موسيقى الاحد: كيف يودّع باخ العام؟

موسيقى الاحد: كيف يودّع باخ العام؟

ثائر صالح

كان العام 2020 استثنائياً فقد أثقل علينا بالصعوبات التي طالت الجميع في معيشتهم وصحتهم وعلاقاتهم الإنسانية،

وخسرنا فيه عدداً من الموسيقيين العراقيين البارزين منهم المؤلف عبد الأمير الصراف والفنان متعدد الاختصاصات إحسان أدهم والعازف البارع والمربي القدير أحمد الجوادي.

لكن هذا هو حال البشرية منذ الأزل، وحياة الانسان صراع دائم تتبادل نتائجه بين النجاح والفشل، الربح والخسارة، الولادة والموت. ولم يكن الأمر مختلفاً عند باخ عندما ألّف عملاً يودع فيه عاماً ينقضي ويرحب بالجديد. هذا العمل هو كانتاتا رقم 28 وقدمه يوم الأحد 30 كانون الأول 1725 وقد مضت ثلاثة أعوام على تسلمه وظيفته الجديدة (والأخيرة) كمنشد (كانتور) كنيسة توما بلايبزيج. والمنشد هي مرتبة المسؤول عن المراسيم الموسيقية في الكنيسة.

لم تكن حياة باخ سهلة، فقد عانى كثيراً للحصول على وظيفة تناسب فنه ويعيل من موردها أسرته الكبيرة، حتى وظيفته كمنشد في كنيسة توما سببت له متاعب كثيرة وامتصت قوته وأخذت من صحته الكثير، وبدأت بخلافات مع مجلس البلدية الذي اعتبر موسيقاه غير مناسبة لأنها معقدة، وكذلك بسبب شحة التخصيصات للقيام بأعباء مهماته الكثيرة. فعلاوة على إدارة الحياة الموسيقية في كنيسة توما وثلاث كنائس أخرى، كان يدير مدرسة الموسيقى حيث علم الأولاد الموسيقى وحتى اللغة اللاتينية، أي أن مهامه فنية موسيقية وإدارية بحتة جلبت له الكثير من وجع الرأس، وخلافات مع الموسيقيين. 

أما حياته العائلية فكانت صعبة، إذ توفي الكثير من أولاده في الطفولة، وتوفيت زوجته الأولى باربارا باخ سنة 1720، فتزوج بعد عام ونصف من مغنية سوبرانو معروفة هي آنا ماجدالينا فيلكه فأنجبا 13 طفلاً لم يصل المراهقة منهم سوى 6. وقد تكافلت العائلة بصغارها وكبارها، وبالتعاون مع تلاميذ باخ المقربين وبأقاربه للنهوض بأعباء المهام المتعددة والمتشعبة التي كلف بها، خاصة مساعدته في نسخ المدونات الموسيقية. 

مع ذلك كانت الكانتاتا رقم 28 تفيض بالحمد والقناعة ومليئة بالأمل في عام جديد أفضل من سابقه. تنشد مغنية السوبرانو في الآريا الافتتاحية "ليتمجد الرب، سينتهي هذا العام الآن" لكننا لا نشعر بمن يقول ليذهب العام إلى الجحيم، بل يفيض اللحن الغنائي بالحمد ولا نلمس في لحن الأوبو المرافق مع الوتريات أي شعور بالحزن أو الاكتئاب بسبب العام الذي يقترب من ختامه. الكورال التالي نقل الحمد من المستوى الشخصي (مغنية السوبرانو) الى المستوى الجمعي (الكورس، كل المجتمع) بمصاحبة النحاسيات والاوركسترا هذه المرة مما يضاعف من الشعور بالاحتفال. وتسير الكانتاتا مع أغاني الباص ثم التينور وثنائي الآلتو والتينور على نفس المنحى، فقد باركنا الرب في هذا العام، ونسأله عاماً جديداً سعيدا. وهكذا انتهت الكانتاتا بالكورال الختامي، بصلاة من أجل البركة في العام المقبل.

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top