رأي بالاجنبي: المجتمع ..ومبدأ الجدارة

آراء وأفكار 2021/02/03 10:12:36 م

رأي بالاجنبي: المجتمع ..ومبدأ الجدارة

 مايكل ساندل *

ترجمة : عدوية الهلالي

نظرا لأن معظم النجاح في الحياة يرجع الى الحظ ، فلا أحد يستحق النجاح حقاً- من وجهة نظر أخلاقية - فلكي يكون المجتمع قائماً على الجدارة الكاملة ، يجب أن يولد كل فرد بفرص متساوية ، وهو ماأرى أنه بعيد كل البعد عن أن يكون هو الحال الآن ، خاصة في الولايات المتحدة.

فحتى لو كان المجتمع قائماً على الجدارة تماماً ، فلن يكون عادلاً وجيداً، بعبارة أخرى ، فإن المجتمع القائم على الجدارة أمر غير مرغوب فيه فالجدارة لها جانب مظلم ، وهو الموقف المجتمعي من النجاح والفشل، فعلى وجه الخصوص ، يعتقد أولئك الذين حققوا نجاحاً أكبر أن ذلك يرجع بالكامل إلى موهبتهم وجهدهم.

وعلى الوجه الآخر للعملة ، فأن في مجتمع الجدارة ، لا يلوم أولئك الذين يفشلون في الحياة سوى أنفسهم لافتقارهم إلى الجهد فهم يحصلون على ما يستحقون لكن الحظ يلعب دوراً مهماً. ولاتبرر هذه الحجة مبدأ الجدارة لأن مايريده الناس غالباً مايكون سيئاً ..وتتمثل إحدى مزايا نظام الجدارة في نظام السوق الحرة في أن الأفراد لديهم حافز لإنتاج السلع والخدمات التي يريدها الآخرون بكميات وجودة كافية وبتكلفة أقل بشكل متزايد.ومن خلال الابتكار،يعمل رواد الأعمال على النهوض بالمجتمع وخلق الثروة للجميع من خلال السعي لتحقيق مكاسب نقدية ..

على سبيل المثال ، يجب أن يحصل مالك الكازينو على أجر أقل من المعلم في المدرسة الابتدائية لأن مساهمته في المجتمع ستكون أقل أخلاقياً من مساهمة المعلم ، حتى لو كان المعلم في السوق الحرة غالباً ما يكون لديه دخل أقل بكثير من صاحب الكازينو. فإذا كان المجتمع يتمتع بجدارة تامة ، وبالتالي تكافؤ الفرص للجميع منذ الولادة ، فإن أولئك الذين سينجحون سيكونون أولئك الذين تكون مواهبهم مطلوبة بشكل أكبر والذين يبذلون الجهد لتطوير تلك المواهب. وبما أن الناجحين كانوا محظوظين لأن لديهم موهبة مطلوبة ، فهم لا يستحقون النجاح الذي يأتي بسببها.

ويجب الفصل بين الموهبة والجهد , فعلى سبيل المثال ،اذا كان هنالك مدرسان لهما نفس الفعالية. الأول لديه الكثير من المواهب للتدريس ، لكنه لا يبذل سوى القليل من الجهد ، في حين أن الأخير لديه القليل جداً من المواهب ، لكنه يبذل الكثير من الجهد للتعويض. أرى أن المعلم الأكثر موهبة يستحق المزيد من التقدير..ويكمن جمال رأسمالية السوق في أنه لا يجب إجراء هذا التمييز. فسوف يفضل السوق الموهوبين في مجال واحد ، وبالتالي يسعى الى تحسين الإنتاجية وخفض تكاليف الإنتاج. لكن السوق الحرة تجعل من الممكن أيضاً مكافأة الجهد عندما يحدث فرقاً ويعوض نقص المواهب. ومع ذلك ، يجب التمييز بين الموهبة والجهد على أساس تحقيق الأهداف المجتمعية التي تعتبرها النخب صحيحة أخلاقياً.إذ يجب على المجتمع أن يكافئ أولئك الذين لديهم موهبة في مهمة معينة ، إلى الحد الذي يؤدي فيه إلى إنتاج سلعة أو خدمة تعتبرها أي لجنة أخلاقية مرغوبة من الناحية المعنوية ..

اعتقد أن نظام العدالة يجب أن يكون عقابياً ، إذ أن غالبية الناس يرتكبون الجرائم لأنهم محرومون في المجتمع وليس لأن البعض يولد مع نزعة فطرية للجريمة. لذلك فأن من خلال تبني مجتمع أكثر عدلاً فأن غالبية الجرائم لن يتم ارتكابها. ومن ناحية أخرى ، فان الشخص المولود بعقل مريض نفسياً يستحق العقاب.وفي هذا تناقض خطير لأنه إذا كان الشخص غير الناجح في الحياة لا يستحق نصيبه ، فلماذا يستحق الشخص الذي يرتكب جرائم بسبب النزعة العقلية الفطرية العقاب على جرائمه ؟

من المؤسف أن المجتمع الأميركي يكافئ خريجي الجامعات كثيراً ، والتي تسمح بزيادة عدم المساواة من جيل إلى جيل. اعتقد بأن الطبقة العاملة التي لا تحمل شهادة جامعية تشعر بأن النخب تنظر إليها باحتقار.وأرى أن العمال غير الخريجين من جامعي القمامة إلى الممرضات إلى كتبة البقالة ، لابد أن يكونوا أكثر تقديراً لمساهمتهم في المجتمع وأن يحصلوا على أجور أفضل ، بينما يكافئ السوق المواهب والمؤهلات أكثر.ولكن ، ماذا عن أولئك الذين ينظفون الكازينوهات مقابل الحد الأدنى للأجور؟ هل يستحقون أخلاقياً الحصول على المزيد لأن مساهمتهم في المجتمع غير مرغوب فيها أخلاقياً؟

* فيلسوف وأستاذ في جامعة هارفارد

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top