TOP

جريدة المدى > عام > الحضور اليومي للأسطورة

الحضور اليومي للأسطورة

نشر في: 11 يناير, 2021: 08:03 م

ناجح المعموري

الأمّ الأولى قادت الحياة واقترحت ما لم يعرفه أحد من قبل . وكانت جوهرة الكون التي لوثتها السرديات التوراتية ،

مارست سطواً على الأصل السومري لأسطورة التعارف الأول بين آدم وحواء وبينهما النخلة . وسجلت الختم السومري هذا ابتداء الأصل العراقي للسردية التوراتية الكاذبة . وقدمت اعتماداً على العقل وتنوعات خزانات المخيال نوعاً من التأويلات الكثيرة التي اخضعتها لنوع من جدل التأويل أو اشتباك الصراع . ومثل هذه الدراسات هي تمظهر عن ثقافة عميقة وتنطوي على ذكاء

قاد الوحدات الأسطورية الى عتبة واحدة ، لملمت شبكاتها ، الرمزية ، ووحداتها الطقوسية التي قادت أخيراً للتوصل الى الأصل الحيوي الذي يعرفه الكثير ، لكنهم غير قادرين للوصول الى أمومية الأصل السومري . أنا قرأت في مجال النقد التطبيقي كثيراً وسحبت التأويل للأسطورة على الشعر والسرد والفن الفوتوغرافي ، لأني واثق وليس مقتنعاً بأن الأسطورة في مبدأ الأدب ولكنها أيضا في منتهاه وهذا الذي قاله أبو رخيس اختصر كينونة الأسطورة في بنية لا تنفك ، بل تتكاثف مع مجالها ، وهما المبتدأ والنهاية أنا استغرب من الأخ عبد الكريم السامر ، لأنه اهتم بالنقد الأدبي مع لمحات سريعة عن الجمالية والذوقية لكنه تجاهل كلياً الأسطورة وحفرياتها ؟ وانا واثق بأنه يعرف جيداً بأن للأسطورة حضوراً بصرياً وهذا ما فعله السياب الذي عرف بوقت مبكر بأن الشاعر الحقيقي إذا أراد أن يكون شاعراً ممتازاً ، عليه أن يتخذ الأساطير مادة له . وهذا ما ذهب إليه السياب ولكن لي ملاحظات حول استثماره للأسطورة . مقولة سقراط على الذهاب للأسطورة ، حكمته التي ألمح لها لاحقاً هيراقليطس وكونها بالزمن ، بمعنى تواجدها في عمق الشفوي وارتحاله الى الذاكرة ، أي المكتوب كما قال د. محمد عجينة الذي أكد بحماس على أن الأسطورة هي أصل الحضارة ولا وجود آدمي بمعزل عن الأسطورة حتى الأدب لا سيرورة له بعيداً عن الأدب ، لأنه تشكل وسط الميثولوجيا وأعاد الأدب صياغة ما رغب بها ، لكنه لم يستطع التخلص من التماع الأسطورة المتشذرة في النص ، وقال الأستاذ د. محمد عجينة " إن الأسطورة شكل سردي وتختلف في ذلك عن الرمز أو الصورة الرمزية وليس فيهما سرد . ولكنها ليست نصاً مغلقاً ثابتاً رغم سمته التكرارية ، بل هي قصة محكوم عليها بأن لا نهاية لها ، أي لا نهاية لتحولها . نظرياً على الأقل ، طالما بقيت تتثاقل مشابهة قصة محكوم عليها بأن تكون مرويا للمفارقة ذاتها وغيرها في آن واحد / د. محمد عجينة / حفريات في الأدب والأساطير / ص35//

للأسطورة حضور مهيمن في الأدب وفي السرد دوران تتحكم به الشخوص السردية التي تشرح هذه المهمة وكأنها الشخوص موكولة لها الوحدات التاريخ / المرويات ، ذات الشعرية ، وكأنها تومئ لحلقات التاريخ التي هي سرديات وشعرياته لذا التقتت الدراسات الشعرية مؤخراً للتاريخ وحفرت فيه ما كان غائباً والدليل على ذلك .

الشعرية التي ابتدأت الحديث بها ، هي التي تفضي الحوار نحو التاريخ وهو الذي أوضحته دوريته الجغرافية ، لانها لن تكون بصفتها هذه بمعزل عن محكيات التاريخ الذي يعني وقائع وأحداث الأفراد والجماعات وهي كما قال علي حرب لعبة المعنى الطويلة ، التأويل ، الحفريات والبحث عن المضمر والغائب والمسكوت عنه والتي تشكل معاً محكيات مصاغة من قبل الإنسان وقد تتغير أحياناً وخصوصاً سرديات الجماعات البدئية التي تستجيب للتغيير والتحول ، لكنها تظل محتفظة بالروح الشفوية كما قال د. محمد عجينة وهذه المتحولات لا تتنزع اطارها الميثي ، بل تحتفظ بصفتها المحكية وتمركز رموزها أو صورها الرمزية / د. محمد عجينة / ص39//

علاقتي النقدية مع السرد ، ليست بعيدة عن الأسطورة ، أو محكيات التاريخ ، بل هي وثيقة ، استنبت فيها ما اريد الوصول اليه ومعأودة الحفريات العميقة . لأن الشعرية صعود نحو حلم لابد من العثور عليه وتكشف الأسرار التي ذهب نحوها علم النفس . لذا دائماً ما تواجه القراءة حفريات سهلة وفي أحيان أخرى معقدة ، والتوزع بين السهل والمعقد مكامن السحريات والسريات والرموز المانحة للسرد كل ما يفضي باتجاه السلم والإيمان ، لأن سرد الأسطورة باق في حضن مجازاتها ورمزياتها المتنوعة بدلالاتها ومن قرأ على زيعور ، سيكتشف الاندهاش بالتأويل الذي يصل الى جديد وغير معروف من قبل ، لأن تأويلات علم النفس والانثربولوجيا تصعد ولا تخفض صوتها بسبب المثار المتكتم عليه في وحدات النفس العديدة وتقشرات الميثات . ومثلما قال د. علي حرب : الإنسان إذا كان يعرف بوصفه يرمز ويتكلم ، فان الرمز يحيل دوماً الى الغائب ، كما أن التصور الكلي يحيل الى المأوراء . فمن مميزات الإنسان أن يبتكر بواسطة الحروف والكلمات عوالم رمزية . أي عوالم أخرى ، يقرأ من خلالها وجوده . إذ للكلام بعده الدلالي وبالدلالة يعطى البشر معنى لوجودهم . كما يهبون الأشياء والكائنات معناها أيضاً . فالانسان خالق الدلالات ومولد المعاني . والمعنى يفترض وجود ذات ، ويحيل الى المتعالي ، أما المواضيع فهي صماء ، ووحدها الذوات المتعالية قادرة على الخروج بالوجود من اسر التفاهة والرتابة الى افق الدلالة وميراثها ورحابتها / لعبة المعنى / فصول في نقد الانسان / بيروت / 1991/ ص108//

والحلم هو خصائص الكائن البشري منذ لحظات ابتداء الخلق والتكوين وأنا اعتقد بأن التحولات والتطورات والسيرورات هي عبارة عن أحلام ، بمعنى هي حلقة متواصلة من النمو الحياتي واستكشاف ما هو مطلوب ، نظراً للحاجة التي يجد الكائن نفسه بحاجة قصوى اليها ، لان المرحلة الموضوعية فرضت المطلوب وهكذا تخضع حياة الانسان للضرورات . ومثلما قال المخرج المشهور فلليني " الأحلام هي الحقيقة الوحيدة في الحياة " ولذا أنا دائماً ما اذهب نحو الأسطورة باعتبارها وحدات سردية محكومة برابط مشترك يمسك بسردياتها وتصير حلماً إنسانياً ودائماً ما تكون أحلام الأسطورة شفوية ، هذا ما عرفته الأفراد والجماعات واعتادوا تدأولها وخضعت لسيرورة وتشكلت لها انتظامات استعارت نوعاً من الايقاع المتسيد في الحياة ضمن فعاليات الطقوس والاضفاءات . وضمن هذه التنوعات ، اتسع السرد في الأسطورة ووحداتها وعناصر وظلت تتقشر حتى ارتضت ان تكون حكاية ، لم تتمكن من نزع صفاتها الميثية . هذا ما يعرفه الباحث المتابع للاسطورة في النص الأدبي الشعري / السردي . وهو كذلك في التشكيل حيث يتبدى المبدع بدائياً واكثر ثقافة ، أكثر هدماً وأكثر بناءً ، وأحياناً أكثر جنوناً كما قال فرانك بارون . 

الأسطورة تأخذ الفاحص الى المجهول ، البدئي ، غير المعروف والمألوف . وهنا مكمن السرية والسحرية ، الحقيقة والجمال هذا التداخل هو الجمال الذي تحتضنه الأسطورة وتتباهى به واهدته الى المتصوف ، المجنون والعاقل ، الفنان الذي يرسم كل في حياته شعراً .

في السرد تمظهرات الأسطورة أعقد وأكثر صعوبة مثلما هي التشكيل ، لكنها في التشكيل واضحة ، لأنها مانحة رموزها وهي مفاتيح بيد المتلقي وكما قال د. محمد عجينة : إن السرد شكل سردي . والرمز فيه مثلما الصورة الرمزية بعيدة عن السرد ، لانهما متكتمان ولا ينكشفان عن محكيات لمحات ، بروق ، شفرات وجودها ضمن السياق السردي أو الوحدات السردية يمنحانها طاقة كشف بواسطة الحكي . وأكد د. محمد عجينة : استحالة الأسطورة من حكاية الى مجرد رمز أو صورة رمزية . عندما تفقد الأسطورة صفتها السردية أو تنفجر الى وحدات في شكل فسيفساء فانها تتقلص الى مجرد رمز ، وقد تجمد في شكل تمثال أو توحد في شفرتين شأن " اساف ونائلة " ونلاحظ في هذه الإشارة التي قشرناها من تفاصيلها الشائعة أن ثنائية العاشقين الذين زأولا الجنس المقدس في الكعبة مسخهما الله وغادرا معاً الدينوي وتكرساً في المقدس . لان الأسطورة والدين بشكل عام متخندق في الأسطورة التي لا تتنكر أبداً عن الحكاية المضمونة فيها بوصفها مقدساً . ومثل هذه الحكاية متسترة على حقائق يدنو إليها الكائن ولكن بصعوبة وفيها عصف من الجمال والسحريات والشعائر .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مسرح ذهني للقرّاء

جواهر سينمائية.. توثيق لحياة ثلاثة رموز سينمائية

هيثم فتح الله: تأثيرات الفن التشكيلي على أسلوبي كانت واضحة، بنقل الفوتوغراف إلى لوحة فنية

مسرحية هيكابي.. نظرة في المشهد التمهيدي

الفعاليات غير النفعية مهمة لحياة البشر

مقالات ذات صلة

الفعاليات غير النفعية مهمة لحياة البشر
عام

الفعاليات غير النفعية مهمة لحياة البشر

أدار الحوار: سوزان كروغلينسكي ترجمة: لطفية الدليميتقديم المترجمة:الحوار التالي ترجمة لمعظم فقرات الحوار المنشور بمجلّة Discover بتأريخ 13 يناير (كانون ثاني) 2007، وتمّ تحديثه بتأريخ 12 نوفمبر (تشرين ثاني) 2019 (بعد وفاة منسكي). سيلمس...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram