قحطان جاسم جواد
عدسة/ محمود رؤوف
عادت المدى لعقد ندوات الاحتفال واستذكار رموز العراق الثقافية والفنية وسط فرح غامر من الجمهور. وقد اختارت هذه المرة الفوتوغرافي هادي النجار وكتابه الفخم(هاي النجار.. ذاكرةالصورة.. متعلقات الزمان والمكان) وهو قراءة نقدية وفوتوغرافية كتبها الناقد جاسم عاصي لاعمال الفوتوغرافي هادي النجار.
النجار صانع رؤى وحكايات
وهادي النجاربدقة مصور مهم جدا يمتلك قدرة هائلة على انتاج الصور بالاسود والابيض بوضوح قل نظيره وبرؤية خاصة في التقاط الموضوعة واللقطة النادرة، بالاضافة الى قدرته في اختيار زوايا المنظور وطريقة التعريض الضوئي ثم لاحقا عملية الغسل والطبع النهائية للصورة لتكون لدينا مواضيع وحكايات من صميم واقع حياة الانسان العراقي. بدايات هذا الفوتوغرافي تهتم باللقطة المعتمدة على الظل والضوء اي العمل على التصوير بالاسود والابيض لتعطي للنجار مدى بعيدا في التصرف بانتاج الصورة خصوصا انه يقوم بانتاجها داخل غرفة مظلمة. واستمر النجار متمسكا لفترة طويلة بالصور بالابيض والاسود لانها تعطيه حرية اكبر في التعبير واسهل بالانتاج التقني عن الصور الملونة.
تجربة متميزة
ولاهمية تجربة هذا الفوتوغرافي اقامت المدى بعد عودة جلساتها باحتفال كبير له ولكتابه الموجود حاليا في منافذ مكتبات المدى. وشارك في الاحتفاء الفوتوغرافي الرائد هيثم فتح الله صاحب دار الاديب التي طبعت كتاب النجار وكذلك الناقد المعروف جاسم عاصي ليسلطا الضوء على الكتاب وتجربة النجار. في بداية الحفل قدم الباحث رفعت عبد الرزاق السادة الحضور وقال "يهمنا في المدى دائما الاحتفاء بالتجارب المتميزة لللادباء والفنانين واليوم نقدم واحدة من هذه التجارب التي تأطرت بنقد بناء وكتاب فخم وجميل وهي تجربة هادي النجار وكتابه ذاكرة الصورة"..
مشروع المحترف الفوتوغرافي
وتحدث الفوتوغرافي هيثم فتح الله وقال:- هذه اول مرة ارى جلسة عن الفوتوغراف بهذه الاهمية لانهم كانوا يضعون الفوتوغراف ضمن المراتب الخلفية في الفنون التشكيلية، لكني ارى اليوم ان الفوتوغراف بات يحتل مكانة متميزة بالحركة التشكيلية في السنوات الاخيرة. واليوم نقدم تجربة مهمة في الفوتوغراف للفنان الفوتوغرافي هادي النجارالذي تعود معرفتي به الى ثمانينيات القرن المنصرم حين اسس مشروع المحترف الفوتوغرافي وقد شدتني كثيرا صوره ولقطاته المذهلة والمعبرة. وبقي مستمرا في تجربته هذه التي كانت بالابيض والاسود. ثم اضطر الى التحول الى التصوير الملون ثم التصوير الرقمي وتكنولوجياته المتعددة. وصوره ظلت وستبقى للاجيال القادمة تمثل تاريخا وارشيفا مهما للمجتمع العراقي واجياله القادمة التي لم تلحق التجربة او تعيشها.. ويضيف فتح الله "ومايميز صور هذا الفنان المهم كما يشير الناقد عاصي بالكتاب انها تمثل وجود الانسان الفقير وحالاته الاجتماعية التي يعيشها". واضاف فتح الله "ان عاصي يفكك الصورة الى عناصرها ويتحدث عن كل عنصر ثم يجمعها باطار نقدي مذهل وهذا يتطلب رؤيا عميقة لفن الفوتوغراف قد لا تجدها لدى غيره اضافة الى الحس النقدي للابعاد الاخرى. وهو مانفتقده بصراحة"، واشار فتح الله الى انه سيعطي للفوتوغراف اهمية خاصة وسيقدمه بكتب انيقة وتصميم جذاب وطبع فاخر لانه يستحق ذلك.
النقد يقول كلمته
وقال الناقد جاسم عاصي مؤلف الكتاب:- صراحة صور النجار جعلتني انا والاخ هيثم فتح الله نفكر كثيرا بانتاج هذا الكتاب لاعطاء فن الفوتوغراف قيمته الحقيقية وجعله يحتل مكانة مهمة في الفنون التشكيلية. وقد قمت بمشاهدة وفحص آلاف الصور ودراستها دراسة معمقة في هذا الكتاب، وهو واحد من مجموعة كتب فوتوغرافية ستصدر تباعا. وتوصلنا الى حقيقة معروفة جدا هي ان الصورة الفوتوغرافية فن قائم بذاته لاسيما اذا احلناه الى عمقه الفلسفي وابعاده الزمانية والمكانية ومكانته كفن تشكيلي ضمن الفنون التشكيلية. بدليل ان كثيرا من الادباء اعتمدوا على صورة لصياغة ادبهم في مجال تفكيك الصورة وصيرورتها ومكامنها منهم الاستاذ محمود عبد الوهاب الذي اعتمد على صورة شخصية في كتابة قصته تاريخ الاسرة وراح يفككها الى عناصرها ويتحدث عن الاسرة واحدا واحدا. وهناك ايضا رواية للكاتب لؤي حمزة عباس اسمها مدينة الصور اعتمد فيها ايضا على الصورة الفوتوغرافية.
وثيقة كفاح الأمين بتسعة مجلدات
اي ان الصورة باتت وثيقة مهمة ودامغة كما فعل الباحث كفاح الامين بوثيقته ذات التسعة اجزاء وهذا المجلد واصدر موسوعته الفوتوغرافية عن بغداد عبر الصور الفوتوغرافية. في هذا المجلد قدم لنا الامين صورا كثيرة توضح طبيعة الاحتلال ولم يكتف بذلك بل صور وثائق عديدة تؤكد ما فعله الاحتلال.عن ما فعله ببغداد التي تؤكد صوره القديمة ان العراق آنذاك كان افضل من خلال الصور المنشورة. اي ان الصورة هي تاريخ وتوثيق ذلك التاريخ. وهي ذاكرة كما تقول سوزان كونتاك ان المصور الفوتوغرافي لايختلف عن الفنان المعماري اي تقصد انها تتعامل مع الفوتوغراف بشكل يمنحه قوة واهمية كبيرة بسبب دوره المهم في التاريخ والتوثيق للحياة لذا تدعو سوزان الى ان نضع الصورة في موضع متقدم من الاهتمام والدراسة والمكانة المهمة في التحليل.
الصورة كالقصة أو الشعر
"وفي هذا المجال الفوتوغرافي لدي كتابين هما العصا والضوء.انا انظرالى الصورة على انها انتاج لعين المصور بالاتحاد مع عين الكاميرا مع عين المتلقي. وهنا يختلف المصور في بواعثه لالتقاط الصورة وبنفس الوقت سيختلف المتلقي باستقباله وتفسيراته للصورة. لان المصور لا يلتقط صورة عشوائية بل وفقا لدراسات مهمة. وعندما انظر الى المرحوم عادل قاسم حين ينظم مساحة الظل والضوء في عدسته تجدنا امام مشهد روائي او قصيدة جميلة لشاعر. من هنا وجدت فكرا كبيرا لديه. اي اقول ان هناك تجارب فوتوغرافية عظيمة في العراق لكنها تفتقر الى القراءة النقدية التي تبرز مكامنها واهميتها. ان اهم قضية في الصورة هي كيفية اختيار اللقطة الفوتوغرافية لانها ليست عشوائية بل تتطلب فكرا وزيارات كثيرة من الفوتوغرافي للمكان قبل ان يصوره كما هو حال القاص او الشاعر حين يريد الكتابة عن مكان ما".
16 كتاباً نقدياً
"والمعرفة هي التي تحفظ الاماكن التالفة في المخ، واذا اشتغلت كل الاجزاء في المخ سوية سيكون الابداع اكبر واعمق كما هو عند المتنبي والجواهري وسواهما. لان المعرفة اما مكتسبة من الكتب او من المشاهدات والحياة. لنعود الى الصورة وهي تتكون من عدة جوانب منها داخل كادر الصورة اي كانما تقرأ الكتاب. واجد فيه وحدتين هما الظل والضوء او الابيض والاسود. وحين اتت الصورة الملونة صار الضوء والبسمة التي بلاغتها اكبر. ان اعمالي النقدية للفوتوغرافيين العراقيين لن تتوقف بل هناك مايقارب 16 كتابا تنتظر في الطريق".
كيف صدر الكتاب
اما الفوتوغرافي المحتفى به هادي النجار فقال:- شكرا لمؤسسة المدى ولزميلي العزيز الاستاذ هيثم فتح الله والناقد جاسم عاصي لما قدموه من عناية واهتمام بتجربتي الفوتوغرافية. تعرفت على الناقد عاصي من خلال كتابه القيم العصا والضوء وكيفية ربطه لقصة النبي موسى والعصا وتصويره للفوتوغراف على انه يشبه هذه الصورة من ناحية جمالية وفلسفية وبصرية، اي انه يعطي تفسيرا آخر للصورة يختلف كليا عن غيره. وانا سعيد جدا بمعرفته شخصيا بعد ذلك. وهو تناول الكثير من اعمالي السابقة في موضوعات مختلفة وهو ما افرحني جدا. وتوجت علاقتنا بمواصلة الاستاذ عاصي بتفحص صوري الاخرى، ورؤيته لاعمالي ولكون الاستاذ فتح الله صديقا عزيزا علي منذ الثمانينيات فقد عرضت عليه كتاب الاستاذ عاصي لمعرفة رأيه به لكنه فاجأني بقوله سأتبنى طبع الكتاب فقام بتبويب الكتاب وفقا لرؤية عاصي والتصميم والطباعة الجميلة والفخمة، واكرر شكري لهما.
السيد عدي اسعد خماس قال "انا متابع لنشاطات الاستاذ فتح الله في عمان عندما كنت دبلوماسيا فيها واشاد بالاعمال التي قدمها النجار في عمان وقال:- ما مستقبل الفوتوغراف في العراق لاسيما ان هناك طاقات كبيرة تكاد ان تكون منسية او لايعرفها احد؟ فاجابه النجار: ارى ان المستقبل جيد جدا لكنه يتطلب منا الهمة في رفع الحيف عن طاقاتنا المبدعة والمنسية من خلال اقامة معارض دولية لهم وبشروط دولية، وكذلك الاهتمام بها من خلال الصحافة والاعلام والكتب وتوجيه سفاراتنا في الخارج للاهتمام بذلك حتى يرى العالم طاقاتنا الحقيقية. كما اهدى السيد سعيد الروضان كتابا له جمع فيه مجموعة من الصور العراقية تعود بتاريخها الى بداية تأسيس الدولة العراقية وكذلك الاربعينيات وهي صور نادرة وتحكي قصة المجتمع العراقي آنذاك.
اترك تعليقك