قحطان جاسم جواد
فقدت الثقافة العراقية مؤخرا شاعرا كبيرا ومناضلا صلبا ورجلا تقدميا هو الشاعر الفريد سمعان الامين العام لاتحاد الادباء العراقيين لاكثـر من 15 عاما. وكان الراحل شاهدا على مرحلة مهمة من تاريخ العراق منذ الاربعينيات وحتى يوم وفاته قبل ايام... وكما قال عنه شعرا الشاعر عامر عبد الامير:التحق الفريد سمعان بقطار الموت/ لم يستقبله الحرس القومي او الثوري/ استقبلته الفتيات الجميلات/ واكليل القصائد المذهبة/ اذكر انك حدثتني/ عن فهد وكانت الشرطة / ترافقه للزنزانة العتيدة/ كنت ترقبه بثقوب بالباب/ غدا سوف يعدم/ على ارصفة العراق المطلية بالدم/ واذكر انك اتيتني بكأس واحاديث عن زمن/ واذكر انك وقفت لتطرد المدججين بالاسلحة/ تدافع عن مقر اتحاد الجواهري/ واذكر انك اهديتني منديلا/ لاكفكف به الدمع/ وانتظر الملائكة لتأخذني اليك. ولاهمية هذا الشاعر المناضل اقام بيت المدى حفلا تأبينيا شارك فيه العديد من المثقفين من اصدقاء الراحل. وقدم الاحتفالية الكاتب حسين رشيد فقال:-
لقد خسرنا شخصية ثقافية مهمة تمثل رمزا مهما من رموز الثقافة الوطنية في العراق. اضافة الى نشاطاته في اتحاد الادباء لاكثر من 15 عاما، كان فيها مثالا للنزاهة والعمل الوطني والمهني، كان يحلم اكثر من ما كنا نحلم به. وشخصيته تحمل اكثر من ميزة فهو شاعر ومناضل وانسان فاضل ومهني. واذكر كنت ازوره في مكتبه للمحاماة مع معلم صديقه ورفيقه وكنت سعيدا جدا بما اسمعه من آراء وثقافة وعلم ونضال ألفريد.
سمات المناضلين
وقال الدكتور جمال العتابي:- شكرا للمدى للحديث عن ابي شروق. علاقتنا تمتد منذ نهاية الستينيات حين عملنا سوية وتعلمت منه اشياء كثيرة في المهنة والادب والمواقف الوطنية. بدأنا في مجلة الاقتصاد لوزارة الاقتصاد وكان الراحل مديرا للعلاقات الثقافية بالوزارة، وكان معنا حسام الصفار ثم انتقلنا سوية الى مجلة الثقافة الجديدة. التي تحولت الى تجمع ثقافي وفني وعملت على اعادة تأسيس اتحاد الادباء بعد عام 1968، كان له دور كبير فيها. وبعد صدور طريق الشعب كان الفريد كاتبا مهما فيها وظللنا انا وهو نواصل العلاقة حتى بعد انهيار الجبهة الوطنية مع السلطة. وظل متوازنا وتحمل اشياء كثيرة من اجل حزبه ومبادئه. وانشغل بعدها بالمحاماة كي يتجنب السلطة. وكان يقدم مساعدات مادية لكثير من الشخصيات المناضلة وكنت اقوم بتوزيعها لاصحابها. وفي واقعة مقتل ام شروق زوجته من قبل صديق ابن ألفريد وهي التي تطعمه وتقدم له الاكل بيدها ومع ذلك قتلها بكل خسة وحقارة. وقد تأثر ابو شروق كثيرا لهذه الحادثة الاجرامية. وكتبت عنه (أبو شروق... منذ ديوانك الشعري الأول وقبله بسنوات، كنت قد حسمت نهجك ومسارك في الحياة، او منذ بدأت تتهجى الحروف، كانت ترتسم على شفتيك بسملة الوطن والشعب، والحرية، والخبز، كنت قد اهتديت إلى الحزب، جنّتك في الأرض، تنتشي فيها روحك، على الرغم من آلام السجون، وقيود المعاصم، لم يذلّك الحديد يوماً ما، ولا فترعزم شبابك، أبيت الا أن تظل شامخاً، حتى وأنت تفقد رفيقة دربك أم شروق، في حادث قتل دنيء، لم تتعب خطاك يا صديقي في متاهات السنين، كنت تطوف بأجنحة بيضاء، لا يعرفها إلا الشعراء المنطلقون من المنبع، الناجون من قطار الموت، وسكاكين شباط، الذاهبون إلى نقرة السلمان، المنحدرون إلى حيث يصب المجرى، كنتم هبات الزمان، وكنتم سبايا البشر، وكانت عيون الذئاب تصوب نحو العيون، ووهبت للحب الأعظم أنبل عاطفة إنسانية. هكذا اجتزت المسافات، وطوفت بعيداً، وحين تسلل اليك ضياع الحلم، اشتقت لتلقى مدناً أخرى، وتطوي أخرى، وما يعتلج الآن بنا، أيها الموغل ما بين فؤادي والضلوع. يالقلبي كلما أغمض جرح أيقظه ألف حزن في العراق، كيف أرثيك يا أبا شروق، بما تنزفه الكلمات، لم أعلم أن الموت على بعد خطوات منك، وأنه يتأهب ليخطفك منا، ها أنا اتعثر بخطاي، نحو عروق النخل وأنسجة الورد، أخط اسمك عليها، سأرسم وجهك على دفقة ماء، أو على دكة يقف عندها الجواهري في مبنى اتحاد الأدباء، سأكتب اسمك على أشجار السرو في حديقة حزبك، مؤكدا أنها لن تنحني للريح يا أبهى النجوم. وقال الباحث الاقتصادي باسم انطوان وهو من اقرباء المرحوم:- تربطني معه مواقف عائلية كثيرة بحكم القرابة بيننا. آخر مكالمة مع عائلته قالوا لي يشرفنا ان ندفن ألفريد في العراق لانه احبه وكان اخا لكل العراقيين ويدافع عنهم دائما، لكن الظروف لم تسمح بنقله للعراق ودفن في عمان. ابو شروق لا يهادن ابدا وظل مناضلا في اصعب الظروف ولم يتلوث يوما. حتى في ظروف مرافعته عن زوجته المقتولة عانى من السلطة وضغوطها وتدخلاتها لكنه لم يأبه وظل رابط الجأش وهكذا في مواقفه اثناء وجوده في السجون والتصدي للتعذيب.
قدمت مسرحيته ليمونا
وقال الناقد د.عقيل مهدي:- تعرفت اليه عن طريق الناقد عدنان منشد في مكتبه للمحاماة وكان يقرأ في كتاب عن النبي محمد وهو الرجل المسيحي والشيوعي! وتعمقت علاقتنا وعرض علي مسرحيته ليمونة. حاولت تقديمها لكن اعترضوا عليها لانها لكاتب شيوعي. و قدمتها فيما بعد في المتحف والاشخاص فيها يقرأون الادوار وهما الراحل احمد المظفر والمذيعة ميسون. وظللنا نتعاون سوية. وله موقف آخر معي بعد إحالتي على التقاعد كتب وصية لي في جامعة بعمان. وكان ينتقد اخلص اصدقاءه في المواقف غير الصحيحة.. وقد عانى الويلات بسبب مواقفه الوطنية والانسانية. و للراحل محل تقدير عندنا. كان يختارني لتقديم درع الاتحاد لضيوفه من المبدعين ويشرفني ذلك. تعامله الطيب كان يفرضه على كل من يعمل معه.
زامل فهد وشهد إعدامه
وقال الامين العام المساعد لاتحاد الادباء للشؤون الكردية حسين الجاف:- عملت معه 14 عاما. ولد من ام مسيحية لا يفارقها الكتاب المقدس وأب فتح عينيه في البصرة الفيحاء وترعرع ابنه الفريد في مدارسها وكان لاعبا مثابرا ومناضلا صلبا في ساحات التظاهرات. وكان صديقا للشاعر بدر شاكر السياب وكتب له مقدمة اول دواوينه (في طريق الحياة). انتمى للحزب الشيوعي وزامل مؤسسه يوسف سلمان (فهد) في سجن نقرة السلمان ثم سجن بغداد. وهو آخر من التقى به قبل اعدامه ولم يرد على وداعه من هول الصدمة لانه يعرف به ذاهبا للاعدام.. وظلت الواقعة مؤثرة فيه كثيرا. كان عراقيا بكل معنى الكلمة لا يفرق ابن بغداد عن ابن الرمادي والبصرة والموصل وغير طائفي ابدا. بحيث كان يرد على من يقول انه مسيحي قل انا عراقي.. من مواقفه الانسانية تجاه الادباء ما قام به للروائية لطفية الدليمي حين استخرج لها القسام الشرعي وهي في الاردن وعانى ودفع من جيبه الكثير من الرسوم.. كذلك من موقف السيدة التي استنجدت به لان مدير امن تكريتي يضايقها ويبتزها. فذهب الى تكريت وقابل شيخ عشيرة من اقرباء صدام وانتخى شيمه العربية فقام الشيخ بالاتصال بذلك المدير ووبخه وحذره ان استمر بابتزاز سيضيعه.
لا يحيد عن الحق لتسعين عاماً
وكان آخر المتحدثين الشاعر كاظم غيلان فقال:- طوبى لموتك الحي كما يقول حميد المطبعي برثاء احد الكتاب الكبار.. حين توفي قلت مبارك له لانه ظل للتسعين لا يحيد عن الحق، وظل متوازنا في كل شيء رغم تلاطم الانشقاقات السياسية في البلد. وكانوا ينتقدونه حين ينعى احد الادباء من غير افكاره فيجيب: يهمني من الاديب موقفه من شعبه. واذكر موقفه حين امتنعت الحكومة عن دعم مهرجان الجواهري فراح يتصل بكل الاصدقاء ليشاركوا في دعمه ولما سمع مظفر النواب ارسل بيدي 300 دولار دعما منه وقال قل لسمعان ان لا يعلن ذلك، فرد ألفريد: "ليش هو بكيفه؟"، فخطب بتجمع في الاتحاد وهاجم السلطة بشدة وحيا النواب على موقفه الانساني. الرحمة لعزيزنا سمعان وارجو من الله ان لا يحوجنا لقيادات حكومية وقيادات مهنية، رديئة.
اترك تعليقك