تجار السياسة والخراب العراقي

آراء وأفكار 2020/12/28 06:56:10 م

تجار السياسة والخراب العراقي

 سلام حربه

السياسة فن الممكن ودراسة وتغيير الواقع السياسي موضوعياً ، كلمة سياسة ترتبط دائماً ببناء الدول والسلطات وتشكيل الحكومات ،والسياسة هي من تصوغ النظام الاجتماعي وهي من تأخذ بيد البلدان والمواطنين ، أما الى الرقي والتحضر والحياة السعيدة أو ترجع بهم الى التخلّف والخراب وتقذف بالمجتمع الى المجهول والجحيم ..

السياسة في العراق عجيبة غريبة فهي إما أن تكون فردية دكتاتورية تُصاغ من قبل قائد أوحد ولا بوصلة لها وتعتمد على مزاج القائد ونرجسيته وأوهامه في البطولة والعظمة ،ما جناه المواطن من هذه السياسة المجنونة الحروب اليومية في الداخل ومع بلدان الجوار والملاحقة والقتل والعيش في المنافي لكل عراقي يبدي رأياً معارضاً ولا يتفق مع فكر القائد وفلسفته ، لقد تم تصفية كبار العقول السياسية ذوي الخبرة والتجربة النضالية لعشرات السنين والتي ساهمت في ترسيخ وترصين الحركة الوطنية لأن الدكتاتورية لا ترى إلا نفسها والآخرون مصيرهم الفناء..

لقد استبشر العراقيون خيراً بسقوط الدكتاتورية والدكتاتور على يد قوات الاحتلال الاميركي عام 2003 وتصوروا أن الديمقراطية التي جاءت بها اميركا ستقوم برسم سياسة حكيمة لهذا البلد ويعاد بناء الدولة العراقية وفق مقاييس المواطنة والعدالة الاجتماعية ويكون للفرد دور في رسم سياسة البلد وهذا ما تنص عليه بنود الديمقراطية المكتوبة في آلاف الكتب التي تبحث في الديمقراطية وآلياتها..لم يتوقع العراقيون أن يتسلط عليهم سياسيون ليس لهم باع في السياسة ، جائعون للسلطة والمال ،والصدفة هي من قذفت بهم في أتون هذا الحقل الملغوم المستعر..السياسي أخطر مهنة في المجتمع ، بامكان الإنسان أن يكون طبيباً ، مهندساً ، تاجراً ، قاضياً ،مدرساً شيخ عشيرة ..رجل دين ، و..و ..لكن أن يكون سياسياً فهذا يعني أن يمتلك مواصفات خاصة وموهبة فذة لأن السياسي هو من يبني البلدان ويرسم حاضرها ومستقبلها وهذا يعني ليس من الضروري أن يكون الطبيب والمهندس وأستاذ الجامعة وغيرهم سياسيون ، فهم قد يبرعوا في اختصاصاتهم ولكنهم قد يفشلوا في مضمار السياسة ، هناك اسماء منهم ناجحة في السياسة ، لأنها تحتاج الى ثقافة موسوعية ومنطق لا يبارى ولف ودوران وتحتاج الى مِران ومختبرات في العمل الإنساني وفي الأحزاب الوطنية وفي منظمات المجتمع المدني ، كما تحتاج أن يكون السياسي قريباً من الناس ومن شرائحهم المتعددة ، يستمع الى أحلامهم وآمالهم ومصاعب عيشهم ويختار اسهل السبل من اجل تحقيقها وتوفير الحياة الكريمة لهم ، كما عليه أن يطلع على تجارب البلدان الراقية ووسائلها في توفير الحياة الكريمة لشعوبها..منذ 2005 وبداية الانتخابات البرلمانية لم يترشح سياسي سوى أعضاء الاحزاب الدينية وأبناء العشائر وشخصيات اجتماعية من الفئة الوسطى تم تكليفها من قبل الأحزاب الدينية مستغلة وجاهتها وأموالها من أجل دعم قوائمها الانتخابية فصعد منذ ذلك التاريخ رجال سياسة اطلقوا على أنفسهم بانهم سياسيو الصدفة واستطاع هؤلاء ، وبسبب الفوضى واختيار المحاصصة الطائفية والاثنية نظاماً سياسياً ولضيق أفقهم المعرفي وولائهم لأحزابهم وطوائفهم وانتماءاتهم العشائرية ، من التجذر في السلطة واحتوائها وبغياب القانون وملامح الدولة سرقوا أموال الناس وبنوا كيانات سياسية وكتل أقوى وأكثر هيبة من الحكومات المتعاقبة نفسها ، هؤلاء الطارئون على السياسة هم من صاغوا المحاصصة الطائفية والتوافقات لأنها انسجمت مع مصالحهم ووجودهم على رأس السلطة..لقد ذاقوا طعم السلطة الحلو وبدأوا يظهرون للمواطن في كل انتخابات فهم يمتلكون السلطة والمال والأحزاب ، بيدهم المليارات من الدولارات والوظائف ووسائل عيش المواطن وطيلة السبعة عشر عاماً لم يتغير أي منهم ، الوجوه هي هي لن يفسحوا مجالاً لأية قوى سياسية معارضة لهم تنتهج نهجاً مدنياً ديمقراطياً حقيقياً وتحاول أن تضع الحواجز والعثرات أمامها وهذا ما لمسه المواطن من قانون انتخابي مجحف ومن مفوضية انتخابات تتشكل من الأحزاب والكتل السياسية الدينية تعمل على تزوير الانتخابات وتبديل اختيار المواطن من أجل أن يبقى الفاسدون في الحياة السياسية الى الأبد..العراق في تراجع دائم واليوم أفضل من الغد وما زال القانون غائباً لأن خدج السياسة من سياسي الصدفة لم يكبروا ولم يتعلموا فنون إدارة الدولة بل ازدادوا غباءً وهمجية ، وأحزاب الإسلام السياسي لا برنامج سياسي أو اقتصادي لها وحتى إن كان لديها برامج في السابق فان قياداتها الجديدة لا تؤمن بأي شي ، إنها تتعامل مع الوطن كالبيت المحروق وكل واحد منهم يحاول أن يحصل على غنيمته من هذا البيت ، دكاكين أحزابهم بلا سياسة ومنطقهم واحد منذ 2003 وحتى يومنا هذا ، "ماننطيها للسلطة" ولم يطرحوا يوماً برنامجاً سياسياً أمام الناس من أجل مناقشة فقراته ، نضالهم الدائم بث سياسة التجهيل ونشر الأوهام والخرافات وكسب ود المؤسسات الدينية حتى يبقى المواطن مربوطاً الى عجلتهم وضمن قطيع يوجهونه كيفما يشاؤون وإن حاول التمرد عليهم يقطعون عليه سبل العيش كما يحصل اليوم في نهايات سنة 2020من سياسة اقتصادية فاشلة بخفض سعر الدينار العراقي ومحاصرة المواطن في رزقه ومعاشه، يسلطون عليه من لا يرحمهم من مليشياتهم وعصاباتهم التي شكلوها بممكنات السلطة وقوانينها وأموالهم التي غنموها..لم تفرز السياسة العراقية قائداً سياسياً محترماً منذ سبعة عشر عاماً فالجميع وقع تحت طائلة الاتهام بالسرقة والاحتيال على المواطن الذي انتخبه ، لا يقبل أي منهم أن يعتزل السياسة أو أن يعترف بفشله وتحمل المسؤولية على ما أصاب المجتمع بسببه ، في كل انتخابات يقولون للمواطن امنحنونا أربع سنين اخرى وسترون ما نعمله لكم وتمضي السنون وحال العراقيين من سيئ الى أسوأ.. ما عمله هؤلاء الطائفيون، حين شاهدوا المواطن يكفر بهم ويحتج عليهم، إنهم سهلوا لبعض أعوانهم تشكيل أحزاب جديدة كي تدخل الى الانتخابات ولكن الكثير من هذه الأحزاب والتي يقدر عددها أكثر من مئتي حزب تعود لهم من أجل استغفال المواطن وجمع العدد الأكبر من الأصوات وقد قاموا بتطعيم واجهة هذه الأحزاب بوجوه جديدة من الشباب والنساء أصحاب الدرجات العلمية ، اكاديميون ،أعضاء مليشيات ،رجال أعمال ، وراقصون على حبال الانتهازية ممن لا ناقة لهم ولا جمل في السياسة وكثير منهم لا يعرف أن يلفظ كلمة سياسة على لسانه ولم يره المواطن يوماً يهتم بأمر ما أو قضية وطنية أو اجتماعية، كل ما يطمحون اليه أن يحصلوا على امتيازات ومناصب لا يحلمون بها اما العراق والعراقيون فليذهبا من بعدهم الى الجحيم.السياسة فن بل وأم الفنون ولا تحتاج الى أعضاء أغبياء فيها ،.عملية التغيير في العراق شاقة فلا أحد مستعد أن يتخلى عن كرسيه رغم أصوات الاحتجاج والتظاهر عليهم منذ أكثر من عشر سنين لكن الفاسدين يضعون الوقر في آذانهم فقد اقسموا جميعاً أن يمسحوا العراق من خارطة العالم وأن يستنزفوا آخر دينار في مصارفه..

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top