رزاق عداي
في الشهور الأخيرة بدأ ( داعش) يلتقط أنفاسه في بعض المناطق الرخوة في العراق ، مستغلاً انشغال الدولة العراقية بوباء كورونا وهلع الاهالي ،وتوجه الكثير من عناصر القوى الأمنية نحو واجبات تخص الصحة العامة،--
وتشير بعض الدلائل بان خطابات التنظيمات الارهابية منذ تفشي وباء (كورونا) كانت بمثابة محاولة لتعويض الخسائر ، سواء بالعودة للمناطق التي خسرتها هذه التنظيمات أو بحشد عناصر جُدد ، والايحاء بقوته الوهمية ،من تفجيرات متفرقة ، وانتقاء البعض من الأهالي مستخدما العنف بأقصى أشكاله ، لبث روح الحماس ، ورفع المعنويات في الاتباع ، كمحاولة لكسب المزيد من الأنصار مستفيداً من حالة الهلع والتخوف من كورونا ، موظِفاً الخرافة في تفسير هذه الجائحة ،---
بالمقابل نلاحظ أن الحكومة العراقية وبالفترة الأخيرة ،اطلقت المزيد من العمليات والحملات الكبيرة وبمختلف صنوف القوى الأمنية ، لقطع الطريق أمام نشاطاته في أقصى المناطق التي اعتاد ( داعش) على ممارسة خروقاته فيها ،--
دائماً يوصف داعش بانه عدمي ، أي إنه في كثير من من الأحيان يمارس العنف من أجل العنف ولإشاعة الارهاب فقط ، فهو لم يكن لياْبه الى تجربة ( دولة الخلافة المخفقة)ودروسها الفاشلة فيها ، فمشروع ( داعش) لا يختلف عن ستراتيجيات الإرهاب بنماذجه القديمة والراهنة ، فعندما يقال عنه بانه بلا مستقبل ، أي إنه لا يملك تصور لنظام ما أو حتى يوتيبيا محددة ، فبرامجه لا تمضي الى الأمام ، وهاجسه الأصلي هو تدمير الآخر ،وإذا فشل فلتدمير الذات،--وهكذا داعش دمّر دولة ((الخلافة ))بالعنف ، ثم عاد اليوم بعلمليات عنفية مكتوب عليها الفشل مسبقاً ، ليتدمر ثانية ،--
فالارهاب قوة منفعلة ،وليست مؤسسة ،أي مكتفية بالفعل المحض ولا منتجة لمشروع لاحق ، --الارهابيون الروس في القرن التاسع عشر مثلاً ،كما يكتب -ألبير كامو -في (الإنسان المتمرد) ،لم يفكروا بأي نظام سوف يخلف مقتل القيصر ، فهدفهم تدميره فقط، وإذا اخفقت هذه الخطوة،فسيكون تدمير ذواتهم الخطوة الثانية ،--
لا تختلف داعش كثيراً أو كل فصائل الإرهاب التي ظهرت في الاحقاب اللاحقة عن هذا التوصيف العمومي كثيراً، فظاهرة الحواضن الاجتماعية التي يتحدثون عنها ، ينبغي البحث عن مسوغاتها خارج فلسفة الإرهاب ،أي بمقاربات سياسية واجتماعية ، أو ردة فعل إزاء أنظمة تعسفية ،سيطرت عليها طويلاً وجعلتها تقبل حتى بالدعوات الخرافية ناشدة الخلاص ، أما انجذاب الأفراد من بلدان الغرب ل(داعش) فهذا يُعزى بالضرورة الى ما اّلت اليه الأيديولوجيات الكبرى ،وتفشي حالات اللامعنى وافتقاد القيم ، التي افرزت بعض شرائح الشباب الغربي المتأزم،--ونحن لا نملك إزاء هؤلاء المترفين سوى أن نندهش لتهافتهم نحو العمليات الانتحارية التي يقومون بها ،--
فاذا كانت داعش قد حققت موطِئاً لها بفضل مقدسها !! الخاص ،فان هذا الإنجاز الطارئ لم يستمر طويلاً ،فلقد شهدناانفصالاً بين مشروعها في (دولة الخلافة) ! وممارساتها الاجرائية العنفية ،فالداعشيون لا يمكن أن يبقوا أو يستمروا بلا عنف ،ناهيك عن كونهم انتحاريون بشفاعة متصورات اّخروية ،اقنعت البعض ممن تشوشت عندهم الرؤية ، وانتحاريتهم هذه شكلت مخالفة ومقاطعة للشريعة الإسلامية ومبادئها ،
فالعنف المفرط عند داعش بالامس واليوم يؤشر تماماً الى الافتراق مابين الدعوة والسلطة ، وهذا يتطابق مع أطروحة الفيلسوفة - حنة ارندت -في كتابها -في العنف-( إن عامل التفتت الداخلي الذي يواكب انتصار العنف على السلطة،يكون واضحاً بشكل خاص حين يتم استخدام الارهاب من أجل الحفاظ على الهيمنة ، والإرهاب ملازم للعنف ،بعد أن دمرت السلطة الأولى ،--
وهكذا يكون العنف اللاحق بعد أن دمرت السلطة القائمة قد قاطع دعواته ومرجعياته ،كخطابات بغية التمهيد للهيمنة،--فيصبح عند ذاك ضرورة إعادة دورة إنتاج الهيمنة وتكريسها عبر أشكالها الحقيقية والرمزية ،
فالعنف في الصور القديمة التي ظهرت سابقاً على مواقع إعلام داعش في إعدام الكثير من العراقيين في محافظة -نينوى -وغيرها تصر على ممارسته دائما في إحداث الأثر العنفي الاستباقي - عند الرائي أو المتلقي---
فصور داعش العنفية كما كنا نشاهدها قبل سنوات وعلى نطاق واسع كانت تفرض حضورها ، فهو (داعش) أوغل في غرز فاعلية العنف المتوحش بقوة الصور التي تطوقنا ، إذ كانت تضع الرائي قبالة تهديد محتمل الوقوع ، وأكثر ما اعتقده أن الذاكرة العراقية ما زالت طافحة من مخلفاته،--
ومثلما تفوق ( داعش) بالأمس في إنتاج وممارسة أبشع مشاهد العنف في التاريخ ، يظهر اليوم معانقاً وباء كورونا محاولاً توظيفه ليؤدي مشهداً من الهلع والعنف المزدوج ،--
اترك تعليقك