القانون غير عادل

آراء وأفكار 2021/01/30 10:04:08 م

القانون غير عادل

 حكمة إقبال

هل يقرأ المواطن العراقي قانون الإنتخابات ليتعرف على نصوصه ومن ثُم يرى العدالة في القانون وبعد ذلك يقرر مشاركته في الإنتخابات القادمة ؟ وهل تناقش الأحزاب السياسية على مستوياتها القيادية والقاعدية محتوى القانون ، والنتائج المترتبة عن نصوصه ، وتقرر المشاركة من عدمها ؟

ولماذا تقبل الأحزاب السياسية ، على اختلافها ، عدم عدالة القانون وتشارك في الإنتخابات ، رغم عدم وضوح مستوى النتائج المتوقعة من العملية الإنتخابية بمجملها ؟

لقد نجح مجلس النواب العراقي في إجراء تعديلات مستمرة على القوانين الإنتخابية تضمن سيطرة الأحزاب المتنفذة على قوام المجلس ، ومصادرة حق الإحزاب الصغيرة في الحصول على مقاعد بمقدار الأصوات التي حصلت عليها ، وفي كل إنتخابات سابقة كان تزوير النتائج سمة ملازمة ، وكانت المحكمة الإتحادية تصادق عليها تحت ضغوطات الأحزاب ، رغم التلاعب الواضح في تفسير القانون والدستور .

هل أراد أبناء انتفاضة تشرين أن تجري الإنتخابات المبكرة تحت غطاء قانون غير عادل؟

لقد أهمل التشرينيون ، بدون معرفة وبسبب تنوعهم ، كيف يمكن لقانون الإنتخابات أن يقرر تركيبة مجلس النواب القادم ، الذي كان أحد أهداف الإنتفاضة هو تغيير العملية السياسية لصالح وطن يتسع للجميع .

أحاول هنا إبراز عدم عدالة قانون الإنتخابات رقم 9 لسنة 2020 المنشور في العدد 4603 من جريدة الوقائع العراقية في 9 تشرين الثاني 2020 ، والذي كما ورد في الفقرة رابعاً من المادة الثانية " ضمان عدالة الإنتخابات وحريتها ونزاهتها " .

- يقر القانون أن الناخب يجب أن يكون قد أتم الثامنة عشرة في السنة التي تجري فيها الإنتخابات ، ولكن مُنع هذا الناخب من حق الترشح قبل أن يتم 28 سنة من العمر في يوم الإقتراع . في غالبية قوانين الإنتخابات في دول العالم المتحضر يكون حق الترشح والإنتخاب لمن أتم 18 سنة في يوم الإقتراع ، وفي القانون العراقي ستفتقد تشكيلة المجلس لطاقات شابة تعبر عن شريحة كبيرة من المواطنين ، ونسبتهم عالية بين السكان .

- في الفقرة رابعاً من المادة 8 يشترط للمترشح أن يكون حاصلاً على الشهادة الإعدادية ، وهذا سيحرم شريحة العمال والفلاحين الكبيرتين والمهمتين من إيصال مندوبيها الى المجلس ، وهذه نظرة دونية لهم من قبل المشرع . وفي تكملة للفقرة كلمة "أو مايعادلها" وهذه تمرير قانوني لمن يحصل على شهادة دراسية من حوزات دينية وتتم معادلتها بشهادة الإعدادية ، وهذا تفضيل بدون حق للأحزاب الإسلامية .

- اشترطت الفقرة سادساً من المادة 8 أن يقدم المرشح قائمة من 500 اسم يدعمون ترشيحة في الدائرة الإنتخابية ، وهذا إجراء صحيح ، ولكن هل ينسحب ذلك على الكيانات السياسية الجديدة التي يجب أن تقدم اسماء بأعداد أكبر بكثير ، خاصة وإن الأحزاب المتنفذة الكبيرة تنتج كيانات عديدة ، وقد وصلت الى 400 كيان سياسي حتى الآن ، وهي أكثر من عدد مقاعد البرلمان ، وهذا مثير للسخرية .

- بعد أن أقر القانون كوتا للمكونات المسيحية في خمس محافظات ، ومقعد واحد لكل من الصابئة والأيزيدية والشبك والكرد الفيلية في محافظات محددة ، عاد في الفقرة ثالثاً من المادة 13 بالقول إن مقاعد المسيحيين والصابئة ضمن دائرة انتخابية واحدة . وهذا تمييز واضح وغير منصف ، ويجب اعتبار كل مقاعد أي مكون ضمن دائرة انتخابية واحدة ، لأن هذه المكونات منتشرة في محافظات العراق ، فالكرد الفيلية أكثرهم في بغداد مما هم في واسط ، وكذلك الشبك والأيزيدية .

- تتجلى عدم عدالة القانون في المادة 15 المتعلقة بالنظام الإنتخابي الفقرة أولاً حيث تقسم المحافظة الى دوائر انتخابية متعددة ، وهذه تعني تشتيت أصوات مؤيدي الأحزاب الصغيرة المدنية داخل المحافظة الواحدة ، وسيسهل على الأحزاب المتنفذة التي تملك المال والسلاح تمرير مرشحيها . واذا كان التيار المدني قد حصد 5 مقاعد في إنتخابات 2018 فحظوظه أضعف هذه المرة ، واذا افترضنا أن التشرينيون سيشتركون بأحزاب جديدة فستواجههم معضلة تفريق أصواتهم بين دوائر المحافظة الواحدة.

حتى تتحقق العدالة يجب أن تكون كل محافظة دائرة واحدة ، وتوزع 192 مقعدا (60%) على المحافظات بحسب نسبة سكانها ، وبهذا نضمن التمثيل المناطقي لكل العراق ، وتوزع 128 مقعد (40%) على اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة ويفوز الأعلى ، وسيحقق هذه التقسيم فرصة تجميع أصوات الأحزاب الأصغر لتحصل على مقاعد بعدد قوتها التصويتية ، وليس ضياع أصواتها بين الدوائر المتعددة ، وتحتفظ المكونات بمقاعدها التسعة ، وأن تحتسب أصوات كل مكون على مقياس الدائرة الإنتخابية الواحدة ، وبدون تمييز بين مكون وآخر .

- رغم الصراخ والدعوى لإعتماد النظام البايومتري لتسجيل الناخبين ، لكن المادة 18 من هذا القانون تقول باعتماد بيانات سجل الناخبين وفقاً لقاعدة بيانات البطاقة التموينية ، ومعروف من الإنتخابات السابقة منذ 2005 التزوير في هذه البيانات ، وأعترضت عليها القوى المتنفذة نفسها . تُكمل المادة بالقول « لحين إجراء التعداد السكاني « ولا أحد يعلم متى يتم ذلك بعد كل هذه السنوات ، رغم اعلان وزارة التخطيط لأكثر من مرة استعدادها ، ومن الواضح أن السبب سياسي لصالح القوى الماتنفذة ، بينما حددت الفقرة رابعاً من المادة 39 ان يصوًت عراقيو الخارج لصالح دوائرهم الانتخابية باستخدام البطاقة البايومترية حصراً ، وهذا تمييز واضح ، حيث يرى بعض عراقيي الخارج ، وأنا منهم ، أن الاستمارة المعروضة في السفارات لتسجيل أعداد الناخبين تتضمن أسئلة لاعلاقة لها بالإنتخابات مما يدفعهم للتردد في تسجيل اسمائهم .

- يبدو جميلاً كل ما ورد في الفصل السابع المتعلق بالدعاية الإنتخابية ، وقائمة الممنوعات الواردة في فقرات الفصل لم تشر الى إجراءات عقابية لمن يخرق هذه الممنوعات ، والتجارب السابقة في التجاوز عليها ماثلة ، ولم يتم تطبيق هذه النصوص سابقاً .

- يبدو جميلاً أيضاً نص المادة 46 التي تقر بالزامية أن يؤدي المرشح الفائز اليمين الدستورية خلال مدة أقصاها شهر من تاريخ الجلسة الأولى ، ونتذكر اسماء مَن لم يؤدوا اليمين الدستوري بعد الإنتخابات الأخيرة ، ولن يمنعهم نص القانون في المرة القادمة .

إذا أرادت الأحزاب المدنية المشاركة في الإنتخابات عليها مراجعة قوتها الإنتخابية وتحديد توزعها على الدوائر المتعددة في كل محافظة ، حتى تقدر إمكانية وصول ممثليها للبرلمان ، ولا أرى أن من المفيد خوض التجربة لمعرفة قدراتها ومواقعها بين الجماهير ، خاصة وإن التحالفات بينها يجب أن تركز على منح أصواتهم لمرشحين محتملين للفوز دون تشتيت الأصوات بينهم في الدائرة الواحدة ، وبغض النظر عن انتماء هذا المرشح لهذا الحزب المدني أو ذاك .

أرى أن تسأل الأحزاب المدنية نفسها عن مدى تأثيرها ، عند حصولها على عدد محدد من المقاعد ، في مجمل عمل البرلمان ، وأن تجد جواب السؤال حتى لاتتكرر تجربة إستقالة بعض النواب لعدم إتسجامهم مع عمل البرلمان والحكومة ، وذهبت أصواتهم الإنتخابية في غير محلها .

أرى أن تسأل الأحزاب المدنية نفسها أيضاً عن النتائج المترتبة عن عدم المشاركة في الإنتخابات ، والإعلان بوضوح عن أسباب عدم المشاركة ومنها عدم عدالة القانون ، على صعيد تعزيز حضورها الجماهيري ، والعمل المستقبلي على توفير أرضية سليمة لإنتخابات نزيهة وعادلة حقاً .

في ظل هذا القانون الإنتخابي غير العادل ستكون النتائج غير عادلة أيضاً ، وعكس ما إرادة شباب الانتفاضة التشرينية ، رغم الثمن الكبير من الضحايا ، واذا أراد التشرينيون ، ومن يؤيدهم ، تحقيق نصرهم ، عليهم العمل مع من يساندهم ، لإعادة تعديل قانون الإنتخابات أو كتابة قانون بديل ، وبدعم مباشر وفعال من الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي ، يؤمن عدالة توزيع الدوائر وعدالة حساب الأصوات للفائز الأعلى ، عدا ذلك فلن تكون المشاركة أو المقاطعة ذات معنى مؤثر في التغيير المنشود .

تعليقات الزوار

  • جاسم المظفر

    تحليل رائع، وفي الوقت المناسب بغية اعدة ترتيب الاولويات. أصلاح نظام الانتخابات اولاً ثم انتخابات عادلة،

  • عبد الحسين رمضان

    مقالة رائعة تضع يدها على شوائب قانون الانتخابات وتشير الى ضرورة اعادة النظر بقانون الانتخابات!وتحدد مسار تركيز نشاطات شبيبة تشرين المنتفضين ومساندتهم!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top