هل ما زالت الورقة بيضاء؟

آراء وأفكار 2020/12/19 06:51:05 م

هل ما زالت الورقة بيضاء؟

 د. أثير ناظم الجاسور

في أيار من هذا العام تبنت حكومة مصطفى الكاظمي ما عُرف ببرنامج الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي التي تقع على عاتقها وضع معالجات للتعثرات الاقتصادية التي أدت إلى بناء سياسات اقتصادية خاطئة ساهمت في إضعاف العراق اقتصادياً وهددت بانهيارات متعددة من جراء سوء الإدارة الاقتصادية للبلاد،

بالتالي فان هذه الورقة كما جاء في مقدمتها على أنها تقرير نهائي لخلية الطوارئ للإصلاح الاقتصاد في العراق، والسؤال هنا هل تستطيع هذه الورقة بمحتوياتها التي تعطي الأمل أن تحقق قدراً أقل من الإصلاح على أقل تقدير؟، مشكلة العراق وتعقيد التركيبة السياسية والاقتصادية تجعل من أي مشروع إصلاحي سياسي كان أم اقتصادي صعب التحقيق لاسيما وإن هذه الورقة وغيرها تستهدف محتوياتها نفوذ أحزاب وتيارات قد تتعرض للخطر من جراء تطبيق هذه المفردات.

بالرغم من أن العراق يعاني من خلل بنيوي في مؤسساته الاقتصادية والمالية وبشكل واضح إلا أن علل الوقت الحاضر هي ناتج تراكمات السنوات السابقة من هدر المال العام وتعزيز الفساد وتحصينه واسناده حزبياً وسياسياً، بالتالي فإن عملية الإصلاح هذه تتطلب جملة من الخطوات الجريئة التي قد يعده البعض انتحاراً سياسياً من قبل أي حكومة قد تطرق أبواب الفاسدين، لأن هذا الإصلاح بالمقابل لا يأتي إلا من خلال إرادة حكومية بالإصلاح، فطيلة سنوات سيطرة الأحزاب لم تعمل على خلق بيئة مناسبة لأحياء الاقتصاد والعمل التجاري والاستثمار على اعتبار العراق بيئة أو أرضاً طاردة لرأس المال الذي يبحث عن أرضية أمنة لاستغلالها، فالكل يعرف وخصوصاً أصحاب رؤوس الأموال ( المستثمرين – الشركات) أن رأس المال لا يستقر في أرض غير مستقرة، خصوصاً وإن الدولة خرجت عن السيطرة على كل تفاصيل هذا العمل بعد أن سيطرت الأحزاب ولجانها على كل شاردة وواردة فيما يخص الاستثمار.

من جانب آخر لم تستطع الدولة من خلق بيئة اقتصادية تنافسية مبنية على أسس علمية تتماشى مع السياقات والقياسات العالمية، وفي نفس الوقت لم تحدد طبيعة النظام الاقتصادي للدولة وطريقة الاعتماد والتبادل إلخ.... من الإجراءات الأخرى، لغاية اللحظة عندما يسأل المواطن ما نوع وشكل اقتصاد بلده تجده في حيرة من أمره لأنه لا يستطيع تحديد اقتصاده هل مازال اقتصاداً اشتراكياً أم تحول للسوق الحر والخصخصة أم ماذا، هذا إذا ما استبعدنا أن الاقتصاد العراقي ريعي متقلب مع تقلبات السوق النفطية العالمية والذي بدوره سيحدد مصير الدولة في هذا الجانب، وعليه فإن الورقة البيضاء التي يُعول عليها بإصلاح النظام الاقتصادي تواجه اليوم تحديات كبيرة أهمها الوضع السياسي المضطرب الذي بالضرورة يخلق بيئة أمنية غير مستقرة تساهم في نفور المستثمرين ورؤوس الأموال إلى جانب التأثيرات الخارجية على عملية خلق بيئة استثمارية في العراق سواء بالتدخل المباشر أو من خلال الأدوات الداخلية، عدم قدرة الدولة على بناء أرضية تنافسية تجعل من القطاع الخاص الذي باستطاعته بعد ان تهيأ له الظروف المناسبة من امتصاص زخم اليد العاملة التي ساهمت في ترهل المؤسسات بعد ان عملت الأحزاب على استثمار ظاهرة (التعيين) لمكاسب سياسية وانتخابية الخ .... من الوسائل غير المنطقية في إدارة الدولة، بالتالي كان من الممكن أن يكون القطاع الخاص الضامن الأكثر استقرار في ضمان فرص العمل للعديد من الشباب الخريجين الباحثين عن فرص العمل. 

بالمحصلة إن الورقة البيضاء التي دعي اليها من قبل رئيس الوزراء ستبقى حبيسة الأوراق إذا ما كانت هناك إرادة حقيقية في التطبيق وهذا لا يتحقق إلا إذا تم التعامل مع الواقع العراقي بمنتهى العقلانية، لأن الإجراءات التي نشاهدها ونلتمسها يومياً ما هي إلا إجراءات بعيدة شكلاً ومضموناً عن النية الحسنة بالبناء من قبل جميع الأحزاب والقوى التي تعد نفسها صاحبة قرار في العراق، إلى جانب ضعف الإرادة في قضية محاربة الفساد واسترجاع الأموال والبدء في عملية المصارحة والوضوح مع المواطنين. 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top