ويتخيلون أنفسهم احرارا من التقيد بقوانين الواقع ، كان أدائهم سيئا في مواجهة تهديد حقيقي لحياة الناس مثل فيروس كورونا ، وهو تهديد لا يمكن مواجهته بتنظيم مسيرة جماهيرية ، او بتوجيه الإهانات والشتائم أو بالقاء النكات. بل ان العديد منهم اصيب بالفيروس ، وكان بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا وغااير بولسونارو رئيس البرازيل من اوائل القادة الذين اصيبوا به . لكن بلادهم عانت منه أيضًا. وحجزت بريطانيا والبرازيل أماكن غير مرغوب فيها في قائمة الدول العشرة الأولى في عدد الوفيات بالفيروس، حيث يقاس إجمالي الوفيات بسبب فيروس كورونا بالنسبة لحجم السكان. في وقت كتابة هذا المقال ، فان بريطانيا هي خامس دولة في العالم في عدد الوفيات، وذلك بفضل معدل الوفيات البالغ 873 لكل مليون شخص.فيما احتلت ألمانيا ، التي تقودها عالمة الأبحاث الكيميائية أنغيلا ميركل ، المرتبة 56 عالميا ، بمعدل وفاة 200 لكل مليون شخص.

لم يكن أي من هذا أمرا جديدًا تمامًا. فحتى قبل انتشار الوباء ، كان من الواضح أن ميركل وقادة آخرين قدّروا الكفاءة التكنوقراطية الهادئة بينما كانت إدارة جونسون مبنية على الشعارات والأساطير والخطابات والوعود ، مفضلة ولاء الافراد لها على الأجراءات الشاقة للحكم الرشيد. لكن وباء كورونا سلط الضوء على هذا التباين.

تعامل جونسون وفريقه مع الأزمة بحماقة مذهلة. وحتى حين كان الإيطاليون يصرخون من أسطح منازلهم بأن الفيروس في طريقه ليفتك بهم وأن عليهم القيام باجراءات الإغلاق ، كان جونسون لا يزال يتفاخر بالمصافحة وإعطاء الضوء الأخضر للتجمعات الجماهيرية ، سواء في مباريات كرة القدم أو حفلات موسيقى البوب – وهي الأحداث التي ارتبطت جميعها لاحقًا بارتفاع العدوى. كان كل من لديه شهادة جامعيةفي العلوم يعلم أن الإغلاق يجب أن ينفذ عاجلاً أم آجلاً ، لكن الحكومة اختارت لاحقًا - التأخير الذي ، لو تم تجنبه ، كان من شأنه أن ينقذ حياة ما لا يقل عن عشرين الف شخص .

حتى بعد أن تم الإغلاق ، حدثت اشياء غريبة.فخلال الموجة الاولى من الوباء سافر: ما يصل إلى 20 مليون شخص جوا إلى المملكة المتحدة ، دون ان يتعرضوا حتى الى أبسط الفحوصات. وعلى الرغم من وعود الحكومة بانه ستقوم "بحماية" المسنين ، كان العكس هو الصحيح. تم إخراج المسنين من المستشفيات وإعادتهم إلى دور الرعاية دون أن يخضعوا لاختبار الاصابة بالفيروس.

قضى العديد من البريطانيين ، مثل نظرائهم في الولايات المتحدة ، جزءًا كبيرًا من عام 2020 وهم يلعنون سوء حظهم الذي جلب لهم مثل هذه القيادة الرديئة المؤسفة في وقت تم فيه تذكيرهم من جديد بمدى أهمية ان يمتلكوا قادة كفوئين. لقد تمنوا ان يكون لهم قادة من أمثال ميركل أو جاسيندا أرديرن في نيوزيلندا – اللتين تتميزان بالثبات والرصانة والجدية - كما زاد اعجابهم بالتعامل الناجح مع الفيروس في كل من كوريا الجنوبية أو فيتنام أو تايوان ، حيث كان إجمالي عدد الوفيات في هذه الدول 526 و 35 و 7 على التوالي ( مع التذكير أن الفيروس ضرب كوريا الجنوبية مبكرًا). كان التناقض صارخًا مع إداراتهم التي يفترض أنها كانت تقود" افضل دول العالم".

اما اذا توسعنا في الصورة عالميا ، فان وباء كورونا قد زاد من حجم الهوة بين الأغنياء والفقراء.و اصبح الأثرياء أكثر ثراءً. بالنسبة لفئة المليارديرات ، كان عام 2020 عامًا رائعًا ، حيث تجاوزت ثرواتهم مبلغ 10.2 تريليون دولار في الصيف الماضي - وهي زيادة هائلة عن العام السابق ، وكان في المقدمة جيف بيزوس مؤسس موقع أمازون ، الذي امتلأت جيوبه بالمال جراء الوباء بسبب اعتماد الناس على خدمة التوصيل للمنازل التي أبتكرها. في عام 2020 ، أصبح أول شخص يمتلك ثروة شخصية تزيد عن 200 مليار دولار ، ويتضخم هذا المبلغ في كل مرة يفضل فيها شخص ما ، في مكان ما ، اللجوء الى خدمة التوصيل المنزلي بدلاً من ارتداء الكمامة والذهاب إلى المتجر لشراء ما يحتاجه.

ومع ذلك ، كان عام 2020 أيضًا هو العام الذي استخدم فيه البريطانيون بنوك الطعام بأرقام قياسية ، وهو العام الذي اصطفت فيه آلاف السيارات في دالاس ، في ولاية تكساس ، للحصول على "معونات غذائية" ، مع انتظار حوالي خمسة وعشرين الف شخص في الطابور في يوم واحد . لطالما كان ارتفاع معدلات البطالة ، والافتقار إلى وظائف جيدة وآمنة وذات أجر جيد وبدوام كامل ، مشكلة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.لكن وباء كورونا فاقم من الامر وحوله شيء أكبر: البطالة الجماعية ، وعلى نطاق لم نشهده منذ عقود.

ومع ذلك ، قدمت هذه السنة التي يمكن اعتبارها سنة فيروس كورونا لمحة عن كيف يمكن أن تكون الأمور مختلفة. تساءل الباحثون البيئيون عما إذا كانت "الاستجابة العالمية لـ وباء كورونا يمكن ان تعلمنا أيضًا العمل معًا من أجل إنقاذ الأرض من آثار تغير المناخ العالمي". وأفاد بعض الباحثون،ان الاهتمام بقضايا المناخ زاد نوعا ما وهذا "دليل على أنه يمكن إجراء تغييرات اجتماعية واسعة النطاق بسرعة كبيرة - إذا عمل الناس مع الحكومة لتحقيق نفس الهدف البسيط". إنها فكرة تبعث على الأمل. إذا تمكنا من إظهار نفس التركيز في مواجهة تهديد مستمر وتدريجي ،وهو أزمة المناخ ، كما فعلنا في التعامل مع خطر مفاجئ وفوري مثل كورونا .

وكانت هناك نتائج اخرى للجائحة - وهو الشعور بالوحدة. حرمت الحرب ضد الفيروس الناس من الاتصال البشري الأساسي ؛ أصبحت عبارة "التباعد الاجتماعي" واقعا حقيقيا للغاية. بعد أسبوع واحد فقط من الإغلاق ، ارتفعت نسبة البريطانيين الذين أبلغوا عن نوبة من الشعور بالوحدة من واحد من كل 10 إلى واحد من كل أربعة. وهذا بدوره غذى جوعًا عميقًا للعمل الجماعي.

ومع ذلك ، سمح لنا الوباء أن نتعلم مرة أخرى من هم الذين يجب ان نقدرهم أكثر. إلى جانب العاملين في مجال الرعاية الصحية ، كان العلماء هم أبطال العام – وقد اتضح لنا انه لم يكن لدى البلاد ما يكفي من الخبراء. وبدأنا نحثهم ، ونتوسلهم ، لابتكار لقاح يقينا من الوباء وقد نجحوا اخيرا في اكتشافه بشكل لا يصدق وبسرعة غير مسبوقة.

لقد تعلمنا من كل ما فاتنا. ان نعيش بدون حتى إمكانية الذهاب إلى الحانة ؛او قضاء ليلة من الضحك في المسرح. او ذرف الدموع في صالات السينما أو الاستمتاع بإثارة الموسيقى الحية ؛ او الصراخ في ملعب كرة القدم ؛ أو التمتع بتناول وجبة طعام مع الأصدقاء ؛ او قضاء بضع ساعات مع والديك أو أطفالك ؛ أو عناق بسيط بلا كلمات - كان هذا النوع من الحياة صعبا وخاليا من المعنى. كنا نتوق لان نعيش تلك الملذات مرة أخرى.

لقد قضى الوباء على العديد من الأرواح ، لكنه ذكرنا أيضًا بماهية الحياة: الفرح البسيط بالتواجد مع أشخاص آخرين ، قريبين بما يكفي لان نلمسهم. ومثل العدسة المكبرة الموضوعة فوق كل واحد منا ، كشف الفيروس ما هي أكبر نقاط ضعفنا ولكنها أيضًا أثمن نقاط قوتنا: حاجتنا لبعضنا البعض.

عن الغارديان

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top