مكافحة الفساد شرط مسبق للتنمية المستدامة

آراء وأفكار 2021/02/14 10:25:20 م

مكافحة الفساد شرط مسبق للتنمية المستدامة

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

يعد تحقق تنمية بشرية مستدامة في العالم وفي بلدنا تحديداً مسألة جوهرية هذا إذا ما اريد الاهتمام حقاً برفع مستوى ونوعية الحياة الكريمة الطيبة للشعب العراقي ولكن يبقى شرطها المسبق الأساسي هو مكافحة الفساد . إشكالات مازالت ترتبط بترجمة النظرية إلى تطبيق عملي يغطي مجالات الحياة العامة في العراق بخاصة في الحقول الإنسانية.

من هنا ، لابد من مناقشة موضوعية لما أشار إليه رئيس الوزراء العراقي من توضيح العلاقة التبادلية المتداخلة بين الجهود المتطلبة لمكافحة الفساد وتحقيق شروط تنمية بشرية مستدامة في العراق. الهدف هو التوصل لستراتيجية تنموية بشرية مستدامة تنفذ وفقاً لتخطيط ستراتيجي يستقطب الخبرات والمؤهلات البشرية المهنية ويستوعب الطاقات المادية القيمة لإحداث تغييرات حياتية جوهرية.

إن العلاقة المتبادلة بين مكافحة الفساد والتنمية الإنسانية تعد صيغة مقبولة وواقعية للتنمية البشرية مع ما تحمله من تأثيرات وتداعيات "معادلة لافكاك منها". هذا ما تأكد من خلال مقولة السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي لدى ترؤسه الاجتماع الوزاري الأول لمجلس التنمية البشرية في شباط 2021 عنوانها الرئيس : "لن نصل إلى التنمية دون مكافحة الفساد". ترتيباً على ذلك لاحظ المراقبون للشأن العراقي أن خطوات مهمة سابقة في إطار الحرب الدائرة ضد الفساد أسهمت بمحاسبة عدد من الشِلل الإدارية الفاسدة المسؤولة عن تدهور الأوضاع العامة خاصة في المجالات الاقتصادية – المالية ما استوجب إصدار السلطة القضائية أحكاماً قضائية مشدّدة بالحبس والغرامة على المدراء التنفيذيين في عدد من هيئات ومصارف الدولة. علماً بإن ما يتوقع مستقبلاً هو انطلاق حملة شاملة للقضاء على الفساد و كبارالفاسدين مايعرف ب"حيتان الفساد" من خلال تفعيل أكبر وسريع لتنفيذ مختلف مهام لجنة مكافحة الفساد التي تجد جذورها في ظل الحكومات العراقية السابقة التي لم تحقق نجاحات ملموسة تمس مصالح العراقيين الأساسية . الدافع المهم وراء ذلك تخليص البلاد من الفساد أإو على الأقل إحتواءه إلى حدود مهمة تحد من آثاره الخطيره على المجتمع ، الاقتصاد والسياسة دوران يرتبط ب"إلاستثمار في التنمية البشرية" كون الإنسان الركن الأساس للتنمية البشرية المستدامة، شدّد الكاظمي في إطار استكمال لمقولته السابقة على حيوية الاستثمار بالطاقة البشرية بإعتبارها السبيل الأمثل ل"تأسيس إقتصاد مستقبلي مستدام يعالج التحديات ويؤمن إزدهاراً طويل الأمد". أما تكملة العبارة فهي ترتبط تقديم آلية واضحة تسمح للدولة بدور يتجه نحو"تأسيس البنى التحتية و المادية للتنمية وإفساح المجال للقطاع الخاص ، لتحمل دوره في تسريع عجلة الاقتصاد وتوفير فرص العمل التي تحفظ كرامة المواطن ومستقبل أسرته". مضمون الفكرة بصورة أعمق وفقاً لرأي السيد رئيس الوزراء تبين الحقيقة المتوقعة : " إننا لن نصل إلى التنمية الحقيقية من دون مكافحة منهجية للفساد، الذي أخذ يؤسس لنهج إستئثار يعتمد على النفوذ والخروج عن القانون، وينتج حالة جديدة مقلقة من التفاوت الطبقي". رؤية ستراتيجية مهمة ولاشك إن تم تطبيقها بشكل دقيق من قبل سلطات الدول الأربع : التنفيذية - التشريعية –– القضائية والإعلامية سيفضي لتلبية "المصالح الوطنية الحيوية الستراتيجية للعراق". والعكس صحيح ما يؤدي إلى تراجع مستمر في مؤشرات التنمية البشرية التي يرنو كل عراقي وعراقية أن تتحسن توصلا إلى حالة رخاء وسعادة نسبية . من هنا ، أهمية إطلاق مبادرات عملية إستباقية للحماية ومنع الفساد Preventing corruption باعتباره أفضل وسيلة للردع الممكن تصديقه Deterrence Credible وللمحاسبة القضائية المشروعة لكل من يجازف بسلوك خارج القانون.

مجموعة البنك الدولي World Bank Group أختلفت اواتفقت مع إجراءاتها المشدّدة في مناسبات معينة أطلقت مبادرات مضادة للفساد Anticorruption initiatives لمعالجة ظاهرة الفساد منهجياً وعلمياً من خلال اعتماد شبكة تتداخل فيها وسائل وطرق ومناهج العلاج التي تغطي مايلي : التقنيات الجديدة ومنها الرقمية – الاتصالية –التواصلية التي تعتمد أحدث الطرق الاقتصادية – الاجتماعية –العلمية مستفيدة من فوائد عصر العولمة Globalization في تنمية الاساليب الاحصائية وتقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI)في المراقبة والتحقق ليس فقط في إطار محيط الدول النامية وإنما من خلال معرفة سياقات عمل المراكز المالية العالمية International Financial Centres للقوى الكبرى التي تنشد تقليص حجم الفساد سبيلا لاحتوائه ومن ثم القضاء عليه كلما أمكن .إضافة إلى حماية المجتمعات خاصة الفئات الضعيفة والمحرومة منه. إن توفر مناخ آمن ومستقر ولاشك يعد مسألة حيوية لانجاز مشروعات النهضة التنموية المستقبلية.

مجموعة البنك الدولي World Bank Group في تقريرها الصادر في كانون الأول 2020 المعنون مكافحة الفساد Combating Corruption ومن خلال الشفافية والنظام الاقتصادي المنفتح عالمياً أعتبرت وجود الفساد بمثابة تحد رئيس للأهداف المزودجة التي تهدف لتحققها في العالم ) في حالة العراق تحديداً) كونها ترتبط عضوياً : بإنهاء ما وصف بالفقر المدقع بحلول 2030 مع العمل بذات الوقت حثيثاً لأنعاش حالة الرخاء المشترك لأكثر من 40 % من أفقر سكان العالم النامي "المتخلف في عمومه"، علماً بإن نسب الفقر في مختلف محافظات العراق وصلت إلى مديات عليا (بين 30مايقارب 30- 50 % من مجموع السكان) وبالتالي نحتاج لجهود إستثنائية لتقليص الفجوة المتسعة بين المالكين للأموال ولمصادر الدولة الاقتصادية والمالية الضخمة دون وجه حق و للغالبية من شعبنا المكافح والصابر المحتسب الذي لايجد مايسد قوته والذي يسكن الكثير منه في عشوائيات ولايجد أيضاً سكناً يليق بكرامة الانسان .

إن إنعكاسات وتداعيات استمرار ظاهرة الفساد بثقل استثنائي كبير على شريحة الفقراء الواسعة تضاعفت نسبياً عقب ما خلفته تداعيات أزمة كورونا من تكاليف مادية – مالية ضخمة على رأسها خسائر بشرية ومهنية لاتعوض مع محدودية في حجم ونوع الخدمات المقدمة للمواطنين صحياً وتعليمياً والتي وإن وصل بعضها لايوفر على أرض الواقع نمواً اقتصاديا حقيقياً عدا عن كونه يبتعد عن التوصل لصيغة تنموية إنسانية مستدامة تليق بالإنسان .

جزء من المآساة التي نعايشها هي في اختيار شخصيات لاتمتع ليس فقط بالكفاءة وبالتخصص المطلوب ولكنها فاقدة لأهم شرط أخلاقي قيمي أساسي إلا وهو النزاهة والاحساس بالمسؤولية الاخلاقية- الوطنية- المعنوية " في جوهرها" . يضاف إلى ذلك ، إن التكاليف الانسانية عقب كورونا أضحت لاتقدر – حقاً - بثمن نظراً لفقدان حياة نخب عديدة من الصف الأول من ذوي السترات الطبية البيض (الطاقم الطبي- الصحي) في مختلف دول العالم والعراق من ضمنها مع ما يحمل ذلك كله من تداعيات سلبية يمكن توقعها في المراحل القادمة لعراق جديد . الأمر الذي يتوجب إحداث نظام علمي –تقني يواكب التطورات والمستجدات للتحقق وللتوازن Check and Balance system يغطي كل تفصيلات النظام الصحي – البيئي –الانساني كي يواكب معالجة أزمة كورونا بتحوراتها وغيرها من التحديات الملاحقة والصعبة ، من هنا، أهمية استقطاب الكفاءات المهنية العراقية بصورة يحسن اختيار شخوصها بدقة، إذ أن من نماذج التردي المنتظر حدوثه أو الذي يحدث فعلياً مثلاً كنتيجة لتهريب الأدوية غير المرخصة دولياً أو التي تفتقد للصلاحية القانونية للنفاذ الطبي ما يؤسس لإمكانية حصول مخاطر جمة للصحة العامة تتناول مثالاً آخر هو : إمكانية التلاعب بحياة البشر من خلال تأسيس صناعة مشوهة وغير مجدية علمياً للادوية والمصول التي يتظرها شعبنا بفروغ الصبر وصولها قريباً لتنفيذ جراعات التلقيح تمتيناً للحصانة دون مضاعفات كبيرة نسبياً .

إن الحياة الإنسانية ماقبل ومابعد كورونا لن تصل إلى مستوى مقبول أو لائق بالانسان إن لم تتحسن الاوضاع الاقتصادية – المالية والاجتماعية للفئات الفقيرة . بمعنى من المعاني نحن نحتاج لطفرة نوعية تقلل إن لم تُنهي حالة البؤس والمعاناة الدائمة خاصة لأوضاع الفقراء التي تزداد صعوبة مسببة ألالام والتداعيات الخطيرة إنسانياً. لعل مرد ذلك جزئياً يرجع لعدم توفر مصدات حماية إجتماعية صحية – بيئية – تعليمية ومنصات إعلامية ذات مصداقية تلبي حاجة الفئات المتسعة من الفقراء والمحرومين ممن لايتوفر وعي أساس يمكنهم من الحصول على حماية مستدامة نسبياً من حالات الجهل و إختراق الأوبئة بصورة غير مسبوقة وغير متيقن منها مبكراً ما يؤثر بشكل خطير على حياة البشر بل وبقاؤهم . أوضاع كهذه إن لم يتم إصالحها جذرياً ستزيد من فجوة عدم الثقة أو افتقاد للمصداقية بين المحكومين والحكام.

إن ثورة التوقعات التشرينية لجيل الشباب ولأطفال العراق بل وللعراقيين كافة إن لم يتحقق جزءٌ مهم منها يلبي طموحاتها وآمالها في مكافحة الفساد وبناء عراق جديد يحتل موقعاً حيوياً في مؤشرات التنمية الانسانية (ليس من العشرة أو العشرين دولة الأخيرة عالميا) لن تتمكن الدولة من استعادة هيبتها . كما يضحى من الصعب بناء إنموذجاً عراقياً تنموياً وحقيقياً يمكن الاقتداء به.

إن مجموعة البنك الدولي وغيرها من مؤسسات دولية إنسانية حكومية وغير حكومية (من منظورها الستراتيجي) أشارت بشكل واضح جداً إلى أن مجابهة الفساد تحتاج لجهود ضخمة تحمل عزماً وجهداً دؤوباً للتغلب على الجهات ذات المصالح الخاصة vested interests وما أكثرهم في الدول النامية التي يعاني الكثير منها من مظاهر التخلف وسيادة الجهل والفساد وبضمنها العراق.

أخيراً: المعادلة البسيطة الواضحة تشير أنه كلما تضاعفت جهود مواجهة الفساد على مختلف أشكاله ومستوياته بالتزامن مع اطلاق مبادرات تنموية إنسانية حقيقية تستفيد من تجارب دول ناجحة مرت بمراحل أزمات صعبة ولكنها تجاوزتها سيتمكن العراق من خلق قاعدة اقتصادية إنتاجية حقيقية تعتمد العنصر البشري المؤهل والكفوء مايقلل من النفقات وتحمل الأعباء الضخمة والتكاليف المالية – الاقتصادية – الاجتماعية في ظل دولة غير ريعية تعتمد على مصادر أخرى غير الوقود الاحفوري (النفط والغاز الطبيعي) للطاقة المتجددة وتستند لقطاعات إنتاجية تنمي الزراعة والصناعة في كافة تفصيلاتها موفرة مساحة مهمة للقطاع الخاص ليلعب دوراً حيوياً تنموياً .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top