نجيب المانع بين الأدب والموسيقى

نجيب المانع بين الأدب والموسيقى

علاء المفرجي

مجموعة من المقالات التي ناهزت العشرين مقالاً، كتبها الأديب والمترجم الراحل نجيب المانع.. وكتب مقدمة لها القاص والدبلوماسي العراقي عدنان رؤوف، والكتاب الذي صدر عن دار المدى أشبه بسيرة ثقافية عبر نصوص تكاد تكون في كثير من الأحيان ضرباً من الاعتراف.

وهي سيرة ثقافية حيث يصوّر نجيب المانع مصادر قراءاته وعلاقته بالموسيقى تصويراً واقعياً، ومن خلالها نتعرف على مصادر المعرفة للأديب الراحل ، التي تنوعت بين الحديث عن موزارت وبتهوفن والاهتمام بأدب مارسيل بروست وشكسبير.

وتضمن الكتاب مقالات مسهبة عن الموسيقى العالمية وأعلامها: باخ. شوبان. شوبرت. بتهوفن. شتراوس. موتزارت. جايكوفسكي. بالديني. فاكنر. روسيني. بلليني. شومان. وبرامز.

يقول الديب عدنان رؤوف في مقدمة الكتاب: تعرفت إلى نجيب ونحن زملاء دراسة في كلية الحقول في أواخر الأربعينات، هالني مقدار معرفته وأعجبت بكمية ما كان يعرف وذهلت لنوعية ما كان يعرف: مقالته عن دوستويفسكي وتولستوي كانت من أروع ما قرأته عن أدب هذين العملاقين ومع ذلك كان هناك من بين أبناء هذا الزمن العربي المشئوم"، في الأدب العربي والأوربي، والموسيقى الغربية الكلاسيكية في الوقت الذي كنت فيه، وأخرين، نعتبر أنفسنا مراجع في هذه الموضوعات."

كان نجيب المانع قد قرأ كل الأدب الروسي ودستويفسكي بصورة خاصة، يقول عن ذلك:" والكثير من الأدب الفرنسي ـ مارسيل بروست ـ بصورة أخص: بقى نجيب يعيد قراءة بروست، مجدداً إعجابه به، حتى لحظة وفاته بالإضافة إلى كل هذا تمتع نجيب بروح من الفكاهة والدعابة ندر أن توجد في عراق حزين قاتم موحش يجدد حزنه كل سنة في اللطم على شهيد كربلاء.

في فصل معنون، (هل في الإمكان تكوين إذن عالمية؟) يشير المؤلف أنه نتيجة ثورة الاتصالات الحديثة المتعاظمة المتزايدة تزايداً هندسياً، صار بإمكان من يعيش في جزيرة بعيدة في المحيط الهادي أن يرى أوبرا لموتسارت في ليلة أدائها مثلما يرى المباريات الرياضية البعيدة. 

فهناك ثورة اتصالات في العالم بحثها كتاب كثيرون وهي تعني حتى الآن مجرد نقل فيزيائي أي صوتي وبصري للبرامج من الغرب إلى الشرق وفي أحيان قليلة جداً من الشرق إلى الغرب. أما الذي نتوقعه من ثورة الاتصالات عند تحقق نضجها فهو فهم اللغة الكامنة في تراث الشعوب كما يفهم كل شعب لغته وحينذاك يصب الغناء العربي والتركي والهندي والصيني وغيره في بحر متوسط يشبه إلى حد كبير تفاعل حضارات البحر الأبيض المتوسط.

يقول المؤلف فصل (المعمار في موسيقى بيتهوفن) أريد هنا أن أذكر جانباً مهماً من تفكيره الموسيقي وهو هيمنته العجيبة على المعمار الصوتي فلا أعتقد أن هناك موسيقياً يجاريه في البناء والتركيب وبلاغة الصياغة وتنامي اللحن من بدايته إلى نهايته المنطقية.

وعن فن الأوبرا يشير نجيب المانع بإن الأوبرا هي كل الفنون أو إن الأوبرا هي قمة الفنون حسب قوله وقول أخرين، ولا أجري على غرار من يظنون أن الأوبرا فن غربي خالص قائلين إنها مثل العلم الغربي والتقدم الصناعي الغربي متقدمة على ما في الشرق من علوم وصناعات وفنون فلا يصل إليها المشارقة.

ويقول في احدى مقالاته عن اوبرا (أرابيلا) لشتراوس:" وقد شغفت بصوتها منذ أن ظهرت على ساحة التسجيل ثم رأيتها على خشبة الأوبرا قبل بضع سنوات في كوفنت جاردن تؤدي دور المارشالين في أوبرا ريشارد شتراوس أيضاً وهي المسماة «فارس الوردة» أشهر وأعذب أعماله."

وتضمن مقالات أدبية في مختلف فروع الأدب، إضافة الى مقالات أخرى.. يقول في مقاله (دفاعاً عن النثر) :" ليس الناثرون في ظن العامة وحتى بعض الخاصة سوى فلاحين يحرثون أرض اللغة فلا يستنبتون منها سوى جذور يابسة أما الشعراء فهم الإقطاعيون المالكون لأرض اللغة والذين يسومون بسياط سيطرتهم عليها فلاحي النثر المتقاعسين، الشعراء هم ارستقراطيو العبارة، ذوو الحول والطول في نهي الكلمة عن أن تعني كذا وأمر الكلمة أن تكون كيت. نطقهم سام يلقى من الأعالي، إيماءاتهم فخمة حتى إذا كانت متتاخمة، وصوتهم نداء التاريخ."

ويتناول في فصل (الميوعة العاطفية في الأدب والفنون) الميوعة العاطفية لدى الذين يخطبون خطباً حماسية تحمل عبارات ظاهرها حرارة وباطنها جليد مثل «نحن الذين ضحينا بالغالي والنفيس، نحن الذين افترشنا الرمال والتحفنا السماء وعانينا في سبيل مبادئنا، ثم أين كان الذين يتشدقون الآن بأنهم غيارى على المصلحة العامة حين كنا نعاني في سراديب السجون المعتمة؟»، ولا يكون الخطيب قد أمضى في سراديب السجون المعتمة أكثر من اللحظات التي أمضاها لينين قبل أن يتمتع بأمان الحياة في سويسرة وباريس وانجلتره، باعثاً رسائله «من بعيد» إلى الذين يقع عليهم العذاب الحقيقي في روسيا.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top