اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ترجمة > كتاب صدر قبل 500 عام يحدد قواعد التباعد الاجتماعي في مواجهة الأوبئة

كتاب صدر قبل 500 عام يحدد قواعد التباعد الاجتماعي في مواجهة الأوبئة

نشر في: 25 يناير, 2021: 10:06 م

في منتصف تشرين الثاني عام 1582، وصل بحار إلى ميناء ألغيرو بجزيرة سردينيا في جنح الظلام، وألقى نظرة على المدينة للمرة الأخيرة.

 ويقال إن هذا البحار كان قادماً من مارسيليا، التي كان وباء الطاعون متفشياً فيها منذ عام. ويبدو أنه كان مصاباً بالمرض، فقد كان يهذي بالفعل ويعاني من تورم العقد اللمفاوية في المنطقة الإربية (أعلى الفخذ) .

لكن هذا البحار استطاع بشكل ما أن يفلت من رقابة حراس الطاعون، المكلفين بإيقاف أي شخص تظهر عليه أعراضه. ولم تكد تمضي أيام حتى وافته المنية وتفشى المرض في المدينة.

وبحسب السجلات الرسمية، زعم أحد المؤرخين في القرن الثامن عشر أنه لم يتبق في المدينة سوى 150 شخصاً فقط على قيد الحياة. لكن في الواقع، يعتقد المؤرخون أن الوباء حصد أرواح 60 في المئة من سكان المدينة. وانتشرت المقابر الجماعية، التي لا يزال بعضها باقية حتى اليوم، إذ كانت كل حفرة تضم عظام ما يصل إلى 30 شخصاً .

ولحسن الحظ أن المناطق المجاورة لم يصلها الوباء، فقد توقف سريان المرض في ألغيرو بعد ثمانية أشهر فقط، ويقال إن الفضل في ذلك يرجع إلى شخص واحد وفهمه المبكر للتباعد الاجتماعي.

ويقول أولي بينيديكتو، الأستاذ الفخري للتاريخ بجامعة أوسلو: "اللافت أن هذا الطبيب واسع الاطلاع كان يمارس مهنته في بلدة صغيرة. فقد تتوقع أن تفرض هذه القيود في مدن تجارية كبرى، مثل فلورنسا أو بيزا. لكن هذا الطبيب كان سابقاً لعصره".

مدينة أليغرو في العصور الوسطى التي تعد الآن وجهة سياحية، كانت بؤرة وباء الطاعون المدمر في عام 1582

كان وباء الطاعون، أو "الموت الأسود"، الذي اجتاح أوروبا وآسيا في عام 1346، يعد من أسوأ موجات الطاعون في تاريخ البشرية، فقد أسفر عن مقتل نحو 50 مليون شخص حول العالم.

وقد ظن الشاعر الإيطالي فرانشيسكو بتراركا أن الأجيال القادمة لن تستوعب حجم الخسائر التي سببها هذا الوباء. وكتب: "أيتها الأجيال القادمة السعيدة، التي لن تتذوق هذا الشقاء المريع وحين تقرأ شهادتنا ستظن أنها من نسج الخيال". ولا تزال رفات ضحايا الطاعون تكتشف أثناء عمليات حفر الأنفاق.

وبالرغم من أن مرض الطاعون لم يسبب هذه الخسائر الكارثية منذ ذلك الحين، فإنه ظل يطل برأسه في أوروبا في القرون اللاحقة. فقد أشارت تقارير إلى أنه كان يظهر في باريس كل ثلاث سنوات حتى عام 1670، وفي عام 1563 حصد أرواح 24 في المئة من سكان لندن.

لكن هذا كان قبل الاكتشافات العلمية الحديثة، حين كان يُعتقد أن الأمراض سببها الهواء الفاسد وكان الخل هو وسيلة التعقيم الأكثر تطوراً. وتراوحت علاجات الطاعون من الاستحمام بالبول إلى التخلص من السموم في العقد اللمفاوية المتورمة بوضع الدجاج الحي عليها.

يقول بينيدكتو إن ألغيرو لم تكن مستعدة لمواجهة الوباء، فقد كانت شبكات الصرف الصحي متهالكة ولا يوجد فيها سوى حفنة من الأطباء متواضعي الخبرة والتدريب، وكان مستوى الوعي الصحي متدنياً.

ثم جاء إلى المدينة الطبيب تيبريو أنغليريو، الذي يتجاوز الخمسين. ولحسن الحظ أن أنغليريو قد تلقى تدريبه في جزيرة صقلية، التي تفشى فيها وباء الطاعون في عام 1575، قبل أن يحضر إلى ألغيرو.

ولاحظ أنغليريو على أول مريض في ألغيرو تورم العقد اللمفاوية، ثم اكتشف كدمات في جثتين لسيدتين توفيتا حديثاً، وهي أحد الأعراض المميزة للطاعون. وفطن أنغليرو على الفور إلى السبب. وفكر في البداية في استصدار إذن لإخضاع المرضى للحجر الصحي، لكن طلبه قوبل بالرفض من القضاة ثم من المجلس التشريعي الذي اعتبر مخاوفه التي أعرب عنها في التقرير مبالغاً فيها.

ويقول بينيديكتو: "إن أنغليرو كان لديه الشجاعة والإصرار الكافيين للجوء إلى نائب الملك". وبعد أن وافقوا، فرض طوقاً صحياً حول أسوار المدينة لمنع التبادل التجاري مع أي شخص خارجها.

وبينما كانت التدابير تبدو غريبة في البداية، إلى درجة أن السكان طالبوا بإعدامه بلا محاكمة، فإن تزايد أعداد الوفيات، دفع الناس للتعاون معه، وأصبح له مطلق الحرية في اتخاذ ما يلزم من تدابير لاحتواء الوباء. وبعد سنوات نشر كتيباً يضم القواعد الـ 57 التي فرضها على المدينة، والتي كان من بينها القواعد التالية:

الحجر الصحي

أولا، نصح أنغليريو المواطنين بعدم مغادرة منازلهم أو الانتقال من منزل لآخر. وحظر جميع التجمعات والحفلات وسبل الترفية، وأجاز لشخص واحد فقط في الأسرة مغادرة المنزل للتسوق، وهذه القاعدة يعرفها الكثيرون الآن الذين يخضعون للقيود المرتبطة بالوباء.

والقاعدة الثانية التي فرضها أنغليريو هي أن يحمل كل شخص يسمح له بالنزول إلى الشارع عصا طولها ستة أقدام. ويقول بينيديكتو: "كان الهدف منها إلزام الناس بالابتعاد عن الآخرين لمسافة تعادل طول العصا".

وربما لم يسمع أي من الخبراء بهذه القواعد من قبل، ومع ذلك، في بداية جائحة كوفيد-19، طبقت الكثير من دول العالم سياسة مشابهة إلى حد يثير الاستغراب، تنصح الناس بالحفاظ على مسافة 6.6 أقدام بينهم وبين الآخرين.

وأوصى أنغليريو بإضافة قضيب معدني إلى طاولات الدفع بمتاجر بيع الأطعمة لحث الناس على ترك مسافة كافية، وحذر الناس من المصافحة في التجمعات.

كانت إيطاليا رائدة في مجال عزل الأشخاص الذين يشتبه في إصابتهم بالطاعون. وأقيم أول مستشفى للطاعون "لازاريتو" في البندقية عام 1423، وسرعان ما خصصت أجنحة للمصابين بالعدوى منفصلة عن أجنحة المرضى في طور التعافي أو الذين خالطوا أشخاصاً مصابين بالعدوى.

عن / بي بي سي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل

مقالات ذات صلة

07-05-2023

ماهي خارطة طريق المعارضة التركية للخلاص من إرث أردوغان؟

 ترجمة / المدى

يريد تحالف المعارضة التركي متعدد الاتجاهات، الخلاص من إرث الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يمتد لأكثر من عقدين من الحكم المركزي للغاية والمحافظ دينيا.

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram