غالب الشابندر
القسم الثاني
مضى بنا في الحلقة الأولى أن من المخاطر التي تهدد عمل المؤسسة الأمنية وتحول دون أداء مهماتها بنجاح ودقة تغلغل الأحزاب والكتل السياسية الى هيكل المؤسسة ، كذلك المحورية الشخصية ذات الأداء السيئ ، وإضافة الى ذلك التوارث الوظيفي ،
وبينّا في الوقت ذاته سبب ذلك وبعض العلاجات البسيطة التي قد تسهم في التخفيف من شدة هذه المخاطر ومضاعفاتها المزعجة ، وفي هذه الحلقة أواصل تشخيص بعض المخاطر الأخرى ، التي تساهم كما هي المخاطر السابقة في إضعاف دور المؤسسة الأمنية وتهميشها وربما تدميرها بالكامل .
المؤشر الرابع
التضخم الوظيفي ، وأقصد به كثرة الموظفين والعاملين والمنتسبين في المؤسسة ، بحيث قد يصل الى حد يفوق الحاجة بشكل مثير ومحزن.
والحقيقة إن تضخم الأجهزة الإدارية في العالم الثالث بالموظفين والعاملين والمنتسبين من الأمراض التي تعاني منها دوله وشعوبه ، فهي تثقل الميزانية وتستدعي خلق عناوين وظيفية تكاد أن تكون وهمية ، كما إنها تزرع التكاسل والتثاقل والتواكل ، بل هذه الكثرة قد تحول دون الإسراع بالمنجز ، عكس من يتصور أن كثرة الكادر الوظيفي في الدائرة أو المؤسسة يسهم في تسريع الإنجاز وتحسينه واتقانه .
المعروف إن المؤسسة الأمنية في العراق متخمة بالكادر الوظيفي الى حد القرف ، وهذا من أمراضها التي تشل عملها وإنجازها ، خاصة وإن بعض دوافعها هو امتصاص البطالة ، وليس تمكين المؤسسة من حاجاتها الحقيقية والفعلية .
والحقيقة لو كان إبداع وإتقان العمل الأمني والمخابراتي بالكثرة الوظيفية لكان العراق اليوم في أمن واستقرار وسلام لا مثيل لهما في المحيط الإقليمي ، ولكن لأن الأمر الصحيح أن ذلك يتوقف على الكم المناسب والكيف النوعي فإن النتيجة كانت وستبقى كما نرى ، اختراقات وانتهاكات وتفجيرات وحرائق وتخريب ، فكأن هذه الكثرة من ( الكادر ) في واد وأمن البلاد في واد آخر .
وليس من شك ولا ريب أن تضخم / أو تضخيم ( الكادر الوظيفي ) في المؤسسة الأمنية أخطر منه في أي مؤسسة أخرى ، لأن ذلك قد يتيح الفرصة السانحة لتغلغل العملاء والجواسيس وأعداء الوطن ، ولأن كثرة (الكادر الوظيفي ) تفرض مرور الإنجاز المطلوب بأكثر من موقع وظيفي حقيقي أم مصطنع ، فان القرار الأمني سوف يخضع لكثير من عوامل التأخير والتأجيل ، فيما قد يحتاج الى سرعة في التخطيط والتنفيذ ، وقد يخضع لكثير من التلاعب والتزوير وربما حتى التسويف ، وهو خلاف أو على خلاف ما تتطلبه في كثير من الأحيان من سرعة ربما تفوق المتوقع .
إن المطلوب من المؤسسات الأمنية العراقية تقليص هذا العدد الكبير الذي طالما اشتكى منه مختصون ، وأشار إليه أهل الخبرة ، واعتماد النوعية وليس الكمية ، ولابد من وضع معايير علمية لعملية التقليص هذه ، بحيث تصب في صالح العملية الأمنية في التحليل الأخير ...
لقد قالوا قديماً : (الزائد كالناقص )، والكثرة بلا داع ، وبلا دور ، وبلا حاجة ، الكثرة من أجل امتصاص البطالة ، ومن أجل إرضاء جهات رسمية أو مدنية ، أو لأي سبب خارج المصلحة الوطنية وأمن واستقرار الشعب جريمة كبرى .
ولقد قالوا قديماً : ( إن السفينة التي يكثر ملاحوها تغرق ) ، وقضية أمن العراق سفينة ، يجب أن يكون ملّاحوها حسب الحاجة الطبيعية ، كماً وكيفاً ، وفيما يكثر الملّاحون ، حيث تتضارب المصالح ، وتتداخل المهمات ، وتتواكل الإرادات ، أو تتنازع السلطة والقرار فإن العراق / السفينة تغرق ، ويغرق من فيها ومن عليها .
الجهات المختصة مدعوة لتشكيل لجان اختصاص لتهذيب الكم الهائل من موظفي وكوادر المؤسسة الأمنية في العراق ، ويمكن معالجة الزائدين عن الحاجة بالنقل الى وزارات أخرى ، وليس ذلك بالأمر المستصعب خاصة إذا كانت تلك الوزارات بحاجة الى كوادر إضافية .
المؤشر الخامس
في تصريح لأحد قادة العمل الأمني اعتبر انعدام التنسيق بين مصادر القرار الأمني وتنفيذه من أحد أخطر الأسباب في تردي الوضع الأمني في العراق ، وفي ظني أن المصدر المذكور لا يشير إلى هذه الظاهرة على مستوى دائرة أو قسم معين ، بل يشير الى انعدام التنسيق بين كل الأجهزة والأقسام والدوائر ذات الصلة ، أي وزارة الداخلية والمخابرات والاستخبارات وغيرها من المؤسسات ذات الشأن الأمني الذي تشترك به هذه المصادر ، ويبدو أن هناك صراعاً خفياً بين هذه الأجهزة من أجل الحصول على المعلومة وعلى إيصالها ، وهناك صراعات خفية بين هذه الأجهزة ، خاصة وأن هناك كلاماً شائعاً عن تغلغل حزبي وإقليمي في هذه الأجهزة بشكل وآخر ، والواقع إن دولة مثل العراق اليوم ، حيث لا احترام للقوانين ، ولا احترام للمعايير، وتسيّد العسكرة والتغوّل الطائفي والعنصري من المؤكد تسود هذه الظاهرة أجهزته وأقسامه وقطاعاته الأمنية والاستخباراتية ، خاصة وإن مفهوم العمل المؤسساتي كفكر وعلم وإدارة هو الآخر معدوم بدرجة أو آخرى.
اترك تعليقك