 ترجمة/ حامد احمد

من وراء نوافذ مكتبه المضادة للرصاص في الموصل، يتطلع المحافظ نجم الجبوري الى واحدة من أشد تحديات اعادة حياة جديدة لمدينة في العالم. حيث ان نصف المدينة كان قد دُمّر خلال الحملة العسكرية لتحريرها من داعش قبل ثلاث سنوات مضت وما يزال اغلبها يعيش خرابا.

الجبوري، الذي كان سابقا برتبة فريق، كان قد شارك بعمليات التحرير ويعرف مدى الدمار الذي لحق بالمدينة حتى آخر مرحلة من مراحل محاصرة مسلحي تنظيم داعش وانهاء الخلافة المزعومة فيها.

اليوم وبعد ان استبدل بذلته العسكرية باخرى مدنية وربطة عنق، يشرف الجبوري 65 عاما على حملة جديدة يقنع فيها العالم بان الموصل تعتبر الان مكانا آمنا للعيش ومفتوحة للعمل التجاري والاستثمار.

وقال الجبوري لصحيفة التلغراف البريطانية مستذكرا السنوات التي قضاها في أحد أحياء واشنطن: "عند الثالثة فجرا لا تجد ناس تمشي في شوارع واشنطن او العاصمة البريطانية لندن أما هنا فتجد ناس في الشوارع في هذه الساعة. استطيع ان اقول لك بان الموصل الآن آمنة كما هو حال الأمان في أميركا".

وفي رده على استفسار المراسل عن سبب وجود جدران كونكريتية حول مبنى مكتبه ووجود العشرات من الحراس لحماية المقر، قال الجبوري "ليست هناك مشكلة في ذلك، ولكنني استطيع التجول بدون حراسة وسترى بنفسك عند تجولنا في السوق بان الموصل مدينة آمنة".

وقال الجبوري انه غادر الى واشنطن خلال العام 2008 بعد ان تعرض لعدة محاولات اغتيال عندما كان يشغل منصب قائممقام تلعفر وبقي في الولايات المتحدة الى عام 2015 عندما استدعاه في حينها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي للعودة والمشاركة في عمليات تحرير الموصل.

وقال الجبوري "أنا فخور بانني ساعدت في تحرير الموصل من تنظيم داعش الذي يُعد أحد اعنف المافيات في العالم، ولكن عندما رجعت وجدت كل شيء مدمر، كانت بمثابة صدمة كبيرة".

وتقول الصحيفة البريطانية بان مهمة اعادة اعمار الموصل تعد مهمة مهولة، مشيرة الى ان اكثر من 8000 بيت قد تم تدميره اثناء المعركة، وان اغلب احياء المدينة القديمة حيث بقي فيها داعش لآخر رمقه، ما تزال تبدو وكأن زلزالا مدمرا قد حل بها.

تفشي وباء كورونا عرقل جهود اعادة الاعمار، وتدهور أسعار النفط يعني بان المحافظة تتلقى من الحكومة المركزية اقل من التخصيصات المالية المتوقعة. وقال الجبوري "خبراء يقولون باننا نحتاج الى ما لا يقل عن 15 مليار دولار لغرض اعادة الاعمار، ولكننا في الوقت الحالي نحصل فقط على 0.5 نصف مليار دولار في السنة فقط"، مشيرا الى ان المحافظة تسعى الى اعادة اعمار الجسور في المدينة.

رغم انه في الوقت الحاضر تعد هجمات داعش نادرة الحدوث داخل مدينة الموصل والفضل في ذلك يعود للاجراءات الامنية المكثفة مع انتشار نقاط التفتيش فيها، فان التنظيم ما تزال لديه خلايا نائمة في المناطق المحيطة بمدينة الموصل، وفي تاريخ 13 كانون الاول الحالي اعلن الجيش العراقي عن مقتل 42 مسلحا خلال غارات شنها على مخابئ وكهوف لهم جنوب الموصل.

ويقول مراسل التلغراف انه اثناء تجواله مع محافظ الموصل في السوق تقدم كثير من الاهالي بشكاوى طالبين مساعدة لحل مشاكلهم، وهو مؤشر يدل على بيروقراطيات الحكومة العراقية وجانب المحسوبية الشخصية التي ما تزال تبدو الطريقة الوحيدة لقضاء حوائج الناس في هذا البلد. احدى النساء شكت بان ابنها اودع السجن عن طريق الخطأ للشكوك بانه كان يساعد داعش. ويقول شرطي سابق طرد من عمله بسبب جنحة، بان مديره طلب رشوة لكي يعيده للوظيفة. وكثير من أهالي آخرين تقدموا بمناشدات للحصول على تعيين أو الحصول على علاج طبي لأمراض مزمنة وقسم آخر طالب بخدمات بلدية افضل.

بشار كنعان 32 عاما، تقدم بشكوى بان جثث مسلحي داعش وجثث مدنيين آخرين ما تزال مدفونة تحت انقاض في حيهم السكني.

وقال كنعان "كان من المفترض ان يتم انتشال هذه الجثث قبل فترة طويلة، ولكن هذا لم يحصل". 

وقال الجبوري "بعض الاحيان تكون الامور صعبة فيها لانه ليس بالمقدور فعل شيء. لا أستطيع منح وظيفة لكل شخص، هذا ليس بالامر الصحيح، ولكنهم اهلنا ونسعى لمساعدتهم".