رسائل تولستوي المختارة..عن العالم الداخلي للإنسان .. والبحث عن الحياة

رسائل تولستوي المختارة..عن العالم الداخلي للإنسان .. والبحث عن الحياة

 قراءة/ علاء المفرجي

يُعد ليف تولستوي من أهم الروائيين في روسيا والعالم ، ومن أكثر الشخصيات غرابةً وتناقضاً التي شهدها الأدب الروسي ، فهومصلح اجتماعي وداعية سلام و مفكر أخلاقي وعضو مؤثر في أسرة تولستوي ، ويُعد بالتالي من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر ، بل ويُعد من أعظم الروائيين على الإطلاق.

أشهر أعماله الروايتان (الحرب والسلام) و(أنا كارنينا) اللتين مازالتا تتربعان على قمة الأدب الواقعي، فهما تعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية .

رفض الجامعة وكان هذا موقفه الأخير منها ففي أيلول من عام 1844م، قُبل ليو تولستوي طالباً في جامعة كازان-كلية اللغات الشرقية، قسم اللغتين التركيّة والعربيّة، واختار تولستوي هذا الاختصاص لسببين: الأول لأنّه أراد أن يصبح دبلوماسياً في منطقة الشرق العربي، والثاني، لأنّه مهتم بآداب شعوب الشرق، وعلى الرغم من أن تولستوي كان شغوفاً بالقراءة منذ طفولته، إلا أنه لم يستطع التركيز في دراسته عندما أصبح طالباً، ومع ذلك فقد أنغمس تماماً في الحياة الاجتماعية بالجامعة، وبعد أن فشل في امتحانات السنة الأولى، قرر أن يغير اتجاهه ويدرس القانون، وكانت البداية في ذلك أكثر تبشيراً بالنجاح، ولكن ما أن حل عام 1847م، حتى كان تولستوي قد قرر ترك الدراسة دون أن يحصل على شهادته الجامعية، وقد جاء ذلك بعدما جاءته الأنباء بأن تقسيم أملاك الأسرة قد جعلته يرث إقطاعية ياسنايا بوليانا، وهي إقطاعية كبيرة فيها أكثر من 330 عائلة فلاحية. وكان تولستوي رجلاً ذا مُثل عليا فأحس أن واجبه يحتم عليه العودة إلى إقطاعيته ياسنايا لرعاية أموره هناك ولتحسين أحوال رعيته من الفلاحين.

وتعد رسائله المختارة ويومياته التي صدرت عن دار المدى بترجمة عبد الله حبه، تتضمن الموضوع الرئيس لأعمال الكاتب الروسي العظيم ليف نيكولايفيتش تولستوي (1828-1910) هو دراسة العالم الداخلي للإنسان ، الأسس الأخلاقية للفرد. البحث المؤلم عن معنى الحياة ، والمثل الأخلاقية ، والقوانين الخفية للكينونة تمر عبر كل أعماله. يتضمن الكتاب رسائله من 1882 إلى 1910. وتُعد خير سجل لتطوره الفكري والإبداعي، ولاستكشاف المواد التي استقى منها مواضيع رواياته وقصصه ومسرحياته وكذلك دراساته الفلسفية ولاسيما حول الحياة وملكية الأرض والعدالة الاجتماعية، وحول الفنون والتعليم الشعبي، وقد انتقى المترجم عبد الله حبه الرسائل التي لها علاقة بهذا الإبداع والدراسات المهمة ومنها رسائله الى الكتّاب تورجنيف واستروفسكي وجوركي وأندرييف وستاسوف وتشيرتكوف ورومان رولان والفنانين جي وريبين والموسيقار تشايكوفسكي ورسالتيه الى القيصر الكسندر الثالث والقيصر نيقولاي الثاني ورسائله الى برنارد شو والمهاتما غاندي، لكن لاتتوفر مراسلات له مع بعض معاصريه من الكتّاب المعروفين ومنهم ديستوفسكي وتشيخوف مثلاً. وركّزت الرسائل على نشاطه الاجتماعي والتربوي في مجال التعليم وافتتاح المدارس الشعبية وعمله في التدريس فيها.

ويشغل موضوع الحرب واضطهاد الشعب لاسيما أبناء الأقليات الدينية حيزاً كبيراً من المراسلات. فالكاتب رفض فكرة أن يقتل الإنسان أخاه بأي حال من الأحوال، إنطلاقاً من العقيدة المسيحية الرافضة للعنف بكل أصنافه ، وتجلى ذلك الموقف حتى في تصويره بعض مشاهد رواية( الحرب والسلام ) حين يواجه أحد الأبطال عدوه في ساحة القتال . "فنيقولاي روستوف أحد أبطال الرواية يرفع سيفه على خصمه الفرنسي ولكنه لا يُجهز عليه لأنه شاهد نظرة الاستعطاف في عينيه فأشفق عليه.

ويورد تولستوي في أكثر من رسالة موقفه من ثورة عام 1919 في روسيا ورفضه لما رافقها من عنف. وعموماً فانه رفض الثورات لأنها ترتبط بالعنف وسفك الدماء."

وثمة رسائل كثيرة يرجو فيها السلطات إصدار عفو عن المظلومين ومنها حول الجندي الذي قتل ضابطه وأصدرت عليه المحكمة العسكرية حكم الإعدام ونفذ الحكم لاحقاً بالرغم من مناشدة تولستوي العفو عنه.

وتظهر الرسائل الأخيرة الأجواء التي سادت ياسنايا بوليانا لدى هروب تولستوي رب الأسرة منها تحت جنح الظلام لكي يحيا حياة التقشف المأمولة "بموجب العقيدة الكاثوليكية" في مكان بعيد لم يكن حتى لحظة وفاته يعرف أين يستقر به المقام.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top