اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > الثورة الصناعية الرابعة ماذا تعني ؟ وكيف نستجيب لها ؟

الثورة الصناعية الرابعة ماذا تعني ؟ وكيف نستجيب لها ؟

نشر في: 9 فبراير, 2021: 10:43 م

كلاوس شواب

ترجمة وتقديم : لطفية الدليمي

القسم الأوّل

سيكون للموهبة البشرية في المستقبل دورٌ أعظم من رأس المال في تشكيل العنصر الحرج الخاص بعملية الإنتاج ،

وسيعمل هذا العنصر على نشوء سوق عمل شديد الإستقطاب والتنافر بين فئتين : فئة (مهارة منخفضة / أجر منخفض) وفئة (مهارة عالية / أجر عالٍ) ، وهذا أمرٌ سيقود بدوره إلى تعاظم حدّة الصراعات الإجتماعية .

نشهد في أيامنا هذه معالم متزايدة تنبئ بمقدم الثورة الصناعية الرابعة التي ستعيد تشكيل عالمنا ليس على الصعيد التقني حسب ، بل ستمتد آثارها لتعيد صياغة وجودنا البشري وكينونتنا الذاتية عبر تداخل غير مسبوق بين المنظومات البيولوجية والمادية ؛ وهو ما ينبئ بتغيرات ثورية لم نشهد منها سوى قمة الجبل الجليدي ، وستتوالى المشهديات غير الإعتيادية لها في السنوات القليلة القادمة ، وربما قد نشهد حلولاً ( متفرّدة تقنية Technological Singularity ) ستمثل إنعطافة كبرى في شكل الوجود البشري و البيئة التي تحيا وسطها الكائنات الحية .

أقدّمُ أدناه القسم الأول من ترجمة لمقالة وافية كتبها البروفسور كلاوس شواب Klaus Schwab ونشرها في دورية المنتدى الإقتصادي العالمي WEF بتأريخ 14 كانون ثاني ( يناير ) 2016 .

البروفسور كلاوس شواب مهندس وإقتصادي ألماني ، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الإقتصادي العالمي "دافوس"، وهي منظمة دولية غير ربحية مستقلة مختصة بتطوير العالم عن طريق تشجيع الأعمال والسياسات العلمية والتقنية . ولد شواب في 30 مارس ( آذار ) 1938 في مدينة ( رافنزبورغ ) الألمانية ، وفي العام 1971 أسس منتدى الإدارة الأوروبية الذي أصبح في 1987 المنتدى الإقتصادي العالمي ، وقد أراده شواب أن يكون مؤسسة ريادية تلتزم بتطوير الوضع العالمي فضلاً عن كونها مركزاً عالمياً لقادة الأعمال والفكر والسياسة .

أدناه الرابط الألكتروني للمقالة الأصلية للبروفسور شواب لمن يرغب في الرجوع إليها :

https://www.weforum.org/agenda/2016/01/the-fourth-industrial-revolution-what-it-means-and-how-to-respond/

المترجمة

نقفُ اليوم على عتبة ثورة تقنية ستُحدثُ تغييراً جوهرياً في الطريقة التي نحيا بها ونعمل ونتعامل مع بعضنا ، وبقياس حجمها ومداها وتعقيدها فإنّ هذه الإنعطافة التغييرية لن تكون مماثلة لأية إنعطافة أخرى تعامل معها النوع البشري من قبلُ . لانعرفُ تماماً حتى يومنا هذا الكيفية التي ستتكشّفُ بها هذه الإنعطافة ؛ لكن ثمة أمرٌ واحدٌ واضحٌ بذاته تمام الوضوح : لابدّ من أن تكون إستجابتنا لهذه الإنعطافة متكاملة وشاملة تشملُ كل البشر وجميع نظم الحكم العالمية ، وينبغي أن تمتدّ لتضمّ القطاعات العامة والخاصة وكذلك ميدانَي الأكاديميا والمجتمع المدني .

وظّفت الثورة الصناعية الأولى طاقة الماء والبخار لمكننة الإنتاج ؛ في حين إستخدمت الثورة الصناعية الثانية القدرة الكهربائية لتخليق الإنتاج واسع النطاق ، واستفادت الثورة الصناعية الثالثة من الألكترونيات والتقنية المعلوماتية لأجل أتمتة عمليات الإنتاج الواسع . تعمل الثورة الصناعية الرابعة في أيامنا هذه على توظيف مخرجات الثورة الصناعية الثالثة التي يمكن توصيفها بالثورة الرقمية التي بدأت بواكيرها منذ منتصف القرن الماضي ، وتمتاز هذه الثورة الرابعة بأنها تشبيكٌ لمجموعة من التقنيات التي تتجاوز الحدود الفاصلة بين النطاقات المادية والرقمية والبيولوجية .

هناك ثلاثة أسبابٍ تقف وراء اعتبار التحوّلات التقنية الراهنة أمراً أعظم من مجرد امتداد طبيعي للثورة الصناعية الثالثة بل هي تنبئ عن مقدم ثورة رابعة مميزة عن سابقاتها ، وتكمن هذه الأسباب الثلاثة في سرعة التغيير ، ونطاقه ، وتأثيره على النظم التقنية السائدة . ليس هناك من سابقة تأريخية حصلت بسرعة مماثلة للسرعة التي تتحقق بها الإنعطاقات التقنية الراهنة ، وإذا ماشئنا المقارنة فحسب مع الثورات الصناعية السابقة فإنّ الثورة الرابعة تتقدّمُ بكيفية أسيّة Exponential ( إشارة إلى السرعة الهائلة ، المترجمة ) عوضاً عن نمط السرعة الخطية التي ميّزت تطوّر الثورات الثلاث السابقات ، فضلاً عن أنّ الثورة الرابعة تحدِثُ خلخلة متسارعة في كل صناعة معروفة - تقريباً - وفي كلّ بلاد العالم ، وأنّ مدى وعمق هذه التغيّرات التقنية تنبئ عن تحوّلٍ سيطالُ كلّ منظومات الإنتاج والإدارة والحوكمة .

إنّ الإمكانات المتاحة لبلايين البشر بواسطة أجهزة الإتصال النقّالة ( الموبايلات ) هي إمكانات لاحدود لها لقدرتها على المعالجة المعلوماتية غير المسبوقة ، وسعة التخزين المعلوماتية ، وقدرات الحصول على المعرفة ، وستتضاعفُ هذه الإمكانات غير المسبوقة بواسطة الإنعطافات التقنية الناشئة في حقول محدّدة على شاكلة الذكاء الإصطناعي ، والروبوتيات ، وإنترنت الأشياء ، وعربات النقل ذاتية القيادة ، والطباعة ثلاثية الأبعاد ، وتقنية المصغّرات ( النانوتكنولوجي ) ، والتقنية الحيوية ( البايوتكنولوجي ) ، وعلوم المواد المخلّقة إصطناعياً ، ووسائل تخزين الطاقة ، والحوسبة الكمومية .

يبدو الذكاء الإصطناعي محيطاً بنا أنى وجّهنا أنظارنا في أيامنا هذه : من السيارات ذاتية القيادة والطائرات المسيّرة ( الدرونات Drones ) إلى وسائل المساعدة الإفتراضية والبرامج الحاسوبية ( السوفتوير ) التي تعيننا على ترجمة اللغات أو الإستثمار في ميادين محدّدة . تحقّق تقدّم مدهش في ميدان الذكاء الإصطناعي في السنوات الراهنة ، وحصل هذا التقدّم بدفعٍ من الزيادات الأسيّة المتسارعة في القدرة الإحتسابية وكذلك بتوفّر مقادير هائلة من البيانات إلى جانب تزايد أعداد البرامج الحاسوبية المستخدمة لتصنيع عقاقير جديدة ، وكذلك توافر خوارزميات Algorithms مستحدثة لها القدرة على التنبؤ بالتوجهات الثقافية التي نميل لها أكثر من سواها ، وفي الوقت ذاته لاتنفكّ تقنيات التصنيع الرقمية تتفاعلُ بطريقة مؤثرة مع العالم البيولوجي على نطاق يومي ، ويمضي المهندسون والمصمّمون والمعماريون في تعشيق التصميم الإحتسابي والتصنيع المؤتمت وهندسة المواد والبيولوجيا التركيبية لأجل بلوغ الريادة في بلوغ تعايش Symbiosis بين الكائنات المجهرية وأجسادنا والمنتجات التي نستهلكها ؛ بل وحتى مع الأبنية التي نستوطنها .

تحدّياتٌ وفُرَصٌ

تمتلك الثورة الصناعية الرابعة القدرة على رفع مستويات المداخيل العالمية والإرتقاء بنوعية حياة الناس في عموم العالم ، وهي في هذا تشبه مافعلته الثورات الصناعية الثلاث التي سبقتها . من الواضح في وقتنا هذا أنّ الذين تحصّلوا على الفائدة الأعظم من الثورة الرابعة هم القادرون على ولوج بوابات العالم الرقمي والتعامل معه بكفاءة ومقدرة ؛ ولكن برغم هذه الحقيقة فإنّ التقنية الحديثة أتاحت تخليق منتجات وخدمات جديدة وسّعت من مديات الكفاءة والمُتع المتاحة لحيواتنا الشخصية ؛ فقد باتت فعاليات يومية على شاكلة طلب سيارة أجرة ، أو حجز مقعد على طائرة ، أو شراء منتج ما ، أو طريقة دفع مالي محدّدة ، أو الإستماع لموسيقى ، أو مشاهدة فلم ، أو الإنغماس في لعبة ألكترونية ،،،،، إلخ فعاليات يمكن أداؤها بسهولة عبر أماكن متباعدة عن بعضها .

سيقود الإبتكار التقني أيضاً في المستقبل إلى معجزة في جانب قطاع التجهيز مع تحقيق عوائد طويلة الأمد في الكفاءة والإنتاجية ، كما ستنخفض تكاليف النقل والإتصالات ، وستصبح اللوجستيات الخاصة بسلاسل التجهيز العالمية أكثر كفاءة ، وستنخفض كلفة التجارة العالمية . ستعمل كل هذه الفعاليات على خلق أسواق جديدة ودفع النمو الإقتصادي قدماً إلى الامام . في الوقت ذاته ، وكما أشار الإقتصاديان إريك براينجولفسون Erik Brynjolfsson و أندرو ماكافي Andrew McAfee فإنّ الثورة الصناعية الرابعة يمكن أن ينتج عنها قدر أعظم من اللاعدالة السائدة حالياً ( في توزيع الموارد ، المترجمة ) وبخاصة بسبب قدرتها على خلخلة الطلب على العمالة البشرية ؛ إذ أنّ الأتمتة المتسارعة المقترنة بهذه الثورة قادرة على إحلال الآلات مكان العمالة البشرية في معظم القطاعات الإقتصادية ؛ الأمر الذي سيُحدِثُ إزاحة متزايدة للعمالة البشرية والإستعاضة عنها بالآلات ، ومن شأن هذا الأمر مفاقمة الفجوة بين العوائد الممكنة لرأس المال المستثمر والعوائد الناتجة عن استثمار العمالة البشرية . ومن جانب آخر من الممكن أنّ ينتج عن هذا الإحلال المتزايد للتقنية محلّ العمالة البشرية زيادة كبرى في الوظائف الآمنة وذات العوائد المجزية بالمقارنة مع سابقاتها .

ليس بوسعنا في هذه اللحظة الراهنة توقّعُ أي السيناريوهات هو الأكثر احتمالاً لأن يسود المشهد المستقبلي القادم ، وينبؤنا التأريخ أنّ الناتج سيكون على الأرجح خليطاً من نوعٍ ما من الإثنين ( أي أتمتة متزايدة بالإضافة إلى شكل ما من العمالة البشرية ، المترجمة ) ؛ لكن برغم هذا فأنا واثق من أمر واحد على أقلّ التقديرات جوهرهُ أنّ الموهبة البشرية في المستقبل سيكون لها دورٌ أعظم من رأس المال في تشكيل العنصر الحرج الخاص بعملية الإنتاج ، وسيعمل هذا العنصر على نشوء سوق عمل شديد الإستقطاب والتنافر بين فئتين : فئة ( مهارة منخفضة / أجر منخفض ) وفئة ( مهارة عالية / أجر عالٍ ) ، وهذا أمرٌ سيقود بدوره إلى تعاظم حدّة الصراعات الإجتماعية .

تمثل اللاعدالة - بالإضافة لكونها اهتماماً إقتصادياً جوهرياً - الشأن المجتمعي الأعظم المرتبط بالثورة الصناعية الرابعة ؛ إذ أنّ أكبر المستفيدين من الإبتكار التقني هم ذاتهم من يساهمون في توفير رأس المال الفكري والمادي ( المبتكرون ، حاملو الأسهم ، المستثمرون ) ، وهذا هو مايوضّحُ السبب الكامن وراء الفجوة المتعاظمة في الثروة بين هؤلاء المزوّدين لرأسمال المال ( الفكري والمالي ) في مقابل العمالة البشرية ، ولهذا السبب عُدّت التقنية واحدة من أهم الأسباب الجوهرية للركود ( بل وحتى الإنخفاض ) الذي طال مداخيل الكثرة الغالبة من السكّان في البلدان ذات المداخيل العالية : الطلب على العمالة ذات المهارة العالية شهد زيادة كبرى في الوقت الذي شهد فيه الطلب على العمالة ذات التعليم الأقل والمهارة الأدنى تراجعاً ملحوظاً ؛ فكانت النتيجة المؤكّدة نشوء سوق عمالة تتركّزُ على العمالة عالية المهارة ومنخفضة المهارة معاً ، وفي الوقت ذاته حصلت فجوة مالبثت تتوسّع على العمالة ذات المهارات المتوسّطة .

يوضّحُ لنا هذا الأمر السبب وراء كون كثرة من العاملين يعيشون في ظلّ تصوّرات مضخّمة ومخيفة حول الركود الحاد الذي سيصيبُ مداخيلهم الحقيقية ومداخيل أولادهم من بعدهم ، وفي الوقت ذاته يوضّحُ لنا هذا الأمر السبب في أنّ الطبقات الوسطى في كلّ العالم راحت تعيش وسط أجواء ضاغطة وهي تختبرُ إحساساً متعاظماً من عدم الرضى واللاعدالة . إنّ إقتصاداً قائماً على قاعدة ( الفائز يحظى بكلّ شيء ) هو إقتصادٌ يبالغُ في التقتير على الطبقة الوسطى ، وفي الوقت ذاته فهو عامل مساعد على شيوع اللاأبالية المجتمعية والوهن الديمقراطي .

يمكن تغذية عوامل الإستياء أيضاً عبر شيوع التقنيات الرقمية وديناميات مشاركة المعلومات التي تتخذ نمطاً خاصاً تعزّزه مواقع التواصل الإجتماعي . يستخدمُ أكثر من 30 % من سكّان العالم في الوقت الحاضر منصّات التواصل الإجتماعي للتواصل مع بعضهم والتعلّم فضلاً عن مشاركة المعلومات ، وفي عالم مثالي يمكن لهذا النمط من التفاعل الإجتماعي أن يوفّر فرصة ثمينة لترسيخ فهم عالمي عابر للثقافات المحلية ؛ لكن على كل حال يمكن لهذه التقنيات أيضاً أن تخلق وتشيع توقعاتٍ غير حقيقية بشأن مايمكن عدّه " نجاحاً " بالنسبة لفردٍ ما أو مجموعة بشرية ما ، كما أنها قد توفّرُ فرصاً متاحة أمام نشر الأفكار والآيديولوجيات المتطرّفة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. توران شاه زنكي

    الفقرة الرابعة لماذا لابتم ذكرها الخاصة بالميدان الاجتماعي..نعلم انها فقط لالنسخة الاصلية فقط الالمانية والانجليزية

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

16-04-2024

مثقفون: الجامعة مطالبة بامتلاك رؤية علمية تكفل لها شراكة حقيقية بالمشهد الثقافي

علاء المفرجي تحرص الجامعات الكبرى في العالم على منح قيمة كبيرة للمنجز الثقافي في بلدانها، مثلما تحرص الى تضييف كبار الرموز الثقافية في البلد لإلقاء محاضرات على الطلبة كل في اختصاصه، ولإغناء تجربتهم معرفتهم واكسابهم خبرات مضافة، فضلا على خلق نموذج يستحق ان يقتدى من قبل هؤلاء الطلبة في المستقبل.السؤال الذي توجهنا به لعدد من […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram